كتاب ومقالات

محاولة أحمد العيسى التوفيق بين نقيضين تضعه في مأزق العادية

نعيمان عثمان يكشف أسباب الولع في السعودية بالتكنولوجيا و«البزنس» (1-6)

علي العميم

كتاب (التعليم العالي في السعودية: تقليدية يعززها ولع بالتكنولوجيا والأعمال)، هو عمل صدر لنعيمان عثمان عن دار جداول، وهذا العمل هو في جوانب منه استكمال لنقاش بدأه المؤلف في كتابه (تربية من دون تعليم)، الصادر عن دار أخرى، هي المركز العربي الثقافي، والذي تناول فيه قضايا أساسية في التعليم: أهدافه ومناهجه. مبرزا التناقض بين نظرة ترى أن التعليم يهيئ الإنسان لحياة اجتماعية مستقيمة لكن هدفه الأساسي (أخروي) وبين نظرة أخرى، ترى أن هدفه (منفعي) للفرد في حياته وبين المهنية وأساس لمجتمع تحكمه عوامل الاقتصاد والسوق وتحركه التكنولوجيا وتنظمه بيروقراطية الأعمال. النموذج الأول تمثله مدرسة (دار التوحيد)، والنموذج الآخر تمثله المؤسسات التي تعلي من قيم التكنولوجيا وتؤمن بجوهرية الإحصائيات وبالحقيقة المطلقة للأرقام والمقاييس وبالموضوعية الكاملة للعلوم.

يستهل المؤلف مقدمة كتابه الجديد بملحوظة تاريخية، تتعلق بكلمتي (إصلاح) و(فساد) هي:

إن كلمة (إصلاح) ارتبطت بتاريخ التعليم العالي منذ كان وأن كلمة (فساد) ترتبط عادة بالسياسة والأعمال. يقول عن كلمة إصلاح أو عبارة (إصلاح التعليم):

إنه كان ينادي بها مع نشأة الجامعة في القرن الثاني عشر في أوروبا من قبل جهات دينية وسياسية. وفي مثال أمريكا صدرت في مطلع القرن العشرين مطالبة بالإصلاح من قبل رجال الصناعة والأعمال الذين فضلوا معاهد وكليات تقنية تقدم تدريبا مفيدا على التعليم الجامعي الذي خلا حينها من الكليات المهنية مثل الطب والقانون والكليات التقنية مثل الهندسة. ومع التطورات الأخيرة في التعليم وخاصة التعليم العالي زاد تعرضه لأنواع الفساد المرتبط تاريخيا بمجال السياسة ومجال الأعمال (أو البزنس).

وينقل عن ستيفان هينمان قوله: أن الالتفات إلى الفساد بدأ في تسعينات القرن العشرين مع انطلاقة فترة النيوليبرالية التي تخلت فيها دول غربية، خاصة بريطانيا وأمريكا عن أدوارها السابقة التي قامت بها منذ الحرب العالمية الثانية، فألغت أو قلصت مسؤولياتها الثقافية والاجتماعية.

الكتاب مكون من خمسة فصول وملحق واحد.

الفصل الأول عنوانه (وزارة التعليم العالي تقيّم نفسها في كتاب بالإنجليزية).

يتحدث في هذا الفصل حديثاً نقدياً عن كتاب عنوانه (التعليم العالي في المملكة العربية السعودية). الكتاب – كما عرف به – يضم أبحاث مشارك في كل منها باحث سعودي وآخر وآخرون من دول أجنبية، وأشرفت وزارة التعليم العالي على إصداره عن دار نشر شهيرة في مجال العلوم والطب، ودشنه وزير التعليم العالي السابق خالد العنقري في الرياض.

في حديثه النقدي عن هذا الكتاب الصادر باللغة الإنجليزية تناوله عبر طرق أربعة، أولاها، وضعه في سياق نقدي مقارن مع أعمال ثلاثة، هي: كتاب (التعليم في العربية السعودية) لعبد الوهاب عبدالواسع وكيل وزارة المعارف في وقت سابق (وكانت الوزارة في ذلك الحين تشمل التعليم العالي) الصادر باللغة الإنجليزية عن دار ماكميلان سنة 1970، وكتاب مترجم إلى الإنجليزية صادر عن دار تهامة سنة 1982، يحمل العنوان نفسه، لعبدالله الزيد الذي كان وقتها مدير التعليم في المنطقة الغربية، ومقالة عنوانها ( فلسفة التعليم الجامعي) لغازي القصيبي ظهرت بالإنجليزية سنة 1982 ثانيتها، عرض أفكار كثير من الأبحاث الذي تضمنها الكتاب مع نقدها، التي اشترك في كتابة كل واحد منها سعودي وأجنبي.

ثالثها، قدّم مراجعة نقدية لقراءة أنَّاليسا بافان للكتاب والذي يرى أنها متعاطفة فيه معه إلى حد كبير، رابعتها، مقارنة الكتاب مع إصدارات سابقة لوزارة التعليم العالي والإسهامات في ندوات كتبها مسؤولون في الوزارة، مع توجيه ملاحظات نقدية. يعترض المؤلف ضمن مطالعته النقدية في كتابه، التي اتخذت تلك الطرق المذكورة على فكرة اشتراك باحث سعودي مع باحث أجنبي يكون الأخير فيه مرشدا (mentor)، للأول:

«لنا أن نطرح سؤالا أساسيا عن أهمية إسهام المشاركين الأجانب وعن كيفية اختيارهم، وحتى نكون منصفين علينا أن نسأل أيضا عن أهمية المشاركين السعوديين وكيف تم اختيارهم. لا شأن لمعظم الأكاديميين السعوديين بالتعليم العالي وبالتربية، بل ولا بالعلوم الإنسانية والاجتماعية كحقول دارسة أكاديمية، وهو ما يزعزع النظرة إلى هذه التخصصات وجديتها... بالنسبة لبعض المشاركين الأجانب، لم يكتبوا المقالات بمفردهم، خاصة أولئك الذي لهم صلة بالوزارة مثل ألتباخ الذي له دور مهم عبر السنين، ويكاد يشارك في كل مؤتمرات الوزارة. أما سميث المحرر والمشارك في عدة مقالات فهو من أعرف الناس بالوزارة ومستكتب سابق لدراسة مركز بحوث الوزارة. كذلك الأمر بالنسبة لديمان الذي كان خبيراً في الوزارة لبرنامج الأبحاث.

ربما الفكرة نفسها تحتاج إلى مساءلة، فكيف يمكن تقبل mentor مرشدا يشارك في كتابة مقالة عن موضوع يفترض أن يكون الطرف السعودي أعرف به، مثل وليد الدالي والتعليم الخاص، خاصة وأن الأجنبي المختار هو رئيس سابق لجامعة ريتشموند الأمريكية في لندن التي لا تعد مثالا جيدا لهذا النوع من التعليم؟ ولماذا يحتاج عمر السويلم المشرف على مركز القيادة في جامعة الملك فهد للبترول لاتباع جيفري إليوت الذي حصل حديثا على الدكتوراه (2008)، والمقال هنا عن القيادة؟ وكيف لوكيلة جامعة سعود لشؤون الطالبات فاطمة جمجوم الاستعانة بمرشدة في مقالة، لا تأتي بجديد سوى بعض الاقتراحات المهمة لكن المعروفة بخصوص فصل تعليم البنات وآثاره السيئة؟ كذلك الحال بالنسبة لمحمد العوهلي، وكيل الوزارة للشؤون التعليمية والمشرف السابق على مشروع آفاق والمشارك في ندوات عديدة عن التعليم في داخل المملكة وخارجها، فهل يحتاج إلى مرشدين في مقالتيه؟ ويتكرر السؤال بالنسبة لمدير مركز البحوث وأحد المستشارين اللذين لهما مقالات عديدة عن التعليم العالي، منها ما يتعلق بقضايا دولية وأنظمة تعليم في دول أجنبية، بل وكتاب بالعربية عن التعليم العالي في المملكة صادر عن مركز البحوث.

ويذكر المؤلف أن الوزارة سبق لها أن استعملت أسلوب التأليف المشترك بين باحث سعودي وآخر أجنبي، ففي المجلة السعودية للتعليم العالي (عدد 8 ديسمبر 2012) التي تصدر عن مركز البحوث بالوزارة يتناول ناصر العقيل وستيفن همفريز (الكراسي البحثية: التجربة السعودية في ضوء التجارب الدولية). ويعترض هنا على مشاركة العقيلي الذي لا صلة له بالموضوع (والذي يسميه بمؤلف الشرف أو المؤلف الشبح) لباحث في قسم التاريخ كهمفريز، ويترأس كرسي الملك عبدالعزيز في جامعة كاليفورنيا – سانتا باربرا وله بحوث عديدة في هذا المجال فإضافة الباحث السعودي تكاد تقتصر على معلومات متداولة عن كراسي البحث في السعودية.

وإذا كان عند المؤلف أن من المستغرب أن عميد البحث العلمي في جامعة الملك فهد يضطر للاستعانة بمرشد، ربما يوجد من له معرفة أكثر بالموضوع مثل مدير وقف الجامعة أو أستاذ الدراسات الإسلامية والعربية الذي أجرت مجلة الجامعة مقابلة معه عن الوقف (الجامعة، العدد السنوي 2013).

يأخذ المؤلف على وزير التعليم العالي السابق، خالد العنقري إصراره في مقدمته على أن الآراء الواردة في الكتاب لا تمثل رأي الوزارة، مع أن الوزارة اختارتهم والسعوديون منهم موظفوها، ولأكثر الأجانب صلة قوية بالوزارة!

يعلق المؤلف على ما ورد في مقدمة محرري الكتاب، (لاري سميث وعبدالرحمن أبوعمة)، من أنهما هما اللذان اختارا المشاركين قائلاً: يتكرر السؤال: من الذي اختارهما -أي سميث وأبو عمة- ليكونا محرري الكتاب ويشاركان في كتابة أبحاثه، ويوكل لهما مهمة اختيار المشاركين فيه؟!

ويعلق على ما ورد في مقدمة المحررين من عدّها المشاركين الأجانب «المقدمة من الصف الأول، ولهم خبرة طويلة في نشر بحوثهم» قائلاً: ليس بين الأجانب من له شهرة أو إنتاج معروف في مجال التعليم العالي، ومعظمهم متخصصون في مجال الأعمال والإدارة ويستثنى من هذا الحكم فيليب ألتباخ لكن حضوره اقتصر – كما قال – على مقالة أعاد فيها بعض أفكاره.

أما السعوديون فإن الكثير منهم هنا يكتب بصفته الوظيفية أكثر من خبرته الأكاديمية في مجال التعليم العالي.

إن نعيمان عثمان غير مقتنع بفكرة اشتراك باحث سعودي مع باحث أجنبي في كتابة بحث أو مقالة أو ورقة بالطريقة التي اتبعتها وزارة التعليم العالي في كتابها عن التعليم العالي في السعودية، الصادر باللغة الإنجليزية، ولا يرى فيها جدوى. وهذا الأمر كان واضحا قبل أن يعلن اعتراضه عليها ويسوق أدلة وأمثلة تدعم اعتراضه.

ففي موضع متقدم من الفصل الأول وفي أثناء حديثه عن اهتمام أنَّاليسا بافان بالتعليم العالي وفي السعودية وصلتها الشخصية بالوزارة، أشار إلى أنها قد قدمت ورقة في مؤتمر عقد في حرم جامعة هارفارد شاركت فيها كمرشدة mentor، أكاديميا سعوديا، وذلك بالأسلوب نفسه المتبع في كتاب الوزارة. هذا الأكاديمي هو عبدالرحمن الفهادي رئيس جامعة تبوك، والذي يقول عنه، أنه بناء على رسالته للدكتوراه التي حصل عليها حديثا من جامعة اكستر في بريطانيا لا يبدو أنه على اتفاق مع آرائها التي تضمنتها قراءتها الاحتفائية بكتاب الوزارة، ولو أن بعض العبارات ونظرة للمملكة تركز على الجانب الديني تجمعهما. بافان في معرض حديثها عن كاسْب تذكر أنه يبشر بخلق جيل من المواطنين العالميينSaudi – global، وفي ورقتهما المشتركة تظهر عبارة محلي – دولي glocal إلا أن رسالته للدكتوراه تخالف هذا الجمع بين المحلي والدولي.

بافان تعطي أهمية كبرى للمملكة كمهد للإسلام، وتذكر الأزهر إلى جانب اليونسكو كهيئتين معتمدتين عالميا في التعليم، لكن للفهادي نظرات مختلفة.

بعد هذا يقول نعيمان: يمكن الافتراض بأن الفهادي أحد مبتعثي برنامج كاسْب أو أنه ابتعث من قبل جامعته لإتمام دراسته في الخارج، لكن اللافت هو أنه كدارس ومدرس لغة إنجليزية يخالف المتوقع من حيث نظرته للخارج وللمرأة، بيد أن الأهم هو ما يمثله من منافاة لأسباب الابتعاث التي ترد في كتاب الوزارة أو على موقعها. وكذلك منافاته تلك الآراء التي تتبناها بافان شريكته في ورقة البحث. ويضيف مشددا: بالتأكيد لا يمكن الحكم الحاسم على برنامج كاسْب من رسالة أو حتى رسائل دكتوراه كما نرى، لكن اللافت في رسالة الفهادي تعارضها مع أهداف الابتعاث المعلنة، وكذلك تناقضها التام مع بعض آراء شريكته.

الفصل الثاني عنوانه (استغلال الجامعات باستيراد نموذج متخيل).

من المشتهر أن أبرز أكاديميين تصديا لمناقشة التعليم العالي في السعودية هما: محمد الخازم وأحمد العيسى. لذا قال في هذا الفصل: للخازم العديد من الطروحات التي تستحق الاهتمام، ولوكان تسنى إدراجها في مشروع كتاب الوزارة لأثرت النقاش، وربما كان من الأفضل مشاركته هو وأحمد العيسى في فكرة الكتاب وكل جوانب إعداده وإخراجه. كلاهما ينتسبان للتعليم العالي وتوليا مناصب إدارية، لكن الأهم هو إسهامها الكبير في طرح قضايا التعليم العالي. ولا يمكن اقصاؤهما بناء على أن العيسى من منتسبي مؤسسة التعليم الفني والتدريب المهني، وأن تخصص الخازم هو «العلاج الوظيفي». فالأول تولى إنشاء وإدارة كلية أهلية، وهناك مشاركة في الكتاب لها تخصص الخازم نفسه.

يرى نعيمان أنهما يبادلان الوزارة المعاملة بالمثل، فكما تجاهلتهما الوزارة في الكتاب، فإنهما لم يتناولاه بالنقاش بعد صدوره في مقالاتهما الصحفية. ويلحظ أن الخازم لم يتعرض من قبل لمجلات وكتب الوزارة، وكذلك لم يفعل العيسى في كتابه (التعليم العالي في السعودية).

ولأن لهما إسهامهما الكبيرين في طرح قضايا التعليم العالي، فهو يخصهما بمحاورة ونقاش نقدي موسع. ورأيه الإجمالي في أطروحتهما يلخصه عنوان الفصل.

وقد أدخل معهما محمد الأحمد الرشيد في أخريات محاورته ونقاشه، مع الإشارة إلى تباينات طفيفة بينه وبينهما.

في ثنايا محاورته ونقاشه لأطروحة الخازم والعيسى يقارن بينهما، فيقول: هناك معلومات وافرة عن الخازم وتخصصه ودراسته الجامعية والعليا، وعن الوظائف التي تنقل فيها، ونعرف عن بحوثه ونشاطه في مجال تخصصه كما نعرف إسهاماته الكتابية على مدى أكثر من عقد عن التعليم العالي. في المجمل آراؤه منسقة، ومعظمها نقدية مباشرة لا تثقلها نظريات أو إحالات لمراجع عربية أو غربية، وإنما هي مصوبة على ما يجري على ساحة التعليم العالي وتمتد أحيانا قليلة إلى العام. أما العيسى فالمعلومات شحيحة عن تخصصه وبحوثه وإسهامات فيه ودوره في مؤسسة التعليم الفني التي ارتبط بها لفترة منها مدة ابتعاثه وعمله. كل ما يتوفر عنه مصدره مقابلات صحفية أو تلفزيونية تدل على نشاط ديني له إبان دراسته في أمريكا. أما عن كتاباته فلا يعرف إلا اهتمامه بالتعليم، عالية وعامة وخاصة. يتابع مثل الخازم المشهد المحلي، لكنه يتوسع في الاعتماد على وثائق ومراجع محلية وأجنبية، في أحيان، نجد له مواقف وآراء لا تدل على التباين فحسب، وإنما على التناقض التام، وفي أحيان أخرى تضعه محاولة التوفيق بين نقيضين في مأزق العادية أو المستوى «المتوسط»، الكلمة المفتاح لهجومه على نوعية التعليم ذي الجودة المتدنية. لا يهاجم الخازم الوزير بالحدّة نفسها التي يهاجمه بها العيسى وعادة لا يجامله إلا في الحالة العابرة التي أتى ذكرها أعلاه. أما العيسى فرغم نقده هيمنة الوزير، سواء في كتابه الأخير أو في قنوات أخرى، فإنه في مقابلته في (الحياة) يتجاوز المجاملة بقوله: «أعرفه وأحترمه وأقدره، يمتع بقدرات قيادية وإدارية عالية المستوى، وهو يحاول قدر الإمكان عدم استخدام كل صلاحياته...».

كذلك يحاول في المقابلة نفسها أن يوازن بين التيار المتشدد، الذي عادة ما ينقده أشد انتقاده، والتيار الليبرالي «المتطرف»، الذي في الواقع ـــ إذا تتبعنا منطوق كلامه ـــ لا وجود له «لأن مجتمعنا مثل بقية المجتمعات الحية في العالم يميل دائما إلى الوسط...»

هذا «الوسط» أو «العادية» هي التي يريد أن ينتشلنا منها، فهي عنده تقابل «التنافسية» التي تقود إلى الأفضل وإلى «التميز».

يشير نعيمان إلى أن الخازم والرشيد والعيسى يجمعون «على ضرورة استقلال الجامعات عند الحكومة ممثلة في وزارة التعليم العالي، لكنهم لا يلقون بالاً للتغيرات التي حصلت لدور الحكومة في بعض دول الغرب وأنماط العلاقة الجديدة بين الحكومة والجامعات، ورغم إشارات الخازم والعيسى إلى كبت الآراء فإن الحرية الأكاديمية التي لا تنفصل عادة عن الاستقلال لا تحظى بالاهتمام نفسه. كذلك لا يولون أهمية لضرورة الاستقلال ليس عن الحكومة فحسب، وإنما أيضا عن رجال الأعمال. نجد أن النظرة إلى هؤلاء إيجابية، فهم الأدرى والأحق بالثقة وأسلوبهم في الإدارة هو الأفضل، ووجودهم في مجلس الأمناء دلالة على استقلالها. حتى عند وصف نشأة الجامعات في الغرب بالاستقلال لم يضم العيسى الاستقلال عن عالم الأعمال رغم تعميمه بذكر السلطات السياسية والدينية والثقافية. لم تكن الجامعات الغربية مستقلة، وقبل العودة إلى بدايات الجامعات في أوروبا يمكن التذكير بأن جامعتي هارفارد وييل تلقيتا في البداية دعما ماليا وضمتا موظفين حكوميين في مجالسها الحاكمة، وكانت الكليات الأمريكية الأولى طائفية وتقاوم تدريس العلوم. هارفارد وييل ووليام آندميري أسست كملحق لكنائسها المختلفة، التي كانت بدورها كانت مرتبطة ارتباطا وثيقا بالحكومات المحلية للمستعمرات. لذا كانت الحوكمة الخارجية (تدخل الحكومة). هي تطور طبيعي للنظرة للكليات على أنها منبثقة من الحكومة. وتقع مسؤولة التعليم العالي في أمريكا على الولاية، لكن منذ 1945 أصبحت الحكومة الفيدرالية تلعب دورا كبيرا.

مقابل هذا التدخل نشأ تعارض بين الاستقلالية والمحاسبة التي على الحكومة الديمقراطية أن تقوم بها مقابل دعمها المالي. في القرن التاسع عشر كانت الحكومة الأمريكية تربط بين الجامعات والتنمية الاقتصادية والقوة العسكرية، لكن هذه العلاقة تطورت بشكل جذري في منتصف القرن العشرين وزاد دور المحاسبة.

لذا الاستقلال التام ــ كما يقول سالمي وهلمز ــ يعني بالنسبة للجامعات الحكومية والخاصة محاسبة أقل وفرصا أكبر للتصرف اللاأخلاقي».