كتاب ومقالات

الاحتيال على الحماية

مفتاح ضائع

أنمار مطاوع

تشير الأبحاث الإنسانية إلى أن الأفراد يكونون أكثر سذاجة في قراراتهم وأكثر مخاطرة وأقل حذرا في سلوكياتهم عندما يعتقدون أن هناك جهة أخرى تراقب وتضمن سلامتهم وتحرص عليها وتحافظ على أمنهم وأمانهم في كل مناحي الحياة. على سبيل المثال، السائقون يميلون إلى القيادة بسرعة أكبر عندما يقودون سيارات تصنف بأنها (عالية الأمان)، ويخاطرون في قيادة الدراجات النارية بشكل أكبر عندما يرتدون خوذات الرأس -اعتقادا أنها تحميهم من أي ضرر- بل حتى الآباء والأمهات الذين يحمون أطفالهم الرضع في الكراسي المصممة خصيصا لحماية الرضع من الغرق يكونون أقل حرصا ممن يحمون أطفالهم بدونها. هذه الدراسات كانت خاصة بالإنسان بشكل عام وليس بمجتمع معين.

هكذا يفكر الجميع إذا شعر المجتمع أن هناك جهات مسؤولة تقوم نيابة عنه بالإشراف على سلامته وأمنه وأمانه.. يكون أكثر ميلا إلى التهور أو -على الأقل- عدم المبالاة.. وبالتالي ينجح المحتالون واللصوص القادرون على التفوق على تلك الجهات في خداع المجتمع بشكل أكبر.

أصحاب النفوس الضعيفة الذين لم يكونوا قادرين على فعل خزيهم في الماضي؛ حين لم تكن هناك جهات رقابية بهذا الكم الكبير، أصبحوا حاليا يمارسون فنون الاحتيال على خلق الله ويصولون ويجولون في المجتمع ناهشين منه ومالئين البطون. وعندما ترتفع درجة تذمر المجتمع من الاحتيالات التي تمارس عليه أمام الجهات الرقابية، يُتركون مع فكرة: «أنتم ورطتم أنفسكم.. فاقلعوا أشواككم بأيديكم». وإلى حد ما هذه العبارة صحيحة. فعندما أصبح الاحتيال مهنة، أصبحت وسائله متطورة بشكل يفوق مواكبة الجهات الرقابية؛ أشبه بالفايروسات الإلكترونية وبرامج الحماية.. الفايروسات الجديدة تمر من أمام برامج الحماية وتهجم على المواقع دون القدرة على التعرف عليها.. لأنها أكثر تطورا ودهاء. ما ينجح في مثل هذه الحالات هو الوعي الذاتي؛ الذي صد الهجمات الإلكترونية على الأجهزة الخاصة بالأفراد.

آن الأوان للمجتمع أن يعتمد على نفسه.. وأن يكون كل فرد فيه نبيها.. فطنا.. حذرا. هذا لا يعني أن يصل لدرجة الشك والوسوسة، ولكن لمستوى كبح التماهي في الاعتماد على الجهات الرسمية أو شبه الرسمية لحمايته؛ فالاعتماد على الوعي الذاتي -بعد المولى عز وجل- هو الخطوة القادمة الضرورية للحماية ضد الاحتيال الفكري والمادي.