كتاب ومقالات

الأزمة القطرية.. ومفهوم «الولاء والانتماء»

خالد عباس طاشكندي

khalid_tashkndi@

لقد أفرزت لنا أزمة التصريحات القطرية المسيئة مفاجأة مؤسفة، وكأنما «شق السكون -فجأة- عواء ذئب» كما جاء في قصيدة الراحل أمل دنقل «أشياء تحدث في الليل» التي أهداها إلى صلاح حسين الملقب بشهيد الفلاحين في مصر بعد أن غدر به الإقطاعيون عام 1966 دفاعاً عن مصالحهم ولأنه دافع عن حقوق الفلاحين ضد جشع الإقطاع، واشتهرت تلك الواقعة بمسمى «أحداث كمشيش» نسبة إلى القرية التي شهدت حادثة اغتياله.

ولا أقصد من هذه القصة خلق أي أوجه للمقارنة مع ما يدور من خلافات سياسية مع دولة جارة كنا وما زلنا نمني النفس بأنها دولة شقيقة «منا وفينا» تربطنا بها على حد وصف الشيخ تميم بن حمد «أعمق الأواصر الأخوية وأمتنها وأشدها رسوخاً» وفقا لما ذكره خلال مراسم استقباله لخادم الحرمين الشريفين في الدوحة العام الماضي، ولكن ما نقصده هم أولئك المحسوبون علينا بأنهم من أبناء هذا البلد، ترعرعوا فيه وأكلوا وشربوا من خيرات هذا الوطن، ثم باعوه بأبخس الأثمان، بأقل من مائة وأربعين حرفاً اختزلوها في تغريدات مسمومة في الفضاء الافتراضي هاجموا بها من انتقدوا المواقف القطرية الأخيرة دفاعاً عن الوطن وخونوهم بأقذع الشتائم، بما في ذلك مهاجمتهم لوسائل الإعلام الوطنية وتكذيبها وتخوينها، في حين انبروا للدفاع عن قطر وضد كل من وقف بجانب وطنه ودافع عنه في ظرف كهذا.

هؤلاء الرهط بلا أدنى شك خانوا وطنهم، ومؤامراتهم وأهدافهم مكشوفة، وغالبيتهم يدفعهم لذلك ولاؤهم الحزبي العميق لجماعة الإخوان وقياداتهم الذين تؤويهم دولة قطر وتبرزهم عبر وسائلها الإعلامية الرسمية والوسائط الإعلامية الأخرى التي تمولها في الخارج، بل واستمرأ الكثير منهم الخيانة، حيث سبق وأن رفعوا شعارات «رابعة» الإخوانية عبر حساباتهم المشبوهة في مواقع التواصل الاجتماعي تعبيراً لولائهم للجماعة، بالرغم أن الدولة جرمت الانتماء لهذه الجماعة وصنفتها بأنها جماعة إرهابية وأعلنت عن محاسبة «كل من يقوم بتأييد مثل هذه التنظيمات، أو الجماعات، أو التيارات، أو التجمعات، أو الأحزاب، أو إظهار الانتماء لها، أو التعاطف معها، أو الترويج لها، أو عقد اجتماعات تحت مظلتها، سواء داخل المملكة أو خارجها، ويشمل ذلك المشاركة في جميع وسائل الإعلام المسموعة، أو المقروءة، أو المرئية، ووسائل التواصل الاجتماعي بشتى أنواعها، المسموعة، أو المقروءة، أو المرئية، ومواقع الإنترنت، أو تداول مضامينها بأي صورة كانت، أو استخدام شعارات هذه الجماعات والتيارات، أو أي رموز تدل على تأييدها أو التعاطف معها»، وذلك وفقاً للأمر الملكي رقم 16820 بتاريخ 5/‏5/‏1435هـ، والذي دخل حيز التنفيذ منذ يوم الأحد 8/‏5/‏1435هـ، الموافق 9 مارس 2014.

ولا نغفل أن بعض الدهماء والسوقة انجرفوا خلف هؤلاء الحاقدين على الوطن بعد أن خيلوا لهم بأن الدوحة هي واحة الفضيلة بأوصاف لن نجدها حتى في خيالات أفلاطون ومدينته الفاضلة، وقاموا بالدفاع عن مواقف دولة قطر والقنوات الإعلامية القطرية خاصة الجزيرة فيما وجهوا إساءات مباشرة لوسائل الإعلام السعودي وكل من انتقد المواقف القطرية، وكان الأولى بهؤلاء إما الدفاع عن وطنهم والوقوف بجانبه أو كف ألسنتهم، وما اقترفوه يستوجب المطالبة بمحاسبتهم وفقاً للأنظمة والقوانين بناء على ما تفوهوا به في شبكات التواصل من تخوين وسب وشتم وقذف ضد كل من دافع عن الوطن خلال هذه الأزمة، فهذه الأفعال المشينة تندرج تحت البند الأول من المادة السادسة من نظام مكافحة جرائم المعلوماتية الذي يعاقب بالسجن في حدود خمس سنوات وبغرامة تصل إلى ثلاثة ملايين ريال لكل من يقوم إنتاج ما من شأنه المساس بالنظام العام أو القيم الدينية أو الآداب العامة، وإرساله عبر الشبكة المعلوماتية.

الأهم من كل هذا، يكمن في الأسباب التي أنتجت لنا شريحة اجتماعية لديها خلل مخيف في مفهوم «الولاء والانتماء» للوطن، فهناك من يساهم في هذا الخلل عبر التشويش الفكري والعقائدي، بزعم أن الولاء يجب أن يكون مطلقاً للأمة الإسلامية، وهو ما يلغي مفهوم الوطن والمواطنة وسيادة الدولة وحدودها لدى هؤلاء، وتلقائيا أصبح مفهوم الانتماء لديهم ليس للأمة الإسلامية مجتمعة، حيث تفرعت هذه المسألة وفقاً للمرجعية المذهبية والفكرية والسياسية الدينية، وهذا الأمر خطير ومستفحل في عقول الكثيرين مع الأسف، وعليهم إدراك أن «الولاء» لله سبحانه وتعالى و«الانتماء» للوطن، والنظام الأساسي للحكم في المملكة واضح وصريح في هذا الشأن «المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية ذات سيادة تامة، دينها الإسلام ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولغتها هي اللغة العربية وعاصمتها الريـاض، ويبايـع مواطنوها الملك على كتاب الله تعالى وسنة رسوله وعلى السمـع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره».

ktashkandi@okaz.com.sa