كتاب ومقالات

تمكين المرأة.. تمكين التقنين

عبدالله الزيد

بعد صدور القرار التاريخي لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله – بعدم مطالبة المرأة بالحصول على موافقة ولي أمرها حال تقديم الخدمات، والأمر بضرورة مراجعة الإجراءات المعمول بها حاليا وإيضاح أساسها النظامي والرفع عنها بمدة لا تتجاوز 3 شهور من تاريخه.

لغة هذا الأمر «حسمية» الدلالة والتطبيق.. وكذلك المحددات الزمنية التي أصبحت قيمة ثابتة في كل القرارات الملكية في السعودية مؤخرا، تعطينا مؤشرا قويا بأن هنالك عملا واضحا في معادلة «التمكين».. وأعني بها تحويل الأفكار إلى مشروعات لها بداية ونهاية وخارطة تطبيق.. وهذا ما يجب لفت الانتباه له والتعزيز من قيمته المضافة، وهو ما يمكن أن أسميه سلوك «الرؤية والتحول». في السعودية الجديدة.

لكن السؤال المطروح بشأن قرار «تمكين المرأة» وما يشغل بالي حقيقة هو الجزء الثاني من الأمر الملكي الكريم بأن على كل جهة تقديم «أسس نظامية» لما يمكن أن يطالبوا به مستقبلاً من بقاء اشتراط «الولي على المرأة» في بعض إجراءاتهم الحالية... والتي أكاد أجزم أنها ستكون مستندات شرعية «دينية». وهي بالتأكيد مستندات لها كل التقدير والقبول بحكم أننا دولة تحكم الشريعية الإسلامية.

إنما احترازي أقدمه على وجهين:

الوجه الأول: أتمنى أن لا تكون المستندات المقدمة فتوى مغلقة على طريقة الرأي، فنحن صحيح – كدولة – نعتمد القرآن الكريم والسنة النبوية دستورين للحكم.. لكن القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة مرشدان وليسا نظما ودساتير بحتة، وبالتالي ستحتاج لدليل تفسيري( فتوى)، وهذا التفسير يمكن أن يكون رأيا قديما مرتبطا بظروف وبيئة مختلفة عن الوقت الحالي، أو ربما متأثرا بعدم وضوح إجراء إداري يمكن التغلب عليه، أو ربما ارتبط طلب ذلك المستند بعلل شرعية تستند إلى تأثيرات ظنية (درء مفاسد) ليس لها علاقة بالدليل الشرعي القطعي الدلالة.

ولذا أعتقد أن على الجهات التي طلب الأمر الملكي الكريم منها تقديم مستند ومسوغ نظامي لطلبها «الولي» أن عليها عرض هذا المستند على لجنة من القانونيين وأصحاب الفضيلة المشايخ بحضور المؤسسات الحكومية ذات العلاقة، ويناقش في جلسات مفتوحة يصل بعدها لتثبيت المستند المقترح الذي منع الأمر بـ«تمكين المرأة» من أحد حقوقها حسب الاتفاقيات الدولية المعتبرة.

الوجه الثاني: يجب أن نصل لمرحلة متطورة من «التمكين» تجعل من الدولة وقوانينها وأنظمتها جزءا من فكرة «الولاية».. فمثلما أن القاضي يمكن أن يزوج المرأة المعضول – مثلاً - أعتقد أننا يمكن لنا أن نشكل (نظام إجراءات) تأخذ الدولة فيه جزءا من صلاحيات الولاية بطريقة لا يرفضها التشريع الإسلامي وتحفظ كرامة المرأة وحقها بنفس الوقت، بحيث ننتقل تماما من الوضع السابق ولا نرجع له مطلقا قدر الإمكان.. فالمقصد بالنهاية هو حفظ بيضة الشريعة من أن تنتهك، والدولة بمؤسساتها التنفيذية والقضائية قادرة على ذلك بإذن الله.

الأهم أننا يجب بعد هذا القرار التاريخي من «تمكين المرأة» أن ننتقل إلى وضع جديد من تمكين القانون لا يسمح بقبول فكرة «الولاية» المطلقة التي حرمت المرأة من أمور كثيرة كفلها لها الشارع وعبثت بها العادات والتقاليد.