كتاب ومقالات

العلاج المناعي للسرطان والخلايا التائية

صالح عبدالعزيز الكريم

لم يحظ أي مرض بالعناية والبحث وصرف الأموال عليه مثل مرض السرطان ومع كل ما عمل له من حفاوة كمحاولة للاقتراب منه وسبر أغواره ومعرفة أسراره والتفاهم مع جيناته والتوصل لمسبباته، إلا أنه مصر في العناد والتحدي شاملا في تحديه المراكز البحثية والعقول البشرية، ومع كل هذا يظل التوصل إلى علاجه وإنهائه من الجسم المصاب به تماما يكاد يكون قاب قوسين أو أدنى وذلك مصداقا للحديث النبوي الشريف الصحيح: ما أنزل الله من داء إلا وله دواء علمه من علمه وجهله من جهله.

أريد من خلال معرفتنا بالسرطان والقرب منه بحثا وتدريسا أن أوضح نقطة جد مهمة، وهي أن السرطان ليس نوعا واحدا وبالتالي فإن أنواعا كثيرة ليست مميتة كما أن الاكتشاف المبكر له يجعل من الممكن القضاء عليه تماما ولا يجعل له على جسم المصاب به سبيلا وأن التطور في أبحاثه ودوائه شيء كبير والحمد لله، وليس من شيء يضر بالمريض مثل التوجه في علاج السرطان إلى الأعشاب والكوي ذلك أن كليهما له تأثير سلبي على الجهاز الذي يحارب السرطان وهو الجهاز المناعي، بالإضافة لما ينتج من استخدام الأعشاب من أضرار جسيمة على الكبد والكلى، هذا الجهاز (الجهاز المناعي) الذي يعتبر آخر الأجهزة البيولوجية اكتشافا هو الوسيلة الدفاعية التي يهابها السرطان وحيث الأمر كذلك هناك سؤال جدير بالطرح ألا وهو: كيف يسمح هذا الجهاز المناعي للخلايا السرطانية بالتنقل والتحرك و«غزو» الأنسجة الاخرى؟ إن الخلايا المناعية زودها الله بقدرة دفاعية «واستخباراتية» عالية جدا وفيها من وسائل التنبه الإلكترونية والكيميائية ما عجز عن معرفته إلى الآن، لكن دهاء الخلايا السرطانية في تنقلها وتحركها وانتشارها لم يصل فكر أي إرهابي أو أي محترف للإجرام ما وصلت إليه ذلك أن الخلايا السرطانية في تحركها وانتشارها «تلتحف» بغطاء خارجي تركيبه مشابه تماما لتركيب الخلايا الطبيعية كتمويه بحيث نقاط التفتيش الموجودة في الجسم من رجالات الجهاز المناعي لا تدرك هذا «التمويه» وينضحك عليها وتعبر الخلايا السرطانية إلى أنسجة اخرى فتدمرها ولذلك يسمى هذا النوع من السرطان بالنوع الخبيث لمكره ودهائه وأضراره بالغة المدى. إن الجهاز المناعي في حالة الإصابة بالسرطان بحاجة إلى دعم معنوي وإمداد مادي، معنوي بالاستقرار النفسي ومادي بإكثار نوعية المقاتلات من أفراده ونخص بالذكر هنا الخلايا التائية فماهي الخلايا التائية وما علاقتها في معالجة السرطان؟

قبل الإجابة عن السؤال أؤكد على أن من يحافظ على جهازه المناعي ويغذيه تغذية سليمة فإنه بإذن الله لا يصاب بالسرطان على الإطلاق كالمدينة التي بداخلها مقاتلات وأجهزة حربية واستخباراتية متطورة فإنها تستعصي على أي غاز لها، أما إذا أصيب الجسم بالسرطان فإن هناك عدة طرق للمعالجة لكن الاتجاه الجديد للعلاج الْيَوْمَ هو تقوية الجهاز المناعي وإمداده بالخلايا التائية التي هي إحدى الخلايا اللمفاوية الموجودة في الدم وهي تلعب دورا أساسيا في المناعة الخلوية ومصدرها الغدة الزعترية Thymus gland وهي أنواع، الاكتشاف الجديد الذي أعطى نتائج مبشرة لمرضى السرطان خاصة سرطان الدم أن هذه الخلايا عند أخذها من المريض وتعديلها بحيث تكون لها القدرة على ملاحقة الخلايا السرطانية فإن ذلك يعمل على قتل الخلايا السرطانية لذلك تسمى الخلايا التائية القاتلة وبعض الشركات تعمل على إنتاج خلايا تائية معدلة وراثيا بحيث تصلح للعلاج لكل مريض مصاب بالسرطان دون الحاجة لأخذ خلايا منه وهي ما يعرف بتقنية CAR Tcells، وسواء التقنية الأولى أو الثانية فإن تطبيق أي منهما على مرضى السرطان أخذ في التقدم وذو أثر إيجابي وهو ما يعرف الْيَوْمَ ولأول مرة بالعلاج المناعي دون الحاجة للعلاج الكيميائي وقلة من أطباء الأورام اليوم يمتلكون القدرة على المعالجة بهذا النوع ومن أولئك القلة الدكتور باسم البيروتي المتخصص في علاج سرطان الدم في كل من جامعة الملك عبدالعزيز ومستشفى الملك فيصل التخصصي.

Prof.skarim@gmail.com