كتاب ومقالات

الكتابة فن !

أفياء

عزيزة المانع

رغم أن الكتابة لم تكن تجد اعتناء ولا اهتماما من العرب أيام الجاهلية، ورغم ندرة المجيدين للكتابة آنذاك، إلا أنه سرعان ما انقلب الأمر بعد الإسلام، فاحتلت الكتابة الصدارة في مجال اهتمام العرب، وصار للخط عندهم حظوة كبيرة، فاهتموا بجماله وحسن تنميقه، وظهر فيهم خطاطون اشتهروا بجمال الخط والبراعة في زخرفة الحروف والتفنن في أشكال رسمها، كما ظهر مؤلفون ألفوا في الكتابة وأدواتها وأساليبها وأسرار الجمال فيها.

من هذه المؤلفات (كتاب جامع محاسن كتابة الكتاب، ونزهة أولي الأبصار والألباب) لمحمد بن حسن الطيبي في القرن التاسع الهجري. تحقيق الدكتور عبدالعزيز المانع. والكتاب من إصدارات كرسي الدكتور عبدالعزيز المانع لدراسات اللغة العربية وآدابها في جامعة الملك سعود.

من يقرأ عنوان الكتاب يتبادر إلى ذهنه أن الكتاب يحوي مقتطفات من أفضل ما كتبه الكتاب من مقالات ورسائل، لكن من يتصفح الكتاب يدرك أنه احتوى شيئا مختلفا، قد لا يخطر ببال كثير من أبناء هذا العصر.

الكتاب يتحدث عن أبي الحسن علي بن الهلال المعروف بابن البواب، أحد أشهر الخطاطين في القرن الرابع الهجري، الذي وصفه ياقوت الحموي بأنه «لم يوجد في المتقدمين ولا المتأخرين من كتب مثله ولا قاربه».

يبدأ المؤلف كتابه بعرض (تصاوير الأحرف) حسبما صورها ابن البواب، فيعرض صورة الألف وأشكال كتابتها والباء وأشكالها والجيم وأشكالها إلخ، هناك أشكال متعددة لكتابة الحرف الواحد، ويمثل كل شكل نوعا من الخط يسمى (قلما) ويذكر المؤلف ستة عشر نوعا من (الأقلام)، منها قلم النسخ، قلم الرقاع، قلم الثلث، قلم المصاحف، قلم اللؤلؤي، قلم الريحان، قلم الرياشي، وغيرها.

وفي مقدمة الكتاب، يتحدث المؤلف عن أركان الكتابة وفق طريقة ابن البواب، ويشير إلى فضل الكتابة ومكانة القلم ويثني عليه فيصفه بأنه أفضل آلات الكتابة، ويستشهد على ذلك بذكره في القرآن وأن ذلك يدل على أن الكتابة من أفضل الصنائع. ويصف القلم، فيذكر أن على الكاتب أن يختار قلمه من أقوم الأنابيب عقدا وأكثفها لحما وأدقها قشرا وأعدلها استواء، وأن يختار منها ما لايكون شديد الصلابة ولا رخوا، ولا معوجا ولا مفتولا، ويترك الاختيار في الغلظ والدقة على حسب نوع الخط المطلوبة كتابته.

وسر حسن الخط يكمن في طريقة بري القلم (القط)، فلكل نوع من الخط قطة تناسبه، والقطة هي طريقة بري القلم من حيث تدوير السن وتحريفه أو بينهما، فالقط المحرف يصلح للخط المحقق والريحان، والقط المدور يصلح للرقاع، والمقصود بالتحريف أن يكون القلم ذا سن مرتفع من الجهة اليمنى، والتدوير هو أن يكون سنا القلم متساويين. ولا يفوته أن يصف نوع السكين التي يبرى بها القلم، فهي يجب أن تكون رقيقة الحديدة غير ثخينة الوسط، لأنها إذا ثخنت وغلظت عوجت الشق وأمالته إلى ضروب كلها مفسدة، تؤثر على حسن الخط.

من يقرأ الكتاب يدهش لقدرة ابن البواب على إجادة هذا الفن البديع وسعة معرفته بأنواع الخطوط وإحاطته بكثير من أسرارها. لقد بقي تأثير ابن البواب حيا على الخط والخطاطين من بعده، فكان مدرسة شاملة لتعليم هذا الفن الكتابي الجميل.

azman3075@gmail.com