كتاب ومقالات

علي النعيمي.. ليس مجرد سيرة ذاتية

عماد الدين حسين

حين تُغدِقُ الكلمات على السطور بعُصارة التجارب الذاتية، ومزيج مخضرم بين الماضي والحاضر، فاعلم أنّك أمام جداريّة من كدحٍ وكدّ ونبضٍ وجُهد وأملٍ وألم، خُطّت بترياق الوفاء للصحراء والانتماء للوطن، والرهان على الكامن في الإنسان، تلك سَبرات خاطري التي أبت إلا الانسياب على السطور بعد إبحاري في سِفر شخصية استثنائية لمع نجمها في صناعة النفط السعودي والعالمي، إنه علي النعيمي، الذي صحِبنا في رحلته منذ ميلاده عام 1935م حتى يومنا عبر 19 إطلالة فصلية، و293 صفحة لكتاب اختار له عنوان «من البادية إلى عالم النفط».

عقدان كاملان شكّل فيهما النعيمي سياسته النفطية العالمية التي تتلمذ عليها العديد من الرواد والاقتصاديين والقادة الاستثنائيين، وما يربو على 70 عاماً من العمر المهني قضاها النعيمي في قلعة النفط السعودي «أرامكو» ووزارة البترول، ليخطّ في سِفرِه اليوم: «لم ألتفت يوماً إلى الوراء، ولو عاد بي الزمن لأعدت الكرة بلا تردد»، مما يعكس تسامحية ذاتية ورؤية استشرافية وعمقا قياديا، لتجد ذاتك في حضرة أديب نفطي شديد الفخر ببداياته وما جادت عليه البادية من خيالٍ خصب: «كانت مدارسنا مجالس السمر حول النار، وكانت أحاديثنا مع الأغراب بمثابة وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة».

غادرتني النهايات وأجدني نهِماً أتوق للمزيد، لأقف في حيرة تتملّكني كيف أوجز شخصيته الموسوعيّة، هل أتحدّث عن نبوغه الأكاديمي وتمكنه من عدة لغات باقتدار، أم أنقل لكم قصة هروبه إلى الظهران من وظيفته الحكوميّة في وزارة الزراعة بالرياض، لينجو من العقاب بأعجوبة بعد استدعائه من قبل الوزير، أم أستحضر مهاراته في الإبحار بسفينة «أرامكو» لبر الأمان بحنكة القائد وفراسة ابن الصحراء بعد الأزمة التي تعرضت لها عام 1999م في ظل تحديات وتهديدات لم ترد في أسوأ السيناريوهات، أم لعلنا نسلّط الضوء على احترافيته في ضبط أسعار النفط في أوقات المدّ والجزر (2008-2014) كما أسماها، أم أتناول بصمته المستدامة في لوحة «أوبك»، أم نجلس معه على طاولة المفاضلة وهو يقرر من سيخلفه في إدارة أرامكو بعد تعيينه وزيراً للبترول عام 1995م.

معمارية النعيمي هي دعوة لسفراء التميّز وقادة الصف الأوّل في القطاعات الحكومية والخاصة لينهلوا من معينِ سِفرٍ لا ينضب، «من البادية إلى عالم النفط»، خطّه النعيمي بأسلوبه السهل الممتنع ليكون القارئ على موعد مع تجربة استثنائية عامرة وزاخرة بتجارب ودروس عملية واقعية وملهمة.

* خبير دولي في التميز المؤسسي والتحكيم