كتاب ومقالات

حين تعيد أمريكا التوازن للعالم

سعيد السريحي

ليس هناك ما هو أكثر خطرا على العالم من أن تستبد به قوة واحدة فيظل مرتهنا لسياساتها وأطماعها وتحالفاتها واشتراطاتها، وذلك ما يمكن أن يشكل خطرا على السلام العالمي في عالم مخير بين الاستسلام لتلك القوة المهيمنة والتسليم بسياساتها وتحقيق طموحاته من خلال انضوائه تحت لواء تلك القوة أو التلظي بعواقب استقلاله عن تلك القوة والوقوع تحت طائلة مناصبتها العداء أو مناصبة من يعمل تحت لوائها العداء له.

ولذلك كان من شروط تحقيق السلام العالمي تعدد مراكز القوى أو توفر قوتين عالميتين من شأن إحداهما أن تحد من شطط الأخرى وتكفكف من محاولاتها التدخل في مصائر الشعوب وتحريض من يتبعونها على التدخل في شؤون غيرهم.

هذا التوازن الضروري لتحقيق السلام العالمي هو ما افتقده العالم خلال العقد الماضي حين أدت السياسة المترددة التي انتهجها الرئيس أوباما إلى إضعاف الدور الأمريكي وتراجعه مما أفضى إلى انفراد روسيا كقوة عالمية ذات أطماع أدت إلى تفجير بؤر الصراع في مواقع كثيرة في العالم كما شجعت من سعوا للتحالف معها على العمل لتحقيق أجندات خاصة بهم مهدوا لها بتدخلاتهم في شؤون غيرهم من الدول.

من خلال ذلك يمكن لنا أن نفهم الأطماع الإيرانية فهي ليست أطماع دولة تعتمد على قوتها الذاتية وإنما أطماع دولة تعتمد على علاقتها بقوة عظمى استشعرت ضعف الدور الأمريكي فبدأت تتوسع في أطماعها ويتوسع الذين يدورون في فلكها في أطماعهم كذلك.

من خلال ذلك يمكن لنا أن نتفهم السياسة التي ينتهجها الرئيس الأمريكي ترمب من حيث إنها سياسة تهدف إلى استعادة التوازن في القوى العالمية وإعادة القوة للدور الأمريكي الذي يمكن له أن يحد من الدور الروسي ودور من ينوبون عنه في زعزعة استقرار المنطقة.

وإذا كان الرئيس الأمريكي قد وصف زيارته إلى المملكة بالزيارة التاريخية فإنما يمكن اعتبارها كذلك لما ينبني عليها من إعادة التوازن للمنطقة وكفكفة التغلغل الروسي فيها وتدخلات من يدورون في فلك روسيا في شؤون غيرهم تحقيقا لأطماعهم واعتمادا على تحالفهم مع روسيا، ولعل الحرب على الإرهاب لا تخرج عن ذلك إذا ما علمنا أن التنظيمات الإرهابية ليست أكثر من تنظيمات تعمل بالوكالة لزعزعة استقرار المنطقة تمهيدا للتدخل الإيراني وتعزيزا للنفوذ الروسي.