كتاب ومقالات

الانفتاح على «المسيحيين العرب» !

محمد الساعد

المبادرة السعودية بالانفتاح على الكنائس الشرقية واحدة من الانعطافات السياسية الذكية، رغم أن الرياض لم تكن خصما لمسيحي الشرق أبدا، إلا أنها واحدة من أكثر التحركات الدبلوماسية لفتا للانتباه.

خلال «أبريل» الجاري، قام الأمير السعودي خالد بن فيصل بن تركي آل سعود، سفير السعودية لدى الأردن، بزيارة لكلٍ من كنيستي مطرانية الروم الأرثوذكس، والنيابة البطريركية العامة للموارنة في عمان، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الأردنية، بترا.

زيارة لم تستغرق ساعة كاملة، لكنها حملت مضامين مهمة، واستدعت تاريخا يمتد لأكثر من ألفي سنة مسيحية، وألف وأربعمئة سنة مسلمة، مليئة بحسن الجيرة، والشراكة في الأرض، والتوجه لرب واحد.

هذا الانفتاح على الكنائس الشرقية، يقول التالي: إن أكبر حاضنة للإسلام، ومهبط الحرمين الشريفين، ومهد الإسلام الأول، ليست ضد الوجود المسيحي العربي الأصيل في هذه المنطقة المضطربة من العالم.

بل إن المسيحيين، مكون أساس وليس طارئا أبدا، والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والمصاهرات بين المسلمين والمسيحيين العرب، عميقة وقديمة.

والإسلام يرأف بأهل الكتاب والمملكة انطلاقا من دورها الإسلامي، تتعايش مع هذا الوجود، وتساعد على توثيق العلاقات بين كل المكونات، وهي بالتالي ترفض كل الأفكار الرجعية، القائمة على العداء للمسيحيين، ولغيرهم من الأقليات، أو محاولة استئصالهم وتهجيرهم.

خاصة استشراء المشروع الذي تنفذه داعش في بعض الدول العربية، ومن قبلها تنظيم القاعدة، اللتان تتبنيان خطابا إرهابيا تهجيريا قاتلا، يرفض الوجود المسيحي، ويعتدي على الأنفس والأموال ودور العبادة، ويضع على رأس أولوياته استئصالهم، كما حدث مع مدن شرق السويس المصرية قبل أسابيع، ومن قبلها سورية والعراق.

الموقف الثاني الذي يعزز الإستراتيجية السياسية للرياض، كان الموقف الصارم ضد الهجوم الإرهابي الذي مَس الكنائس القبطية في مصر، والذي تجاوز كونه بيانا دبلوماسيا معتادا، تقتضيه الأعراف الدبلوماسية، إلى انحياز كامل للإنسانية، ورفض المساس بحياة الأبرياء، والوقوف بصرامة، مع الدولة المصرية، في حمايتها لشعبها المسلم والقبطي.

بالطبع هذا موقف الرياض الدائم والثابت، إلا أنها أرادت أن تؤكد المؤكد، بتصعيد اللهجة ضد العمليات الإجرامية، حتى إن هيئة كبار العلماء، وهي أعلى مرجعية دينية في المملكة، دخلت على الخط، وأدانت بشدة، الجرائم الموجهة للعباد في كنائسهم، ووصفتها بالمنافية للدين والإنسانية.

السعودية تبني خطا سياسيا موازيا لخط التحالفات الاقتصادية مع القوى الكبرى في العالم، هو خط عروبي، يضمد جراح الأقليات، ويعطيها ضمانات البقاء، ويقود المنطقة للتسامح، ويبني الثقافة اللازمة لذلك.

مسيحيو الشرق بكل تقسيماتهم، ومناطق انتشارهم، جزء أصيل لا يمكن إغفاله أو التعدي عليه، بل إن معظم العرب المسلمين اليوم، خاصة في الشام والعراق وفلسطين ومصر، هم من أصلاب المسيحيين الذين عاشوا في تلك المناطق.

والعلاقة بين مسيحيي العرب، ومسلميه، لا يمكن اختصارها في الجيرة، والتعايش، بل إن البلاد العربية بناها المسيحيون والمسلمون على قدم المساواة، وهذا الدم المسيحي الذي غمر ساحات القتال، ودفاعهم عن أوطانهم لا يمكن نسيانه، بدءا من الوقوف ضد التتار، مرورا بحروب الاستقلال، وانتهاء بموقف كنائس فلسطين من إسرائيل، ووقوفهم مع أشقائهم المسلمين ضد تهويد وطنهم.

لقد أصبح من الملح أن تقود دولة بحجم وأهمية السعودية، هذا الشرق المليء بالخراب والدول الفاشلة، لمزيد من التسامح والتعايش مع الأقليات، وحماية البقية، من مشروع صدام الحضارات، الذي يسعى إليه المتطرفون، لاستجلاب، حرب عظمى، تدفع مسيحيي الغرب لتخليص مسيحي الشرق، من اعتداءات الغلاة.

m.assaaed@gmail.com