كتاب ومقالات

مضاعفة الإنفاق التنموي بديلاً لحل الأزمة

عبدالله صادق دحلان

من يتابع تاريخ المواقف الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية للملك سلمان منذ أن كان أميرا للعاصمة الرياض، سوف يتأكد بأن قرار إلغاء البدلات عن الموظفين في الدولة لم يكن سوى معالجة آنية لأوضاع اقتصادية صعبة مرّت على منطقة الخليج بصفة عامة وعلى المملكة بصفة خاصة، ورغم حجم العوائد الضخمة الناتجة عن قرار الإلغاء ضمن برنامج الترشيد في الإنفاق لمعادلة مصروفات وإيرادات الميزانية، إلا أنه لم يكن قرارا نهائيا لا عودة فيه بل ظل ضمن اهتمامات القيادة وتابعت القيادة آثاره الاقتصادية على المجتمع بصفة عامة، وعلى وجه الخصوص على مليون وثلاثمائة ألف موظف في القطاع الحكومي يعولون في المتوسط أربعة أفراد لكل موظف، كما تابعت القيادة الأثر الاقتصادي على قطاعات عديدة؛ منها قطاع البنوك وانخفاض قدرات المقترضين على الوفاء بسداد قروضهم والتزاماتهم تجاه البنوك، والأثر السلبي على قطاع التجزئة الذي تأثر نتيجة انخفاض الإنفاق الفردي والأسري، مما تسبب في ركود دام أكثر من 24 شهرا، وتأثر قطاع العقار بانخفاض سعره وتجمد صفقاته وتكدس المخزون العقاري لدى ملاكه، وتأثر قطاع السفر والسياحة وتباطؤ نسب وحركة السيولة في الأسواق وتأثرت قطاعات خدمية أخرى مساندة مثل قطاع التعليم والصحة والخدمات.

ورغم معرفة بعض الاقتصاديين بأننا نمر في دورة اقتصادية صعبة تتطلب من الجميع الصمود أمام هذه الأزمة، الا أن الجميع كان يتابع أسعار البترول المتسبب الأول في الأزمة الاقتصادية نتيجة انخفاض أسعاره إلى مستويات أدنى من المخطط لها في بناء الموازنة والتي نخطط -حسب الرؤية الجديدة- على عدم الاعتماد عليه مستقبلا من خلال التخطيط للمشاريع الاقتصادية البديلة، وفي كل ارتفاع لأسعار البترول كان الجميع يتوقع حدثا إيجابيا من القيادة السعودية تجاه شعبها.

ولم تخيّب القيادة الآمال والطموحات فكان قرار الملك سلمان -حفظه الله- بإعادة البدلات لموظفي الدولة التي ألغيت سابقا ليعيد لكافة موظفي الدولة مدنيين وعسكريين حوالي 450 مليار ريال سنويا سيكون مردودها على حركة الاقتصاد الداخلي، ومن المؤكد أن ذلك سوف يسهم في عودة الأبناء المنسحبين من المدارس الخاصة والكليات والجامعات الأهلية، وسوف يعيد السيولة للبنوك عن طريق استمرار المقترضين من البنوك في دفع الأقساط للقروض الشخصية وأقساط شراء السيارات وأقساط الخدمات والسلع الاستهلاكية الأخرى، وأتوقع أن تتم معالجة العديد من قضايا تأخر دفع الإيجارات لملاك المساكن.

لقد كان قراراً حكيماً من القيادة السعودية أكّد الثقة في اقتصاد بلادنا ورسّخ القناعة بحكمة قيادتنا وتفاعلها مع شعبها في جميع الظروف، وكنت أتمنى أن يتابع الإعلام بقوة ردة فعل القرار في عيون المعنيين من الموظفين الذين عبروا بطرق مختلفة عن سعادتهم ورضاهم وتقديرهم واعتزازهم بقيادتهم، متمنيا على المخططين عدم اللجوء مستقبلا إلى حلول خفض الرواتب أو إلغاء البدلات لأن أثرها السلبي على نمو الاقتصاد أكبر من عوائدها الاقتصادية على ميزانية الدولة، وأن أثرها الاجتماعي سلبيا على نفسية المعنيين بها أكبر من أي بدائل دخل أخرى، مؤكدا أنه قد لا يوجد شعب دولة له ولاء وحب وثقة في قيادته مثل شعب المملكة العربية السعودية كما لا توجد قيادة حريصة على شعبها ورفاهيته مثل قيادة المملكة.

وسنقف جميعا داعمين مساندين لاقتصاد المملكة مهما اختلفت وتغيرت الظروف الاقتصادية، ولم ولن تتغير الولاءات مهما تغيرت الظروف الاقتصادية، وبالرأي السديد والمشورة الصادقة سنشارك قيادتنا في تحمل المسؤولية والبحث عن أفضل البدائل لمعالجة أزماتنا الاقتصادية.

لقد اختلف الاقتصاديون في طرق معالجة الأزمات الاقتصادية في العالم، فمنهم من يرى أن أفضل طريقة لمعالجة الأزمة الاقتصادية هي خفض المصاريف وخفض الإنفاق العام وتجميد المشاريع أو تأجيلها، ومنهم من يرى أن أفضل طريقة لمعالجة الأزمة هي زيادة الإنفاق العام في المشاريع التنموية والاقتصادية التي تسهم في دفع عجلة الاقتصاد وتحريكها بما يؤدي إلى زيادة نمو الناتج القومي وخلق فرص عمل جديدة أو المحافظة عليها.

وأنا من أصحاب هذا الرأي لأن خفض الإنفاق يؤدي إلى الركود الاقتصادي الذي يؤدي إلى زيادة نسب البطالة وارتفاع نسب الفقر وزيادة الأعباء على اقتصاد الفرد والأسرة مما يؤدي في النهاية إلى زيادة الضغوط النفسية واحتقان المجتمع.

إن اللجوء إلى هذه السياسة هو أقصر الطرق وأسهلها للمخططين على المدى القصير وتتم عادة بقرار سريع، ولكن سياسة مضاعفة الإنفاق في الأزمات الاقتصادية تسهم في تحريك الاقتصاد وزيادة نمو الناتج المحلي وهي الأجدى والأنجح ولكنها تحتاج إلى خطط ودراسات فعالة وحقيقية تنفذ على أرض الواقع وليست نظريات على ورق.

* كاتب اقتصادي سعودي