كتاب ومقالات

سيادة الدولة و«سيادة الرئيس»

ولكم الرأي

سعيد السريحي

في سنة ١٩٦٧ تمكنت إسرائيل خلال الساعات الأولى من عدوانها على مصر من تدمير الطائرات الحربية والدفاعات الأرضية في كافة المطارات العسكرية في مصر، ما مهد لها بعد ذلك أن تحتل سيناء في حرب لم تستمر لأكثر من ستة أيام راح ضحيتها مئات الآلاف من الجنود المصريين بين قتيل وجريح وأسير، ومع ذلك لم ينظر بعض المراقبين والمحللين والسياسيين آنذاك إلى ما وقع باعتباره هزيمة شعواء لمصر وانتصارا لإسرائيل فقد تفتقت «عبقريتهم» عما يمكن أن يغطي عورة النظام فراحوا يؤكدون أن إسرائيل إنما كانت تخطط لإسقاط النظام وقتل الرئيس، وما دام النظام بقي صامدا والرئيس لا يزال سالما فإن مخطط إسرائيل فشل فشلا ذريعا وانتهت الحرب بهزيمتها وليس بهزيمة الدولة التي دُمِّرت مطاراتها واستبيحت أرضها وقتل الآلاف من جنودها.

كان ذلك المفهوم هو ما كانت تحاول الآلة الإعلامية أن تكرسه في ذهن الشعب الذي عانى مرارة الهزيمة، وهو مفهوم يختصر الشعب بأكمله في شخصية الرئيس كما يختصر الوطن في مؤسسة النظام.

هذا المفهوم المغلوط الذي يماهي الوطن والشعب في شخص الزعيم لا يلبث في ثورات الشعوب على زعمائها الدكتاتوريين، كما هو حادث في الثورة السورية، أن يلغى الوطن ويلغى الشعب لكي تصبح شخصية الرئيس وحزبه هي الوطن وهي الشعب كذلك وتصبح «سيادة الرئيس» هي سيادة الدولة.

من خلال ذلك كله جاز لنفاق بعض المحللين والمعلقين والساسة أن يتحدثوا عن سيادة سورية دون أن يفكروا قليلا في شعب هاجر منه ملايين المواطنين واضطرت ملايين أخرى للنزوح، كلما طال القتل والقصف منطقة نزحوا إلى منطقة وتحولت مدنه إلى خرابة، لا يزال هؤلاء المنافقون من المحللين والمعلقين والساسة يتحدثون عن سيادة سورية وهم إنما يتحدثون عن «سيادة الرئيس» غير آبهين بالمفهوم الصحيح للسيادة والتي إنما تتأسس على سيادة الشعب على أرضه، وسيادة الدولة التي لا يمكن أن تملك شرعيتها إلا إذا كانت ممثلة لشعبها حريصة على أمنه واستقراره وتنميته وحمايته.