كتاب ومقالات

اقتصاديات العمرة في مكة والمدينة

عبدالله صادق دحلان

إنجاز رائع لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز تحقق في العاصمة الرياض الأسبوع الماضي عزز موقع ومكانة المملكة العربية السعودية وسط دول العالم في جميع المجالات الإسلامية والسياسية والاقتصادية، ولم يكن التجمع لقادة الدول الإسلامية والعربية والخليجية في المملكة سوى إجماع لقيادة المملكة لدول العالم الإسلامي. وذلك تقديرا واعتزازا بدور المملكة لخدمة القضايا والمصالح الإسلامية.

إن انعقاد القمم الثلاث الأسبوع الماضي بحضور رئيس الولايات المتحدة الأمريكية أكبر دولة في العالم مؤثرة في السياسة والاقتصاد والقوى العسكرية والعلم والبحث العلمي في العالم، هو اعتراف ضمني لدور المملكة المؤثر في القرارات الإستراتيجية في العالم الإسلامي والعربي والخليجي، ولهذا الدور القيادي الإسلامي تتطلع شعوب الدول الإسلامية إلى المملكة بأنها راعية الحرمين وخادمة له وتثمن الشعوب الإسلامية الدور الذي تقوم به المملكة لتوسعة الحرمين والمشاعر المقدسة والخدمات العظيمة التي أنفقت عليها المملكة البلايين بهدف ضمان راحة وسلامة المسلمين حجاجا ومعتمرين، ومن أبرز هذه الخدمات قطار الحرمين الذي سيرفع المعاناة من على كاهل المسلمين المسافرين بين مكة المكرمة والمدينة المنورة وتسخير عشرات الآلاف من رجال الأمن في مختلف القطاعات لحماية أمن المسلمين حجاجا ومعتمرين في شهر رمضان وذي الحجة وبقية الشهور، والحقيقة يصعب حصر هذه الخدمات العظيمة المقدمة من قبل المملكة وقيادتها للمسلمين في الأماكن المقدسة.

وتقديرا للظروف الاقتصادية التي مرت بها المملكة مؤخرا نتيجة انخفاض دخلها المعتمد اعتمادا كبيرا على إيراد النفط المتقلب الأسعار والذي انحدرت أسعاره إلى مستويات خلقت عجزا في ميزانيتها مما دفعها إلى تنويع مصادر دخلها بخطط طويلة وقصيرة المدى.

ومع كل التقدير للخطط والإستراتيجيات المحققة للأهداف الخاصة بتنظيم أعداد الحجاج والمعتمرين، ومنها رفع أسعار تأشيرات العمرة على المعتمرين لأكثر من مرة، والتي قد تشكل عبئا على المسلمين الراغبين في أداء العمرة سنويا أو عدة مرات في السنة، وعلى وجه الخصوص أولئك أصحاب الأسر الذين يفضلون أداء العمرة سنويا خلال إجازاتهم الرسمية عوضا عن قضاء الإجازة في أوروبا وأمريكا ودول أخرى والتي تحاول جذبهم لزيادة الإنفاق في أسواقها بتأشيرات مجانية وتسهيلات كبيرة، ومع التوجه في الخطط المستقبلية لزيادة عدد المعتمرين والحجاج إلى ثلاثين مليونا فإن تحقيق هذا الهدف قد يصعب الوصول إليه بهذا المستوى من القيمة لرسوم العمرة المتكررة التي حددت بخمسمائة دولار أمريكي، وهو رقم كبير للفرد والأسرة خصوصا لشعوب بعض الدول الإسلامية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي نمر بها، وأتوقع أنه لم يكن الهدف فقط زيادة الدخل عن طريق زيادة رسوم التأشيرات لسد العجز في الميزانية، وقد يكون أحد الأهداف هو التخفيف على البنية التحتية في الأماكن المقدسة عن طريق تخفيض أعداد المعتمرين، وفي رأيي الشخصي أنه يصعب علينا تحقيق هدف الزيادة في أرقام المعتمرين والحجاج مع قرار رفع أسعار التأشيرات.

ومع تقديري واحترامي لقرار زيادة رسوم العمرة، فإنني أتمنى أن يعاد النظر في رسوم تأشيرات العمرة والتي سيكون لها أثر كبير على نفوس الشعوب الإسلامية وستكون لردة فعل قرار خفض الرسوم أو تجميدها أبعاد إيجابية ومؤثرة عظيمة وستزيد من احترام وتقدير الشعوب الإسلامية للمملكة وقيادتها.

ورغم عدم وجود الإحصائيات الدقيقة لإجمالي رقم زيادة رسوم تأشيرة العمرة، إلا أنني متأكد من أثرها النفسي الإيجابي على الشعوب الإسلامية أكبر بأضعاف الأضعاف عن أثر إجمالي الواردات من الرسوم على ميزانية المملكة، وأن أثر خفض أو إلغاء رسوم العمرة المتكررة سوف يكون له الأثر الاقتصادي على زيادة أرقام المعتمرين في مكة المكرمة والزائرين لمسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام، حيث ستنعكس إيجابا على نسب تشغيل الفنادق وتشغيل وسائط النقل وقطار الحرمين وتؤثر إيجابا على حركة الإنفاق في الأسواق المحلية، بالإضافة إلى زيادة العائدات من بعض الرسوم الأخرى، مثل رسوم السفر والمطارات وضريبة القيمة المضافة وغيرها، وستسهم الزيادة في عدد المعتمرين في خلق فرص عمل جديدة وخلق وظائف جديدة للشباب السعودي وغيرها من الإيجابيات غير المباشرة.

إن إسهامات المملكة في دعم الفقراء في العالم ودعم وإنقاذ المسلمين وغير المسلمين عند حدوث الكوارث الطبيعية يحفزني لأن أقدم تمنياتي لخادم الحرمين الشريفين في هذا الشهر الكريم أن يوجه بإعادة النظر في رسوم الحصول على العمرة المتكررة وهو صاحب المبادرات الإنسانية الرائعة على المستويين المحلي والدولي ولتحسب قيمة هذه التأشيرات المجانية ضمن مساهمات المملكة الإنسانية للشعوب الإسلامية.

* كاتب اقتصادي سعودي