«نزاهة» بحاجة إلى «نظام» يمكّنها لا تنظيم يقيّدها
السبت / 22 / رمضان / 1438 هـ السبت 17 يونيو 2017 02:04
غسان بادكوك
gbadkook@
كثيراً ما انتقدنا الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة)، وطالبناها بأن تقوم بدور يعكس مسمّاها ووظيفتها (الرئيسية)، تحقيق الهيئة لذلك الدور كان يتطلّب منها كشف ومعاقبة المتورطين في مختلف أوجه الفساد، وهو أمر يتجاوز قدراتها الحالية، ويبدو أننا كنا مخطئين في نقدنا لأن الهيئة وبعد ست سنوات على إنشائها -وسط تفاؤل وترحيب كبيرين في حينه- أثبتت أنها وُلِدت خِدِّيجة!؛ وأنها لم تمتلك الأدوات التنفيذية الضرورية لأداء دورها المأمول؛ نتيجة لافتقادها للـ(مخالب) اللازمة التي تُمكّنها من ذلك.
تصريح مؤسف:
مناسبة الحديث السابق هو خبر ملفت ومؤسف في ذات الوقت، نشرته هذه الصحيفة على صدر صفحتها الأولى يوم الإثنين الماضي وكان عنوانه («نزاهة» تشكو رفض «ساما» كشف حسابات مشبوهي «الفساد»)، وجاء في الخبر أن أحدث تقارير الهيئة كشف عن مواجهتها عوائق عديدة لايتسع المجال لذكرها؛ تحول دون قيامها بالمهمات المنوطة بها؛ من أبرزها عدم اكتمال وضعها التنظيمي، وقِلّة تجاوب الجهات الحكومية معها، وتأخُّر البت في قضايا الفساد.
الاعتراف بالمشكلة:
أهمية الخبر السابق تكمن في أنها المرة الأولى -حسب علمي- التي تخرج فيها الهيئة عن صمتها (رسمياً)، وتتحدث علانية عن حاجتها للمزيد من الصلاحيات بعد فترة إنكار طويلة، كانت ترفض فيها الاعتراف بوجود حاجة لتمكينها بالمزيد من السلطات وتعديل بعض المواد الواردة في تنظيمها لتتمكن من ممارسة مسؤولياتها وتحقيق أهدافها التي ينتظرها مجتمعنا بفارغ الصبر؛ دون تحقيقها نتائج (كبرى) تتناسب مع اسمها وتلبي طموحات المواطنين.
تناقض لافت:
ذلك التطور اللافت على موقف الهيئة جعلني أستحضر تصريحاً مهماً يتناقض معه، وسبق أن أدلى به قبل سنتين وتحديداً في 10 يونيو 2015 المتحدث الرسمي للهيئة عبدالرحمن العجلان، ذكر فيه عدم وجود حاجة لإضافة أي مواد في نظام (يقصد تنظيم) الهيئة!؛ نافياً قيام الهيئة برفع أي طلب إلى خادم الحرمين الشريفين (حتى تاريخه) لتعديل مواد في (النظام) القائم للهيئة، كما أشار العجلان إلى أن المقترح الذي تقدم به عضوا الشورى آنذاك د. ناصر الداود ود. موافق الرويلي، بخصوص سن نظام (جديد) للهيئة، هو إجراء داخلي للمجلس وليس للهيئة علاقة به.
موقف الشورى:
وإذا تغاضينا عن الخطأين اللذين وقع فيهما المتحدث الرسمي للهيئة بعدم تفريقه بين (النظام) و(التنظيم) وتأكيده غير المبني على أسس موضوعية (وهو ما أثبتته الأيام لاحقاً) بأن الهيئة ليست بحاجة لإعادة النظر في (تنظيمها)، فإن من الصعب التغاضي عن النتائج التي ترتبت على موقف مجلس الشورى آنذاك حينما صوّت على عدم ملاءمة مشروع نظام للهيئة؛ مسقطاً بذلك مقترح العضوين اللذين فجّرا مفاجأة من العيار الثقيل بكشفهما أن الهيئة تعمل منذ إنشائها بدون نظام يحكم أعمالها!، وشتّان بين النظام والتنظيم.
مبررات نظامية:
مبررات ذلك التصويت المؤسف للشورى لم تختلف كثيراً عن مبرراته السابقة (غير المبررة) لرفضه أو عرقلته بعض مشاريع الأنظمة المهمة التي لم ترَ النور رغم أهميتها البالغة؛ بذريعة وجود مواد نظامية في أنظمة أخرى، تقوم مقام الأنظمة المقترحة؛ وهو ما قرأناه كسبب لرفض مشاريع أخرى كشروع نظام الوحدة الوطنية، ومشروع نظام مكافحة التحرش، إضافة لاعتبار الشورى أن المشروع المقدم لم يكن محكما وكان بحاجة للمزيد من الدراسة، وهو ما يطرح تساؤلا عن عدم تكليف المجلس للجنة أو فريق عمل لتطويره، بدلا من إسقاطه.
مشروع جديد:
والأكيد هو أن اعتراف هيئة نزاهة (أخيراً) بحاجتها لنظام مناسب، يؤكد ضرورة إعادة النظر في الموضوع، لأن استمرار الهيئة في عملها بدون نظام يضمن تمكينها من القيام بدورها على الوجه المطلوب، هو ممّا يغل يدها ويجعلها عاجزة عن مواجهة الفاسدين، والأمر كذلك فإنني أرجو مبادرة أعضاء المجلس لتقديم مشروع جديد لنظام هيئة مكافحة الفساد؛ خصوصاً أن نظام المجلس يسمح بذلك؛ بعد مرور عامين على رفض المقترح الأول، وقد مرت الآن سنتان وبضعة أيام على إسقاط الأغلبية للمشروع السابق.
الحل أو الدمج:
أمّا إذا كان مجلس الشورى لا يزال مقتنعاً بعدم تمكين هيئة نزاهة وتزويدها بالوسائل التنفيذية، فقد يكون من المفيد النظر في إمكانية حلّ الهيئة تماماً، أو تحويلها لجهاز مهمته التوعية بمخاطر الفساد وإجراء الدراسات عنه، وفي حال تعذر ذلك، يمكن دمجها مع هيئة الرقابة والتحقيق التي تمتلك الصلاحيات والأدوات المناسبة لأداء نفس الدور، وبذلك سنوفّر ميزانية نزاهة التي تصل لنحو 240 مليون ريال، إلّا أن ذلك قد ينطوي على رسالة مفادها عدم جدّيتنا في مواجهة الفساد وملاحقة الفاسدين، ولاسيما أن استمرار الهيئة بوضعها الحالي هو بمثابة هدر للموارد وازدواجية في الاختصاصات، وتشتيت للجهود، وطمأنة للمفسدين والفاسدين.
بلاغ عن فساد:
وقد يكون من المناسب أن أختم مقالي هذا بتقديم بلاغ عن أحد نماذج الفساد الإداري الواضحة في مدينة جدة والتي تتطلب تحركاً من هيئة نزاهة وغيرها من الأجهزة الرقابية والضبطية والتحقيقية؛ وفِي مقدمتها وزارة الشؤون البلدية والقروية وأمانة محافظة جدة، والحالة هي وجود مقهى معروف يقع في أحد المراكز التجارية؛ ذلك المقهى يكاد ينفرد بعدم التزامه بتعميم صدر عن وزارة الداخلية عام 2012 يقضي بمنع تقديم الشيش والمعسلات في الأماكن المغلقة والمقاهي والمطاعم والمراكز التجارية (غير المكشوفة).
والغريب أن ذلك المقهى وبعد خمس سنوات من صدور قرار وزارة الداخلية بالمنع، لا يزال يقدم المعسلات داخل صالة (مغلقة ومكيفة)؛ في تحدٍ سافر للتعميم المشار إليه!، في حين تقوم فرق المراقبة الميدانية للأمانة بفرض الغرامات على باقي الكافيهات والمقاهي غير الملتزمة بالتعميم، والتي تصل عقوبتها لحد إغلاقها، باستثناء ذلك المقهى الذي يتمتع بوضع استثنائي يثير التساؤلات عن «نزاهة» البعض، ويسعدني تقديم اسم ذلك المقهى المخالف للجهة المعنية، لو رغبت.
gbadkook@yahoo.com
كثيراً ما انتقدنا الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة)، وطالبناها بأن تقوم بدور يعكس مسمّاها ووظيفتها (الرئيسية)، تحقيق الهيئة لذلك الدور كان يتطلّب منها كشف ومعاقبة المتورطين في مختلف أوجه الفساد، وهو أمر يتجاوز قدراتها الحالية، ويبدو أننا كنا مخطئين في نقدنا لأن الهيئة وبعد ست سنوات على إنشائها -وسط تفاؤل وترحيب كبيرين في حينه- أثبتت أنها وُلِدت خِدِّيجة!؛ وأنها لم تمتلك الأدوات التنفيذية الضرورية لأداء دورها المأمول؛ نتيجة لافتقادها للـ(مخالب) اللازمة التي تُمكّنها من ذلك.
تصريح مؤسف:
مناسبة الحديث السابق هو خبر ملفت ومؤسف في ذات الوقت، نشرته هذه الصحيفة على صدر صفحتها الأولى يوم الإثنين الماضي وكان عنوانه («نزاهة» تشكو رفض «ساما» كشف حسابات مشبوهي «الفساد»)، وجاء في الخبر أن أحدث تقارير الهيئة كشف عن مواجهتها عوائق عديدة لايتسع المجال لذكرها؛ تحول دون قيامها بالمهمات المنوطة بها؛ من أبرزها عدم اكتمال وضعها التنظيمي، وقِلّة تجاوب الجهات الحكومية معها، وتأخُّر البت في قضايا الفساد.
الاعتراف بالمشكلة:
أهمية الخبر السابق تكمن في أنها المرة الأولى -حسب علمي- التي تخرج فيها الهيئة عن صمتها (رسمياً)، وتتحدث علانية عن حاجتها للمزيد من الصلاحيات بعد فترة إنكار طويلة، كانت ترفض فيها الاعتراف بوجود حاجة لتمكينها بالمزيد من السلطات وتعديل بعض المواد الواردة في تنظيمها لتتمكن من ممارسة مسؤولياتها وتحقيق أهدافها التي ينتظرها مجتمعنا بفارغ الصبر؛ دون تحقيقها نتائج (كبرى) تتناسب مع اسمها وتلبي طموحات المواطنين.
تناقض لافت:
ذلك التطور اللافت على موقف الهيئة جعلني أستحضر تصريحاً مهماً يتناقض معه، وسبق أن أدلى به قبل سنتين وتحديداً في 10 يونيو 2015 المتحدث الرسمي للهيئة عبدالرحمن العجلان، ذكر فيه عدم وجود حاجة لإضافة أي مواد في نظام (يقصد تنظيم) الهيئة!؛ نافياً قيام الهيئة برفع أي طلب إلى خادم الحرمين الشريفين (حتى تاريخه) لتعديل مواد في (النظام) القائم للهيئة، كما أشار العجلان إلى أن المقترح الذي تقدم به عضوا الشورى آنذاك د. ناصر الداود ود. موافق الرويلي، بخصوص سن نظام (جديد) للهيئة، هو إجراء داخلي للمجلس وليس للهيئة علاقة به.
موقف الشورى:
وإذا تغاضينا عن الخطأين اللذين وقع فيهما المتحدث الرسمي للهيئة بعدم تفريقه بين (النظام) و(التنظيم) وتأكيده غير المبني على أسس موضوعية (وهو ما أثبتته الأيام لاحقاً) بأن الهيئة ليست بحاجة لإعادة النظر في (تنظيمها)، فإن من الصعب التغاضي عن النتائج التي ترتبت على موقف مجلس الشورى آنذاك حينما صوّت على عدم ملاءمة مشروع نظام للهيئة؛ مسقطاً بذلك مقترح العضوين اللذين فجّرا مفاجأة من العيار الثقيل بكشفهما أن الهيئة تعمل منذ إنشائها بدون نظام يحكم أعمالها!، وشتّان بين النظام والتنظيم.
مبررات نظامية:
مبررات ذلك التصويت المؤسف للشورى لم تختلف كثيراً عن مبرراته السابقة (غير المبررة) لرفضه أو عرقلته بعض مشاريع الأنظمة المهمة التي لم ترَ النور رغم أهميتها البالغة؛ بذريعة وجود مواد نظامية في أنظمة أخرى، تقوم مقام الأنظمة المقترحة؛ وهو ما قرأناه كسبب لرفض مشاريع أخرى كشروع نظام الوحدة الوطنية، ومشروع نظام مكافحة التحرش، إضافة لاعتبار الشورى أن المشروع المقدم لم يكن محكما وكان بحاجة للمزيد من الدراسة، وهو ما يطرح تساؤلا عن عدم تكليف المجلس للجنة أو فريق عمل لتطويره، بدلا من إسقاطه.
مشروع جديد:
والأكيد هو أن اعتراف هيئة نزاهة (أخيراً) بحاجتها لنظام مناسب، يؤكد ضرورة إعادة النظر في الموضوع، لأن استمرار الهيئة في عملها بدون نظام يضمن تمكينها من القيام بدورها على الوجه المطلوب، هو ممّا يغل يدها ويجعلها عاجزة عن مواجهة الفاسدين، والأمر كذلك فإنني أرجو مبادرة أعضاء المجلس لتقديم مشروع جديد لنظام هيئة مكافحة الفساد؛ خصوصاً أن نظام المجلس يسمح بذلك؛ بعد مرور عامين على رفض المقترح الأول، وقد مرت الآن سنتان وبضعة أيام على إسقاط الأغلبية للمشروع السابق.
الحل أو الدمج:
أمّا إذا كان مجلس الشورى لا يزال مقتنعاً بعدم تمكين هيئة نزاهة وتزويدها بالوسائل التنفيذية، فقد يكون من المفيد النظر في إمكانية حلّ الهيئة تماماً، أو تحويلها لجهاز مهمته التوعية بمخاطر الفساد وإجراء الدراسات عنه، وفي حال تعذر ذلك، يمكن دمجها مع هيئة الرقابة والتحقيق التي تمتلك الصلاحيات والأدوات المناسبة لأداء نفس الدور، وبذلك سنوفّر ميزانية نزاهة التي تصل لنحو 240 مليون ريال، إلّا أن ذلك قد ينطوي على رسالة مفادها عدم جدّيتنا في مواجهة الفساد وملاحقة الفاسدين، ولاسيما أن استمرار الهيئة بوضعها الحالي هو بمثابة هدر للموارد وازدواجية في الاختصاصات، وتشتيت للجهود، وطمأنة للمفسدين والفاسدين.
بلاغ عن فساد:
وقد يكون من المناسب أن أختم مقالي هذا بتقديم بلاغ عن أحد نماذج الفساد الإداري الواضحة في مدينة جدة والتي تتطلب تحركاً من هيئة نزاهة وغيرها من الأجهزة الرقابية والضبطية والتحقيقية؛ وفِي مقدمتها وزارة الشؤون البلدية والقروية وأمانة محافظة جدة، والحالة هي وجود مقهى معروف يقع في أحد المراكز التجارية؛ ذلك المقهى يكاد ينفرد بعدم التزامه بتعميم صدر عن وزارة الداخلية عام 2012 يقضي بمنع تقديم الشيش والمعسلات في الأماكن المغلقة والمقاهي والمطاعم والمراكز التجارية (غير المكشوفة).
والغريب أن ذلك المقهى وبعد خمس سنوات من صدور قرار وزارة الداخلية بالمنع، لا يزال يقدم المعسلات داخل صالة (مغلقة ومكيفة)؛ في تحدٍ سافر للتعميم المشار إليه!، في حين تقوم فرق المراقبة الميدانية للأمانة بفرض الغرامات على باقي الكافيهات والمقاهي غير الملتزمة بالتعميم، والتي تصل عقوبتها لحد إغلاقها، باستثناء ذلك المقهى الذي يتمتع بوضع استثنائي يثير التساؤلات عن «نزاهة» البعض، ويسعدني تقديم اسم ذلك المقهى المخالف للجهة المعنية، لو رغبت.
gbadkook@yahoo.com