ثقافة وفن

جشع الصمت

أحمد صالح*

في كل محاولة للكلام يبتلع الكلمات إلى الداخل، يبتلع ريقه وما يلبث أن يشعر بالشبع، الصمت كان وسيلته لإشباع المعدة التي تصرخ بالجوع طوال الوقت. حاجته إلى الطعام لم تكن مبنية على الشعور بالجوع أو عدمه، فجهازه الهضمي يشبه سلة مهملات كاتب مبتدىء، حتى أنفه كذلك لم يكن مهيأ للركض وراء الروائح، لهذا سرعان ما أصبحت طريقته الوحيدة لإشباع حاجة الجسد هي ابتلاع الكلمات. طعامه المفضل هو الكلمات التي تدل على الحب، لا يستسيغ طعوم الكلمات التي تدل على الماضي - بالنسبة له ليست المأساة إلا طعاماً متعفناً - لذلك كان دائماً ما يبحث عن العشاق أو الذين يخوضون جنون البدايات اللاذع، المقبلات هي الكلمات التي تقول الرغبة أياً كانت. عبارات مثل «تحمل، الألم سوف يمضي» أو «لديك ما يكفي الحياة في جسدك، اقبض على الأمل» كانت تسبب له عسر هضم، ولا ينفك أن يذهب به إلى مصحح لغوي يعالجه، ففي حالته ليست به حاجة إلى الذهاب إلى الطبيب أو الصيدلي. بعد سنوات من الشره تجاوز وزنه المئتي كيلوغرام، لم يعد صالحاً للحياة أو الحركة، فجشع الصمت الذي خلف وراءه تخمة أبدية، تكفل بتثبيته على سريره المبعثر بكلمات قضم أنصافها ولم يعد يستطيع أن يبتلعها بالكامل.

* قاص سعودي