كتاب ومقالات

هل للفقير حق أن «يتفشخر»؟

أسعد عبدالكريم الفريح

نحن وأبناؤنا، نتزوج لتسكن أنفسنا إلى إنسانة نحبها وتودنا وترضى بِنا على «قرادة» وضعنا، لنحقق ما شرعه الله ونجري سنة سيد البشر وهو القائل «من رغب عن سنتي فليس مني»، وبكل ما يحويه الزواج من إيجابيات يظل أحدها هو سيد الأماني ومربط الفرس والجمل أيضا، ألا وهو أمنية كل زوجين أن يرزقهما الله بطفل ينير بطلّته حياتهما ويشنف أذانهما بصوته الذي هو بالنسبة لهما أعذب لحن موسيقي سمعاه أو قد يسمعانه، ويأتي الابن ذكرا كان أو أنثى لا فرق ونطير فرحا ثم تبدأ رحلة المليون ميل التي تبدأ بخطوة، هم الحرص عليه حتى لا يشاك بشوكة ثم تربيته حتى يشتد عوده أو غصنه الذي في هذه الأيام مع الرضاعة غير الطبيعية الغصن يعتبر إنجازا معتبرا يقام له، ثم رحلة التعليم ثم الوظيفة فالزواج وتوابعه من تكاليف، خصوصا أنها صارت هذه الأيام بـ«الهكي» والذي لم يفهم معنى هذه الكلمة يعني بـ«الكوم» والذي لم يفهم لا هذه ولا تلك نجيبها بالانجلو ارابك «تومتش»، والمصيبة أنه مع ذلك فهناك جماعة فقر و«عنطزة» وأعرف أن ما حيلتهم إلا اللظى وفِي فرح أبنائهم الذي جمعوا ميزانيته ليس من عرق جبينهم بل من جبين الديون وعرق الآخرين؛ هؤلاء يضعون على كل طاولة دهن العود والشكولا ولا ضير من بعثرة كم جنيه ذهب، المهم مالنا وطوالها طبعا «أجعص» موظف الآن ما يقدر ولا على «نتفة صغيرونة»، من تكاليف الأفراح والليالي الملاح والسهر حتى الصباح. ويبقى الوالدان وبالذات الأب الذي هو أصلا من قبيلة المفاليس، وفخذه فقران وجده شحات بن مسكين ما يملك شروى نقير ولا أماني فقير، فيضطر لإعلان النفير نبيع «حتة» الأرض التي اشتريناها لليوم الموعود المفقود، وبحكم أن سراه مع البنك العقاري يحل بعد 15 سنة فالحي أبقى من الميت، لذا يبيع الأرض ويأخذ فوقها أو تحتها قرض المهم يزوج «الواد» أو «البنية» وعساها ما حركت وتبدأ رحلة الديون.

وقد يلجأ لتسديد الدين بالدين، وما أطولك ليل وما أقصرك نهار الذي ينطوي بسرعة الريح ورب الأسرة يجري من هنا وهناك لتدبير القسط ويفاجأ بنهاية النهار المرهق وهو لم يحظ بحتة ولو صغيرونة من المبالغ التي عليه لا من هنا ولا من هناك ويبدأ ببيع ما خُف وزنه وقل ثمنه من بعض الأسهم المضروبة على قفاها أو قد يتفاهم مع أم العيال على بيع (حتتين) الذهب التي حيلتها أو كام قرش التي (خنصرتهم) من المصاريف و(حايشتهم) لعوزة وللأيام السودة التي كانت فاكراهم يوم واحد وما راح يعود طلعوا عد واغلط. وكانت فاكرة أنه إذا احتاجت ستبيعهم حبة حبة ولكن طلع أكل اللوز بالكيلة. أو ربما انتظار ما سيحصلون عليه لما يحل «السرا» من جمعية الأقارب والأصحاب وهي في كل حال مبالغ «ما تبل الريق»، لكن أكيد حاتنشفه لما يأتي وقت تسديد القسط الشهري. على كل (ايش يسووا) بقلة الحيلة. وتعود الأسرة متوسطة الحال ناهيك بالتي حالها حال إلى دوامة الديون التي لا تنتهي، كالمستجير من الرمضاء بالنار. ولسان حالهم يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله. هل من حل من المجتمع المدني أو العام يخرج هذه الأسر من محنتها وقلقها المستمر على مستقبل الأولاد ولا نقول الأحفاد. هل الترشيد يكفي هذا إذا كان هناك شيء يترشد. سؤال مطروح والجواب مفتوح حتى يغلق هذا الملف.