كتاب ومقالات

حماية قطر من نفسها

عبدالرحمن الطريري

الشعب القطري شعب خليجي عربي لا يريد أي طرف أن يكون جزءا من أزمة، ولكنه بالفعل جزء من أزمة لم يخترها، بل اختارها له نظام الحمدين منذ أكثر من عقدين، كان يسمع ويقرأ هذا المواطن انتقادات لنظامه الجديد الذي أتى إلى الحكم بانقلاب الابن حمد على والده خليفة، وهو انقلاب حدث حين كان الشيخ خليفة خارج البلاد، حاملا سمات الغدر بكامل المواصفات.

وقد حافظ النظام القطري على سمات الغدر، وأضاف لها سمات خبيثة عدة، كاللعب على المتناقضات وتمويل الإرهاب والمؤامرات على الأشقاء، ولا شك أن هذا كان يشعر المواطن القطري بالخجل، لأنها ليست صفات المواطنين القطريين، الذين يعرفهم كل خليجي بالمصاهرة وبالصداقة ويعرف أخلاقهم جيدا.

ولكنهم كانوا مغلوبين على أمرهم فمن ذا الذي يجرؤ على انتقاد نظام، يسجن شاعرا بتهمة قصيدة، وكان الإعلام الذي يعنون نفسه كإعلام الرأي والرأي الآخر، لا يعني بذلك أي رأي قطري أو عن قطر، وكأن الجزيرة تحولت من محطه في دولة، إلى دولة تسكن في محطة.

وترافق مع انقلاب حمد بحث عن دور أكبر من حجم الدولة، ولهذا الدور أدوات، منها دعم المعارضات العربية، ولهذا المسلك منفعة تتمثل في إزعاج الأنظمة العربية، خصوصا الكبرى، والسعي لابتزازها وإثارة القلاقل، وإيجاد وسيلة تواصل مع الغرب باعتبارها الراعي للمعارضات العربية، ولكنها لم تقبل أي معارضة وطنية مستقلة، لأنها لن تنصاع للتقلبات القطرية حسب دواعي البرجماتية السياسية، ولم تتوان الأطراف الموالية لقطر في تصفية المستقلين، والأمثلة في تونس وليبيا وغيرها كثيرة.

وكانت المعارضة التي تناسبها على وجه الخصوص هي جماعة الإخوان هي كخيار أمثل، وهذا يضمن لها كتل بشرية تتحرك بإمرة رجل واحد أو مجموعة رجال، اتباعا لمبدأ السمع والطاعة الموجود لدى الحركيين الإسلامويين ولدى الإيرانيين كذلك.

وقد تقاربت الدوحة مع إيران كثيرا بحثا عن دور منافس للخليج وللسعودية تحديدا، بل وسمحت لها بالتغلغل بشكل قد لا تدرك خطره، ولكنه لن يكون أقل من ما وقع فيه بشار الأسد بفتح كل الأبواب للحرس الثوري، ونذكر كيف أن قطر دعت أحمدي نجاد ليحضر قمة خليجية في الدوحة في 2009، ثم وقعت اتفاقية أمنية مع إيران في 2010.

ولكن قطر في تقاربها مع إيران استلهمت منها سبل تقارب غير مباشرة مع الغرب، رغم أن لها علاقات جيدة مع الغرب، بل ومع إسرائيل أيضا، ومن هذه السبل فتح قنوات تواصل مع تنظيم القاعدة، وعرض أشرطة قادتها، ومنهم أسامة بن لادن على شاشة الجزيرة، وصولا إلى دعم فصائل قريبة من القاعدة في سورية.

وكانت تظن أن هذا التقارب مع الأطراف الإرهابية على الأرض، سيجعلها القناة المفضلة للغرب للتواصل مع الإرهابيين، ومن ذلك إطلاق سراح الرهائن، والذي كان سبيلا لتمويل الإرهابيين بشكل غير مباشر.

والذهنية التي عرفها المواطن القطري عن الشيخ حمد منذ الانقلاب، ظل هو الحاكم لسياسات الأمير، فقد كان يتآمر مع القذافي ويقيم معه ومعه سيف الإسلام أحسن العلاقات، وبمجرد أن حانت الفرصه لإسقاطه كانوا أول من يحفرون قبره.

وسعوا للسيناريو نفسه في سورية ولم تسر الأمور كما يريدون لإيصال الأخوان لحكم سورية، وقبل أن يتبين لهم أن الإرادة الدولية تتجه لإبقاء الأسد، كانوا يحرصون إلى دعم كل فصيل مضاد للمعارضة المعتدلة وتحديدا المدعومة من السعودية.

أما بعد تبين صعوبة إزالة الأسد، عاد شهر العسل بينهم وبين حزب الله ونظام الأسد في 2013، وصولا إلى لقاء بين الشيخ تميم وقاسم سليماني قبل أيام من القمة الإسلامية الأمريكية، وفي بقعة أخرى كان القطريون يسهمون في دعم الحوثيين في قتالهم ضد الدولة اليمنية، ولاحقا دعمهم لإفشال عاصفة الحزم، ولو كان الظاهر دعمهم للتحالف العربي.

كان وهم الشيخ حمد، سواء حين كان في الحكم أو عندما أصبح يدير الحكم، أن يسقط الدول العربية الواحدة تلو الأخرى، ويبقى هو عازف للأفاعي دون أن تؤذيه، لكن الوقفة اليوم من الدول العربية وعلى رأسها السعودية، أتت للتصدي لهذا الدعم والتمويل للإرهاب الذي ضرب العرب والمسلمين قبل غيرهم، وحماية لقطر ولشعب قطر من طموحات وحقد أميرها السابق وحاكمها حتى الآن.