محفل لشواء الآدميين في جدة
الجمعة / 10 / رجب / 1438 هـ الجمعة 07 أبريل 2017 01:54
خالد عباس طاشكندي
@khalid_tashkndi
من المؤسف والمؤلم حقاً أن تدفع الدولة مئات المليارات لتشييد المدارس والجامعات وتنفق بسخاء شديد على التعليم الذي شكل أكثر من 22 % من إجمالي الميزانية و5.7% من الناتج المحلي الإجمالي وهو أعلى من المعدل العالمي المقدر بـ4.4%، ويفوق ما تنفقه العديد من الدول المتقدمة على قطاع التعليم مثل بريطانيا وألمانيا والدنمارك وكوريا الجنوبية، كما تحتضن أكبر قطاع للرعاية الصحية بين دول الخليج، حيث تستحوذ المملكة على نحو 48% من إجمالي إنفاق الحكومات الخليجية على الرعاية الصحية، وفي مقابل كل ذلك نشاهد مئات وربما آلاف المواطنين يتهافتون من مختلف مناطق المملكة، ومن بينهم من يقطع مئات وآلاف الأميال براً وجواً، من أجل مقابلة معالج شعبي «غير مرخص» ليقوم بكي أجسادهم ووسمها بالنار ظناً منهم أن لديه قدرات خارقة في علاج الكثير من الأمراض.
هذا ما حدث قبل أيام قليلة في جدة، حيث وثقت مقاطع فيديو وصور متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي حالة من الازدحام الشديد أمام إحدى الاستراحات لمقابلة معالج شعبي يزعم أنه يعالج الجلطات وعدة أمراض أخرى عن طريق «الكي» بالنار، جاء في زيارة خاطفة ليوم واحد فقط، وأظهرت المقاطع تعطلا في الحركة المرورية ومئات المحتشدين أمام الاستراحة أملاً في تلقي العلاج على يديه، وبحسب الصور ومقاطع الفيديو المتداولة كانت مشاهد الكي مزعجة للغاية، ويتضح أن كل من طلب العلاج كان مجبراً على توقيع تعهد خطي يخلي مسؤولية المعالج من أي تبعات، ولوحظ أيضاً أن هناك من كان يعتقد أنه سيخرج من تلك الاستراحة معافى تماماً، وأكد البعض، أن سبب الإقبال الشديد على هذا المعالج بالذات، هي مقاطع الفيديو التي انتشرت عنه في وسائل التواصل وروجت بأنه عالج حالات مرضية مستعصية عديدة وبسببها ذاع صيته.
ولكن منطقياً، أي شخص يذهب لمعالج شعبي ليس لديه ترخيص من جهة رسمية بمزاولة هذا العمل، ستكون جميع الاحتمالات مفتوحة، فربما يكون مطبباً بالفعل أو أي شيء آخر (نجار، سباك، كهربائي، راعٍ.. إلخ)، والأرجح أنه سيجعل نفسه ضحية لخزعبلات وأوهام يروجها له دجالون ومرتزقة، والعواقب المتوقعة خطيرة بلا شك، ومن الشواهد على ذلك، ما حدث أخيراً في القصيم لمواطن وقع ضحية لمعالج غير مرخص قام بكي جسده من أعلى الرأس حتى أخمص قدميه بأكثر من مئة كية مما شوه جسده بشكل مخيف دون أي فائدة، فقام الضحية بنشر مقطع فيديو يوضح مأساته ليحذر من الذهاب لأي معالج غير مرخص، وانتهى الأمر بإيقاف مدعي العلاج بالكي وإحالته لهيئة التحقيق والادعاء العام، وفي الأسبوع الماضي تعرّض مواطن لنزيف بالدماغ، بعدما التمس العلاج من صداع لدى معالج شعبي قام بكي رأسه بسيخ حديدي غليظ، مما أدى لحفر فروة الرأس وتأثر عظمة الجمجمة، وتسبب ذلك في ارتفاع ضغط الدم وحدوث نزيف والتهابات في الرأس، وأدخل على إثرها العناية المركزة بمستشفى الملك سعود بعنيزة، ثم نقل بالإخلاء الطبي الجوي إلى مستشفى مدينة الملك فهد الطبية بالرياض، وخضع إلى عملية جراحية كبيرة بالجمجمة تم فيها سحب النزيف، ولا يزال يتلقى العلاج في المستشفى.
وقبل ثلاث سنوات، توفي نجم كرة القدم الشهير فهد الحمدان -رحمه الله- بعد أن تعرض لفشل كلوي، وتدهورت حالته خلال أسبوعين فقط بعد أن ذهب لمعالج شعبي في محافظة الزلفي صرف له أعشاباً وبعد ثلاثة أيام من استخدامها انتكس بشكل مفاجئ وتدهورت حالته المرضية بشكل متسارع حتى وافته المنية، وقبل وفاته وهو على سرير المرض أكد أن الأعشاب التي وصفها المعالج كانت السبب في تأزم حالته الصحية.
والسبب في انتشار هذه الحالات يعود إلى خلل في أداء الجهات الرقابية وعدم ملاحقة المعالجين الذين لا يحملون تراخيص رسمية إلا بعد وقوع الضرر على الضحايا، إضافة إلى ضعف أو انعدام التوعية من قبل الجهات المعنية في الصحة والتعليم، وعدم إلمام الكثيرين بالعواقب الوخيمة المحتملة من الذهاب لمعالج شعبي غير مرخص، والأخطر من هذا هم أولئك السذج الذين يتم تحذيرهم ويطلعون على مثل هذه الحالات التي انتكست أو تعرضت للنصب والاحتيال ومع ذلك لا يأبهون ولا يزالون يعتقدون أنهم سيحصلون على علاج سحري، وأمثال هؤلاء يستحقون الكي وشواء أجسادهم أحياء طالما أن «الجاهل أعز من أن يكتشف جهله».
ktashkandi@okaz.com.sa
من المؤسف والمؤلم حقاً أن تدفع الدولة مئات المليارات لتشييد المدارس والجامعات وتنفق بسخاء شديد على التعليم الذي شكل أكثر من 22 % من إجمالي الميزانية و5.7% من الناتج المحلي الإجمالي وهو أعلى من المعدل العالمي المقدر بـ4.4%، ويفوق ما تنفقه العديد من الدول المتقدمة على قطاع التعليم مثل بريطانيا وألمانيا والدنمارك وكوريا الجنوبية، كما تحتضن أكبر قطاع للرعاية الصحية بين دول الخليج، حيث تستحوذ المملكة على نحو 48% من إجمالي إنفاق الحكومات الخليجية على الرعاية الصحية، وفي مقابل كل ذلك نشاهد مئات وربما آلاف المواطنين يتهافتون من مختلف مناطق المملكة، ومن بينهم من يقطع مئات وآلاف الأميال براً وجواً، من أجل مقابلة معالج شعبي «غير مرخص» ليقوم بكي أجسادهم ووسمها بالنار ظناً منهم أن لديه قدرات خارقة في علاج الكثير من الأمراض.
هذا ما حدث قبل أيام قليلة في جدة، حيث وثقت مقاطع فيديو وصور متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي حالة من الازدحام الشديد أمام إحدى الاستراحات لمقابلة معالج شعبي يزعم أنه يعالج الجلطات وعدة أمراض أخرى عن طريق «الكي» بالنار، جاء في زيارة خاطفة ليوم واحد فقط، وأظهرت المقاطع تعطلا في الحركة المرورية ومئات المحتشدين أمام الاستراحة أملاً في تلقي العلاج على يديه، وبحسب الصور ومقاطع الفيديو المتداولة كانت مشاهد الكي مزعجة للغاية، ويتضح أن كل من طلب العلاج كان مجبراً على توقيع تعهد خطي يخلي مسؤولية المعالج من أي تبعات، ولوحظ أيضاً أن هناك من كان يعتقد أنه سيخرج من تلك الاستراحة معافى تماماً، وأكد البعض، أن سبب الإقبال الشديد على هذا المعالج بالذات، هي مقاطع الفيديو التي انتشرت عنه في وسائل التواصل وروجت بأنه عالج حالات مرضية مستعصية عديدة وبسببها ذاع صيته.
ولكن منطقياً، أي شخص يذهب لمعالج شعبي ليس لديه ترخيص من جهة رسمية بمزاولة هذا العمل، ستكون جميع الاحتمالات مفتوحة، فربما يكون مطبباً بالفعل أو أي شيء آخر (نجار، سباك، كهربائي، راعٍ.. إلخ)، والأرجح أنه سيجعل نفسه ضحية لخزعبلات وأوهام يروجها له دجالون ومرتزقة، والعواقب المتوقعة خطيرة بلا شك، ومن الشواهد على ذلك، ما حدث أخيراً في القصيم لمواطن وقع ضحية لمعالج غير مرخص قام بكي جسده من أعلى الرأس حتى أخمص قدميه بأكثر من مئة كية مما شوه جسده بشكل مخيف دون أي فائدة، فقام الضحية بنشر مقطع فيديو يوضح مأساته ليحذر من الذهاب لأي معالج غير مرخص، وانتهى الأمر بإيقاف مدعي العلاج بالكي وإحالته لهيئة التحقيق والادعاء العام، وفي الأسبوع الماضي تعرّض مواطن لنزيف بالدماغ، بعدما التمس العلاج من صداع لدى معالج شعبي قام بكي رأسه بسيخ حديدي غليظ، مما أدى لحفر فروة الرأس وتأثر عظمة الجمجمة، وتسبب ذلك في ارتفاع ضغط الدم وحدوث نزيف والتهابات في الرأس، وأدخل على إثرها العناية المركزة بمستشفى الملك سعود بعنيزة، ثم نقل بالإخلاء الطبي الجوي إلى مستشفى مدينة الملك فهد الطبية بالرياض، وخضع إلى عملية جراحية كبيرة بالجمجمة تم فيها سحب النزيف، ولا يزال يتلقى العلاج في المستشفى.
وقبل ثلاث سنوات، توفي نجم كرة القدم الشهير فهد الحمدان -رحمه الله- بعد أن تعرض لفشل كلوي، وتدهورت حالته خلال أسبوعين فقط بعد أن ذهب لمعالج شعبي في محافظة الزلفي صرف له أعشاباً وبعد ثلاثة أيام من استخدامها انتكس بشكل مفاجئ وتدهورت حالته المرضية بشكل متسارع حتى وافته المنية، وقبل وفاته وهو على سرير المرض أكد أن الأعشاب التي وصفها المعالج كانت السبب في تأزم حالته الصحية.
والسبب في انتشار هذه الحالات يعود إلى خلل في أداء الجهات الرقابية وعدم ملاحقة المعالجين الذين لا يحملون تراخيص رسمية إلا بعد وقوع الضرر على الضحايا، إضافة إلى ضعف أو انعدام التوعية من قبل الجهات المعنية في الصحة والتعليم، وعدم إلمام الكثيرين بالعواقب الوخيمة المحتملة من الذهاب لمعالج شعبي غير مرخص، والأخطر من هذا هم أولئك السذج الذين يتم تحذيرهم ويطلعون على مثل هذه الحالات التي انتكست أو تعرضت للنصب والاحتيال ومع ذلك لا يأبهون ولا يزالون يعتقدون أنهم سيحصلون على علاج سحري، وأمثال هؤلاء يستحقون الكي وشواء أجسادهم أحياء طالما أن «الجاهل أعز من أن يكتشف جهله».
ktashkandi@okaz.com.sa