كتاب ومقالات

ماذا لو حكمت إيران الخليج؟

محمد مفتي

قبل أيام صعَّدت إيران من لهجتها الدبلوماسية تجاه المملكة على خلفية تحذير الأمير محمد بن سلمان لها بعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وقد اعتبرت إيران تحذير الأمير محمد بن سلمان بنقل المعركة إلى داخل إيران تصريحاً استفزازياً يمس السيادة الإيرانية، وهو ما قد يشير إلى أن ساسة إيران يعانون كثيراً من انفصام الشخصية أو فقدان الذاكرة، فتحذيرات المملكة منذ وصول نظام الملالي لحكم طهران كادت تكون متلازمة سياسية من المملكة تجاه طهران، وعلى ساسة إيران الرجوع للوثائق بوزارة خارجيتها لتتذكر أن تصريح الأمير محمد ليس الأول ولن يكون الأخير.

للأسف إن ما تقوم به طهران ليس من شيم الدول التي تعرف القواعد الدبلوماسية وتراعي أصولها وآدابها، فإيران تعرف المغزى من وراء تلك التصريحات التي تعتبرها استفزازية وعدائية، كما أنها تدرك بوضوح أن مخططاتها الخفية هي السبب الرئيسي في نزاعات المنطقة الإقليمية، ولكنها تأبى مواجهة أي رد فعل ناقم على تصرفاتها ولو بمجرد تصريح، وتسعى لإظهار نفسها باعتبارها دولة تحترم القانون بمواثيقه الدولية، رغم أنها من أكثر دول العالم خرقاً له.

ترى إيران في حربها ضد المملكة أن كل شيء مباح من خلال الكذب والمراوغة، ومبدأها المرجعي البرجماتي هو أن الضرورات تبيح المحظورات، وهو نفس مبدأ الكثير من حركات الإسلام السياسي المشبوهة مثل الإخوان وأشباههم، كما أنها تسعى لتزييف الوعي واستغلال الجهال ممن لا يتمكنون من التمييز بين التصريحات والأفعال، فالخطاب الإيراني الطنان بوجه عام ليس موجهاً للفئة المتعلمة في أي دولة، بل هو موجه بشكل رئيسي إلى فئتين، الأولى هي فئة العامة الجاهلة بالتاريخ وبالسياسة، غير القادرة على تحليل وربط الأحداث بعضها ببعض، أما الفئة الثانية فهي فئة الخونة الحاقدين على كل ما حولهم وكل من حولهم، وهم يتمسكون بقشة الخيانة رغبة منهم في تحقيق أهدافهم المشبوهة سواء كانت مادية أو غير ذلك، وهي الفئة التي تبيع نفسها دوماً لمن يحقق طموحاتها التعيسة المزرية.

قبل فترة وجيزة كنت أتصفح مذكرات الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، وقد استوقفتني عبارات كثيرة له عن إيران لا يتسع المقام لذكرها الآن، غير أني أذكر إحداها بأن شاه إيران طلب مساعدة الأمريكيين في بناء عدة مفاعلات نووية، ما أثار دهشتي هو أن الخمينيين قبل ثورتهم كانوا يدعون أن شاه إيران يبدد أموال إيران في بناء ثكنات عسكرية لا تحتاجها بالفعل لأنها أمة مسالمة، وأتساءل الآن: ماذا عن المفاعل النووي الإيراني الحالي؟.

يقول كارتر عندما كان الخميني في منفاه بباريس بعث رسالة إلى الولايات المتحدة يطلب فيها دعمهم وأن يده ممدودة بالسلام، لكن -والقول لكارتر- كم كان مؤلماً عندما أداروا لنا ظهورهم بعد وصولهم للحكم، وذلك في إشارة من الرئيس الأسبق إلى أزمة الرهائن الأمريكيين بطهران، يجب أن يعلم حكام طهران أن الأمير محمد بن سلمان تفوّه بما يدور في خلد كل مواطن خليجي، فخصمهم ليست المملكة وحدها بل كل الشعوب الخليجية.

في تصور موجز مأساوي دعونا نجيب على هذا السؤال: ماذا لو حكمت إيران الخليج؟ لا أشك أن أول ما ستفعله هو أن تتخلص من كل الخلايا التي ساعدتها للوصول للحكم والتنكيل بها شر تنكيل، فهم بالنسبة لها مجرد نفايات عندما ينتهي الغرض منها تُعلَّق على أعمدة المشانق، ولا يوجد ما هو أدل على ذلك من الحدث المعروف عن تعاون رئيس الوزراء شابور بختيار مع الخميني، ثم اغتياله بعد نجاح الثورة، ومن المعروف تاريخياً قيام الخميني بإعدام الآلاف من جنرالات وأفراد الجيش الإيراني ومنهم الكثير من الموالين له، وقد استخدم منهج التكفير كمبرر لإعدام خصومه، وكمبرر لتشييع الجيش والتخلص من أهل السنة، فإيران الجديدة لا تحتمل من لا يؤمن بولاية الفقيه.

لو حكمت إيران الخليج ستغير الخريطة الديموغرافية للمنطقة، وتهجر عددا كبيرا من أتباعها للخليج، ستصادر الممتلكات وتفتش في العقول، وتنبش قبور الصحابة الكرام، وتنشر الصفوية في جميع أرجاء المنطقة، عندها سيصبح أهل الخليج ضيوفاً في ديارهم، ولنا في ما يحدث الآن في العراق عبرة وعظة.

قد يتحفظ البعض على الترسانة السعودية ويراها من بنود الإنفاق المبالغ فيه، غير أن القراءة العميقة للواقع الإقليمي تحتم علينا اعتبار تلك الترسانة حائط الصد الأول تجاه الأطماع الإيرانية في المنطقة، فإيران تراقبنا عن كثب، وتنتظر أية فرصة للانقضاض علينا، والتفوق العسكري السعودي هو الذي يكبح جماحها ويثنيها عن مواجهتنا بشكل مباشر، التي تستعيض عنها بالحروب بالوكالة في دول عديدة بالمنطقة، وتخفيض الإنفاق العسكري حالياً وفي الظروف الحالية على وجه الخصوص لا يتناسب مع مقتضيات المرحلة، فالإنفاق العسكري الآن هو ما يجعلنا نشعر بالأمان داخل حدودنا، والشعور بالأمان هو الدعامة الأولى للتنمية، التي لن تتحقق إلا بتمتعنا الكافي بالشعور بالأمن والاستقرار والأمان.