كتاب ومقالات

على أعتاب 100 سنة أخرى !

محمد الساعد

بعد أكثر من مئة عام على بداية تأسيس الدولة السعودية الثالثة العام 1901، يبدو أننا نقف على أعتاب مئة سنة أخرى، هي امتداد لدولة الملك عبدالعزيز رحمه الله، التي حملت الجزيرة العربية من هيمنة الصحراء القاحلة، إلى رحابة التنمية المستدامة، بمحاورها الثلاثة، التي وضعها المؤسس، تنمية داخلية، مكانة إسلامية، موقع سياسي تستحقه المملكة مع مصاف الدول الكبرى.

لقد نجحت رؤية المؤسس وأبناؤه الملوك من بعده تماما، وتعززت التنمية في بلاد هُجرت لسبعة آلاف سنة، وتحولت المملكة إلى مهوى أفئدة الدين والسياسة والاقتصاد، وها نحن اليوم نشهد إعادة بناء تلك الرؤية الإستراتيجية، بمقومات أكبر وأحلام تناسب التغيرات الهائلة في البنية الاجتماعية، والتركيبة الاقتصادية، والطموحات المستحقة سياسيا واقتصاديا في المنطقة والعالم.

السعودية اليوم من حقها وحق أبنائها عليها، أن تعيد قراءة مستقبلها، وترتيب أولياتها، وتعزيز أمنها، في عصر صعب، أكثر وحشية من قبل، وتخوض حروبا جديدة مع أعداء أكثر سمية مما سبق، فإما نكون أو لا نكون، لا مجال للمجاملات، ولا المراهنات، ولا أنصاف الحلول، من الواضح تماما أن المشروعية انتقلت من الولاء العشائري، إلى إيمان المواطنين العميق والصلب بوطنهم وقادتهم.

لم تعد المملكة تلك الدولة الناشئة المتصحرة، قليلة الموارد، فهي اليوم من دول العشرين الأكبر اقتصادا، والمؤثرة فعليا في حركة المال ودورته في العالم، هذا ليس كلاما إنشائيا، هذا قدر المملكة، ونتائج جهود بذلت طوال قرن، ولتستمر تلك المكانة وتزدهر، لا بد من إدراك الواقع الحالي، والانطلاق منه إلى مناطق أكثر رحابة.

الأمير محمد بن سلمان في حديثه المطول مع داوود الشريان في القناة السعودية الأولى مساء الثلاثاء الماضي، بدا شفافا كما يليق بمسؤول في قيادة المملكة، ممتلكا للمعلومة، حاضر الذهن، سريع الإجابة، ملما بكل الملفات التي يديرها، ويعرف بالتحديد المشكلة وتوصيفها والنتائج المترتبة عليها والمخارج المقترحة والمفضلة لديه، تتكشف من بين يديه معلومات دقيقة عن الصعوبات العميقة والهيكلية التي يواجهها الاقتصاد المحلي، وكيف يمكن التغلب عليها، والخروج من نتائجها السلبية.

كما ظهر ذلك جليا في أكثر من إجابة، خاصة في الملف اليمني، حين قال إن هناك حلولا سهلة، لكن نتائجها صعبة، وحلولا بديلة طويلة نسبيا، إلا أن نتائجها مؤكدة وأقل كلفة.

وفي الاقتصاد مرة أخرى، كان واضحا أن ديناميكية الأمير الشجاعة والمبادرة، انعكست على سياسات الترشيد والإنفاق المعتمدة على مدى العامين الماضيين، فالحكومة لم تتخل عن الإنفاق الذكي، ولم تغير سياساتها الحازمة في متابعة خطط الوزارات ونتائجها وطرق القياس، لكنها عندما وجدت فسحة في الموارد المالية، مع ارتفاع عوائد النفط، وزيادة الإيرادات غير النفطية، وانحسار الخطر المحدق الذي ألم بخزينة الدولة ومستقبلها الاقتصادي، أخذت قرارها السريع، بأن ينعكس ذلك فورا على أبنائها المواطنين، فأعيدت البدلات والمزايا التي كان يأخذها موظفو الدولة، ما أثار موجة من التفاؤل.

وفي زاوية أخرى أعطى ولي ولي العهد، لمحة عن خريطة الطريق التي تسلكها السياسة السعودية في علاقاتها مع القوى الكبرى وانعكاسها على الإقليم، وترتيب المواجهة مع المحيط الرخو في اليمن وسورية، ومع القوى المعادية في المنطقة، كجماعة الإخوان المسلمين، وإيران.

المزاج في الشارع السعودي، يبدو اليوم أكثر ثقة في المستقبل، ومنحازا بالكامل للخطط والرؤية الاقتصادية الطموحة التي تتبناها الدولة، وتسعى لتحقيقها خلال الأعوام القادمة، النتائج الإيجابية السريعة التي تكشفت خلال الربعين الأولين من 2017، ستكثفها المشاريع الكبرى المخطط تدشينها بعد رمضان القادم، وستكون الجسر الذي تعبر معه البلاد أولى خطواتها نحو 2030 المرتقبة.

m.assaaed@gmail.com