هل انتهت أزمتنا الاقتصادية مع إعادة البدلات للموظفين؟
الثلاثاء / 13 / شعبان / 1438 هـ الثلاثاء 09 مايو 2017 01:24
محمد سالم سرور الصبان
sabbanms@
فسر البعض مسألة إعادة البدلات للموظفين الحكوميين بأنها انتهاء للأزمة الاقتصادية التي نعيشها منذ انهيار أسعار النفط قبل حوالى عامين، متناسين أنَّنا في بدايات طريق رحلة لتعديل مسار اقتصادنا السعودي، ولتحقيق الخفض التدريجي من اعتمادنا شبه المطلق على النفط مصدراً رئيساً للدخل. وهي رحلة ستمتدُّ ـ مع امتداد الرؤية ـ إلى عام (2030)، والمتوقع أنْ نرى تحسناً تدريجياً في أداء قطاعاتنا الاقتصادية ابتداء من الأعوام القادمة.
والإحساس الخادع بانتهاء الأزمة الاقتصادية مَرَدُّه إلى الظنِّ أنَّ الحكومة لم يكن بإمكانها أنْ تتراجع عن إيقاف البدلات للموظفين لو لم تكن حاجتها للمبالغ التي تم توفيرها من ذلك الإيقاف قد انتهت، متناسين الحقائق التالية:
الحقيقة الأولى: ما زالت معظم إيراداتنا الحكومية نفطية، ويمثل المتوسط السنوي لأسعار النفط العالمية وحجم إنتاجنا النفطي واستهلاكنا المحلي منه مؤشرات يُستدل بها على طبيعة وتقلبات مصدر تلك الإيرادات. وعلى الرغم من اتفاق أوبك بتخفيض المنتجين لإنتاجهم النفطي، ابتداء من يناير الماضي، إلَّا أنَّ ضغوط مزيد من الإنتاج من الولايات المتحدة الامريكية، وعدم الالتزام الجاد بالتخفيضات المنصوص عليها في اتفاق أوبك، وهشاشة النمو الاقتصادي العالمي وتباطؤ معدلات نمو الطلب العالمي على النفط، قد ساهمت جميعها في الضغط على أسعار النفط لتبقيها في حدود الخمسين دولاراً للبرميل، متراجعةً عن المستوى الذي بلغته خلال الفترة التي تلتْ توقيع اتفاق أوبك، الناتجة عن موجة تفاؤلٍ بجديةِ الالتزام وتَحَسُّنِ أوضاع سوق النفط العالمية.
وعلى الرغم من وجود شبه إجماع على تمديد اتفاق أوبك لستة أشهر قادمة، إلَّا أنَّ عدم التأكيد على الالتزام الكامل من قِـبَلِ الجميع، قد يُؤدِّي إلى بقاء الأسعار عند مستويات الخمسين دولاراً، أوْ أقلَّ. كما أن تخفيض المملكة لإنتاجها بأكثر مِمّا التزمت به في إطار اتفاق أوبك يؤثر سلباً على إيراداتنا النفطية ونحن في أمسٍ الحاجة إليها، كما يُوجِد اتكالية من الآخرين على ما تقوم به المملكة.
الحقيقة الثانية: هنالك نتائج إيجابية تمثلت في زيادة الإيرادات غير النفطية، نتيجة لتنامي إيرادات صندوق الاستثمارات العامة، إضافة إلى عوائد الرفع التدريجي للإعانات وغيرها، تزامنت مع انخفاض في الإنفاق الحكومي نتيجة إجراءات الترشيد التي اتبعتها الحكومة حيث انخفض 80 مليار ريال العام الماضي 2016، و17 مليار ريال هذا العام.
كل هذا أدَّى إلى التوقع بتقليص عجز الميزانية بما نسبته (50%)، على ألَّا يزيد العجز على ستّةٍ وعشرين مليار ريال هذا العام (2017)، مقارنة بتوقعات أن يصل إلى حوالى خمسين مليار ريال. كلُّ هذه النتائج الإيجابية، وذلك التطبيق الجاد لـ«برنامج التوازن المالي»، حَسَّنَ من وضع الاقتصاد السعودي، وأتاحَ له مُتنفَّساً يحتاجه، لكنَّه لا يعني أبداً انتهاء أزمته.
الحقيقة الثالثة: ما زلنا في بدايات طريق إيقاف الهدر والفساد، ولم نبلغ بعد مرحلة القضاء عليهما. وما التحذير الذي أطلقه الأمير محمد بن سلمان في مقابلته الأسبوع الماضي بمحاسبة كل فساد، سواءً جاء من صغير أو كبير، إلّا مؤشرٌ على الجدية في التعامل مع هذا الموضوع الذي أرهق كاهل الاقتصاد وأضاع مئات البلايين من الريالات في الفترات الماضية؛ مُسْتغِلًّا عدم فعالية الآليات القائمة لمكافحته وضعفَ دور هيئة الفساد لِعدِم امتلاكها مخالب اجتثاثه. ولاشكَّ أنَّ حكومتنا على يقين تام بأنَّ «رؤية 2030» لن يُكتب لها النجاح ما لم يتم القضاء على الهدر والفساد.
الحقيقة الرابعة: ما زالت بعض الحروب الإقليمية التي ننشغل بها - وإنْ كان ذلك ضروريًّا - تستنزف أجزاءً متزايدة من إنفاقنا المالي، وتُشكل عبئاً ماليّاً في إطار تكلفة الفرص الضائعة لمثل هذا الإنفاق. كما أنَّنا لم نستطع بعدُ أنْ نتخلَّصَ من مسألة جَـرِّنا إلى بعض الالتزامات المالية الدولية ـ بعضها ضروري في المجال الإنساني وإعادة التعمير هنا وهناك ـ إلّا أنَّنا في طريقنا إلى ترشيد تلك الالتزامات، وهو ما يجب أنْ يتمَّ في ظل الأولويات التنمويَّة المحليَّة.
ولا بد من إضافة أن الحاجة إلى ضخ سيولة في الاقتصاد قد باتت ضرورة أخيراً لتحريك الطلب المحلي على السلع والخدمات.
ختاماً: الضَّرر المعنوي للتفاؤل غير المبرر وغير المدعوم بالواقع أكبر بكثير من سرد الواقع. ويكفينا تفاؤلاً أنْ نعلم أنَّنا على الطريق الصحيح، وأنَّ الحكومة في تعاملها مع الوضع الحالي قد أظهرت جديَّة غير مسبوقة، في ظل تراكمات الماضي التي حدثتْ نتيجةَ تأجيلنا المرةَ تلِوَ الأخرى لإصلاحات كان الاقتصاد السعودي في أمسِ الحاجة إليها وكنّا قادرين على تحمُّلها دون عناء؛ فقد كنّا نعيش في عصورنا الذهبية التي تمكننا من تلافي أية ضائقة مالية تتسبب بها الإصلاحات اجتماعيّاً. والآن لا بديل لنا عن المضيِّ في تحقيق الرؤية والإصلاحات التي تستتبعها؛ ضماناً للإبحار بهدوء واطمئنان في خضم تقلبات الاقتصاد العالمي.
فسر البعض مسألة إعادة البدلات للموظفين الحكوميين بأنها انتهاء للأزمة الاقتصادية التي نعيشها منذ انهيار أسعار النفط قبل حوالى عامين، متناسين أنَّنا في بدايات طريق رحلة لتعديل مسار اقتصادنا السعودي، ولتحقيق الخفض التدريجي من اعتمادنا شبه المطلق على النفط مصدراً رئيساً للدخل. وهي رحلة ستمتدُّ ـ مع امتداد الرؤية ـ إلى عام (2030)، والمتوقع أنْ نرى تحسناً تدريجياً في أداء قطاعاتنا الاقتصادية ابتداء من الأعوام القادمة.
والإحساس الخادع بانتهاء الأزمة الاقتصادية مَرَدُّه إلى الظنِّ أنَّ الحكومة لم يكن بإمكانها أنْ تتراجع عن إيقاف البدلات للموظفين لو لم تكن حاجتها للمبالغ التي تم توفيرها من ذلك الإيقاف قد انتهت، متناسين الحقائق التالية:
الحقيقة الأولى: ما زالت معظم إيراداتنا الحكومية نفطية، ويمثل المتوسط السنوي لأسعار النفط العالمية وحجم إنتاجنا النفطي واستهلاكنا المحلي منه مؤشرات يُستدل بها على طبيعة وتقلبات مصدر تلك الإيرادات. وعلى الرغم من اتفاق أوبك بتخفيض المنتجين لإنتاجهم النفطي، ابتداء من يناير الماضي، إلَّا أنَّ ضغوط مزيد من الإنتاج من الولايات المتحدة الامريكية، وعدم الالتزام الجاد بالتخفيضات المنصوص عليها في اتفاق أوبك، وهشاشة النمو الاقتصادي العالمي وتباطؤ معدلات نمو الطلب العالمي على النفط، قد ساهمت جميعها في الضغط على أسعار النفط لتبقيها في حدود الخمسين دولاراً للبرميل، متراجعةً عن المستوى الذي بلغته خلال الفترة التي تلتْ توقيع اتفاق أوبك، الناتجة عن موجة تفاؤلٍ بجديةِ الالتزام وتَحَسُّنِ أوضاع سوق النفط العالمية.
وعلى الرغم من وجود شبه إجماع على تمديد اتفاق أوبك لستة أشهر قادمة، إلَّا أنَّ عدم التأكيد على الالتزام الكامل من قِـبَلِ الجميع، قد يُؤدِّي إلى بقاء الأسعار عند مستويات الخمسين دولاراً، أوْ أقلَّ. كما أن تخفيض المملكة لإنتاجها بأكثر مِمّا التزمت به في إطار اتفاق أوبك يؤثر سلباً على إيراداتنا النفطية ونحن في أمسٍ الحاجة إليها، كما يُوجِد اتكالية من الآخرين على ما تقوم به المملكة.
الحقيقة الثانية: هنالك نتائج إيجابية تمثلت في زيادة الإيرادات غير النفطية، نتيجة لتنامي إيرادات صندوق الاستثمارات العامة، إضافة إلى عوائد الرفع التدريجي للإعانات وغيرها، تزامنت مع انخفاض في الإنفاق الحكومي نتيجة إجراءات الترشيد التي اتبعتها الحكومة حيث انخفض 80 مليار ريال العام الماضي 2016، و17 مليار ريال هذا العام.
كل هذا أدَّى إلى التوقع بتقليص عجز الميزانية بما نسبته (50%)، على ألَّا يزيد العجز على ستّةٍ وعشرين مليار ريال هذا العام (2017)، مقارنة بتوقعات أن يصل إلى حوالى خمسين مليار ريال. كلُّ هذه النتائج الإيجابية، وذلك التطبيق الجاد لـ«برنامج التوازن المالي»، حَسَّنَ من وضع الاقتصاد السعودي، وأتاحَ له مُتنفَّساً يحتاجه، لكنَّه لا يعني أبداً انتهاء أزمته.
الحقيقة الثالثة: ما زلنا في بدايات طريق إيقاف الهدر والفساد، ولم نبلغ بعد مرحلة القضاء عليهما. وما التحذير الذي أطلقه الأمير محمد بن سلمان في مقابلته الأسبوع الماضي بمحاسبة كل فساد، سواءً جاء من صغير أو كبير، إلّا مؤشرٌ على الجدية في التعامل مع هذا الموضوع الذي أرهق كاهل الاقتصاد وأضاع مئات البلايين من الريالات في الفترات الماضية؛ مُسْتغِلًّا عدم فعالية الآليات القائمة لمكافحته وضعفَ دور هيئة الفساد لِعدِم امتلاكها مخالب اجتثاثه. ولاشكَّ أنَّ حكومتنا على يقين تام بأنَّ «رؤية 2030» لن يُكتب لها النجاح ما لم يتم القضاء على الهدر والفساد.
الحقيقة الرابعة: ما زالت بعض الحروب الإقليمية التي ننشغل بها - وإنْ كان ذلك ضروريًّا - تستنزف أجزاءً متزايدة من إنفاقنا المالي، وتُشكل عبئاً ماليّاً في إطار تكلفة الفرص الضائعة لمثل هذا الإنفاق. كما أنَّنا لم نستطع بعدُ أنْ نتخلَّصَ من مسألة جَـرِّنا إلى بعض الالتزامات المالية الدولية ـ بعضها ضروري في المجال الإنساني وإعادة التعمير هنا وهناك ـ إلّا أنَّنا في طريقنا إلى ترشيد تلك الالتزامات، وهو ما يجب أنْ يتمَّ في ظل الأولويات التنمويَّة المحليَّة.
ولا بد من إضافة أن الحاجة إلى ضخ سيولة في الاقتصاد قد باتت ضرورة أخيراً لتحريك الطلب المحلي على السلع والخدمات.
ختاماً: الضَّرر المعنوي للتفاؤل غير المبرر وغير المدعوم بالواقع أكبر بكثير من سرد الواقع. ويكفينا تفاؤلاً أنْ نعلم أنَّنا على الطريق الصحيح، وأنَّ الحكومة في تعاملها مع الوضع الحالي قد أظهرت جديَّة غير مسبوقة، في ظل تراكمات الماضي التي حدثتْ نتيجةَ تأجيلنا المرةَ تلِوَ الأخرى لإصلاحات كان الاقتصاد السعودي في أمسِ الحاجة إليها وكنّا قادرين على تحمُّلها دون عناء؛ فقد كنّا نعيش في عصورنا الذهبية التي تمكننا من تلافي أية ضائقة مالية تتسبب بها الإصلاحات اجتماعيّاً. والآن لا بديل لنا عن المضيِّ في تحقيق الرؤية والإصلاحات التي تستتبعها؛ ضماناً للإبحار بهدوء واطمئنان في خضم تقلبات الاقتصاد العالمي.