أخبار

المملكة تطرح نموذجا اقتصادياً يتصدى لتحديات التنمية

صالح الزهراني (جدة)

saleh5977@

تحولت قمة مجموعة دول العشرين إلى منتدى جامع لحل المشكلات العالمية الكبرى، بدءا من السياسة إلى الاقتصاد، مرورا بالبيئة وأوضاع الدول الفقيرة.

وانطلاقا من رصيدها الإنساني، أبت السعودية إلا أن تقدم في كل قمم المجموعة نموذجا جديدا للاقتصاد والسياسة بنكهة قيمية معتدلة، تحظى بالتقدير والاحترام في كافة دول العالم.

وتمثل المملكة في قمم العشرين صوت الكثير من الدول الفقيرة، التي لا يصل صوتها إلى الأغنياء في الدول الكبرى؛ لتحقيق عدالة أكبر في تنمية المجتمعات الفقيرة، والتصدي لتحديات التنمية المتعثرة تحت وقع الخلافات السياسية والاقتصادية في نصف العالم الجنوبي.

ففي عامي 2014 و2015 شارك خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في القمتين، اللتين عقدتا في أستراليا وتركيا، وقدم فيهما نموذجا للقائد الحريص على مصالح كل دول العالم.

وتصدرت رؤيته عام 2014 قضية التنمية في الدول الفقيرة، رغم أن أسعار النفط غردت بعيدا عند مستويات الـ110 دولارات قبل أن تنهار تدريجيا بعد ذلك.

ورأى الملك سلمان بحكمته أن هذا الأمر يؤثر على التنمية في الدول الفقيرة، فدعا إلى ضرورة تمكينها من الحصول على الطاقة بأسعار مناسبة، وهي ذات الرؤية التي تمتلكها الرياض منذ سنوات، إذ تعمل على ضمان اعتدال الأسعار لصالح المنتجين والمستهلكين معا، وذلك في إطار التنمية المتوازنة، لأن أسعار النفط المرتفعة قد تقود إلى موجات من التضخم السعري، كما أن الانخفاض الزائد عن المعقول يؤدي إلى حالة من التراجع الاقتصادي والركود، الذي بات العالم يعاني منه الآن، ومن الممكن أن يؤدي لارتفاعات مفاجئة في الأسعار في أي وقت، لتتراجع بالتالي الاكتشافات وأعمال التنقيب.

صندوق لدعم الفقراء

يبقى من المهم الإشارة إلى أن قمة 2017 يجب أن تعطي أولوية لتطبيق اتفاقية باريس للمناخ من أجل الحفاظ على البيئة، ودعوة الولايات المتحدة الأمريكية إلى العودة لها مجددا، والتركيز على التنمية المستدامة خصوصا بالنسبة للفقراء، وتخصيص نسبة محددة من دخول الدول الغنية لدعم التنمية والحياة الإنسانية بتلك الدول، بعيدا عن الاشتراطات والمصالح السياسية، واقتراح إنشاء صندوق إلزامي لدعم الفقراء.

ويظل هذا الهدف في أولويات المملكة، إذ وقفت مع الدول الفقيرة في القمم السابقة داعية الكبار إلى ضرورة الوفاء بتعهداتهم تجاه التنمية في الدول الفقيرة من خلال إزالة العراقيل أمام منتجاتهم، والسماح بتحرير التجارة واقعيا وليس على الورق فقط، وتقليص السياسات الحمائية الغربية للسلع والخدمات.

وقدمت السعودية نموذجا رائدا وعمليا في دعم الأعمال التنموية والإنسانية في الدول الفقيرة، وهذا ما أكدته تقارير الأمم المتحدة التي وصفتها بأنها نموذج يحتذى به في هذا الشأن، وأن على الغرب ألا يواصل التقتير في دعم الفقراء.

مواجهة الإرهاب

وجاءت رؤية خادم الحرمين الشريفين في قمم العشرين بشأن مكافحة الإرهاب مغايرة تتميز بالشفافية من خلال المواجهة الشاملة له، وهي التجربة التي حازت تقدير دول العالم. وانطلق الملك سلمان في ذلك من أنه لا مجال لأي تنمية أو استقرار دون أمن.

ونجحت التجربة السعودية التي ركزت على الضربات الاستباقية، والمعالجات الفكرية والنفسية في إعادة أكثر من ثلاثة آلاف تكفيري إلى جادة الصواب، ويوما بعد آخر يتضح للعالم صواب الرؤية السعودية التي طالبت منذ سنوات بوجود تعريف محدد للإرهاب، كما لم يشهد العالم مواجهة فعلية مع الإرهاب سوى في الموقف السعودي العربي الأخير من دولة قطر التي ترعى الإرهاب وتؤجج الفتن في الدول الأخرى.

ولا شك أن الغرب يتذكر جيدا أن السعودية سبقت الجميع في التحذير من إمكان وقوع هجمات إرهابية في أوروبا وأمريكا ما لم يوجد تحرك جاد، وقد أثبتت الأيام أيضا صدق هذه التوقعات، بعدما أصبحت هذه الدول مسرحا بشكل شبه يومي لعمليات الذئاب المنفردة والعائدين من تنظيم «داعش».

والحقيقة أن وقت المكاشفة على الصعيد العالمي قد حان، ويجب أن يعرف الجميع من هو الإرهابي، ومن الداعم والمتعاطف معه؛ لأنهم لا يقلون خطورة عن المنفذ الفعلي للجريمة.

ولا شك أن السعودية، ومصر، والإمارات، والبحرين، قدموا للعالم نموذجا يحتذى به في كيفية الحسم لمواجهة الإرهاب القادم من قطر، وهذا الموقف يحتاج إلى دعم ومؤازرة المشاركين في قمة العشرين، لأنه لا مجال للمكايدة السياسية أو دعم الإرهاب سوى التجريم والفضح أمام شعوب العالم.

مراقبة الإقراض وملاءة البنوك المالية

في رؤيته للاقتصاد، حرص خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز على أهمية التأكد من اكتمال تعافي الاقتصاد من الأزمة المالية العالمية، التي عصفت به في 2008 ولازالت تداعياتها قائمة حتى الآن.

وحتى يتسنى ذلك يجب أن تتوافر الآليات اللازمة لمراقبة ضوابط الإقراض، والتأكد من الملاءة المالية للبنوك، وحجم الاحتياطات، والمخصصات للديون المعدومة والمشكوك في تحصيلها.

ففي أزمة عام 2008 المالية التي نجمت عن عدم تسديد سلف الرهن العقاري الممنوحة لمدينين لا يتمتعون بالملاءة المالية انهارت البورصة، وأعلن 19 بنكا إفلاسه، وامتدت الأزمة من أمريكا إلى أوروبا وغيرهما من دول العالم مسببة حالة من الشلل الاقتصادي لم يتعاف منه نهائيا حتى الآن. وتكلفت خطة الإنقاذ إنفاق أكثر من 700 مليار دولار من أجل حماية المدخرات، والأملاك العقارية، وتشجيع النمو الاقتصادي من جديد.

وكشفت الرؤية السعودية أن هذه الأزمة سببها خلل في تطبيق معايير العولمة، التي يجب تصحيحها لتكون في صالح الجميع وليس قلة صغيرة استفادت منها في إنشاء شركات عابرة للحدود من أجل تصريف منتجاتها لدى الفقراء، الذين يلهثون وراء الشره الاستهلاكي رغم ملاءتهم المالية الضعيفة.