كتاب ومقالات

تميم ليس عبدالناصر.. وعزمي ليس هيكل!

محمد الساعد

«يا مَن يأكلُ الجدريُّ منكَ الوجهَ والمعصم»، هذا بيت من قصيدة شهيرة لنزار قباني هجا فيها أهل الخليج ونفطهم وطريقة حياتهم، وهي تلخص حال عرب الشمال ونظرتهم لعرب «النفط» كما يسمونهم، أعلم يقينا أننا «عرب النفط» استطعنا التفريق بين نزار الشاعر الرومانسي، ونزار الذي لم يستطع أن يتخلص من عقدة النفط ونظرته لبادية جزيرة العرب.

كما أن قباني وقومه، لم يفرقوا بين حال الخليجيين قبل مئات السنين، وتفوقهم الثقافي والإعلامي والاقتصادي مضافا إليه العمراني والمدني اليوم.

نستذكر القصيدة الغارقة في الإساءة لأهل الخليج، لنقول للشيخ تميم بن حمد، إن عزمي بشارة وفيصل القاسم وجمال ريان وخديجة بن قنة، وكل مرتزقة إعلام «قطر»، لا يرونك إلا هكذا وسيبقون، مهما ابتسموا في وجهك و«مجدوك».

قبل عدة أعوام حصل خلاف عصي بين خمس من مذيعات الجزيرة وإدارة القناة، ولعل الكثير اختصر المشهد في ما صدر عن القناة والمذيعات بأنه خلاف على ملابسهن، التي كان يرى وضاح خنفر وبقية كوادر القناة أنها غير مناسبة لفكر متطرفي التحرير المنتشرين في أروقة الجزيرة.

لكن الخلاف الحقيقي بين عزمي بشارة المسيحي ووضاح خنفر المتأسلم الكامن تحت هذا الرماد، كان أعمق وأكثر اضطرابا، خرج للعلن جزء منه، وبقي في الكواليس أجزاء أخرى.

لقد كان خلافا على اقتسام كعكة إعلام «الغاز»، توابع ما حدث استمرت تكسر العظم والحديد، حتى أسفر الصراع عن حل وسط لاقتسام أموال الكعكة، الإعلام الإسلاموي المتطرف لوضاح، والإعلام القومي العروبي لعزمي.

عزمي بشارة في طريق مواز كان قد بدأ في بناء نظرية «قومية» جديدة، ظن أنها البديل المناسب لمشروع القرضاوي وخنفر ورفاقهم، ليس لأنه يكرهها، بل لأنه لا يعرفها وهو القومي المسيحي.

النظرية تريد أن تعطي تميم تمايزا عن توجه والده حمد بن خليفة وابن عمه حمد بن جاسم الإسلاموي، خاصة بعدما استنفد أهدافه، اللذين استخدما الإسلاميين والجماعات المتطرفة لتنفيذ مشروعهما لتقسيم المنطقة ونشر طموحهما السياسي.

تقوم رؤية عزمي على إعادة إحياء القومية العربية واستحضارها من جديد، وهي التي ماتت بعد نكسة 67، على أساس شراء الوجدان بالمال، وإغراق الشارع العربي من جديد في وهم الشخصية الملهمة وتصنيم تميم بعدما سقط صدام وحافظ وبشار.

ولخدمة مشروعه قام عزمي بإنشاء إعلام «عروبي» مواز للجزيرة «الإسلاموية»، على رأسه قناة العربي الجديد والقدس العربي، التي اشتريت من مؤسسها وناشرها عبد الباري عطوان، إضافة لمنصات إلكترونية عدة.

اليوم وبعد احتدام الخلاف بين قطر ودول التحالف الرباعي المناهض للإرهاب، يبدو أن عزمي وجد الفرصة مناسبة لتمرير مشروعه ومحاولة إنقاذ بئر النفط التي يشرب منها.

تتلخص نظرية عزمي في الأسس التالية:

«تقديم» تميم باعتباره حلم العرب الجديد، أو جيفارا الشرق، أو عبد الناصر آخر، على أن يكون عزمي بشارة هو محمد حسنين هيكل عراب المرحلة ورأس الإعلام والعقل المفكر، إلا أن عزمي نسي أن الزمن لا يعود، وأن تميم لن يكون «ناصر» آخر، وعزمي لن يكون «هيكل» جديدا.

عمل عزمي على ترسيخ نظريته بمحاولة تغيير صورة تميم من شيخ خليجي يلبس «البشت» والغترة، إلى شاب «عصري» يتجول في سيارته الفارهة، ويتصور مع الأطفال، بدون الثياب الخليجية الشهيرة، التي يراها عزمي وكل عرب الشمال بأنها إحدى صور التخلف والرجعية.

نشر صور لتميم بدون «عمامته» الخليجية، في كل عواصم العالم تحت عنوان «تميم المجد»، لم يكن مصادفة ولا عبثيا، هو جزء من حملة علاقات عامة كلفت المليارات ابتلعها عزمي، ليجعل من تميم زعيم الشباب العرب كما أوهمه.

لم يقف بشارة عند ذلك بل قام بتدشين المشهد «القومي» بخطاب حشد فيه عشرات المعاني والجمل العروبية، كان مولودا خديجا مات فور ولادته، فالخطاب ركيك ولغة تميم العربية سيئة، ومخارج الحروف غير واضحة، أضف إليها أنه لا يملك الفصاحة والشخصية الكريزماتية ولا اللغة المنبرية التي تبهر الجماهير.

توقع عزمي أن الخطاب سيلهب الجماهير العربية، بل توقع أن تخرج ملايين العرب إلى الشوارع والميادين تهتف بالروح بالدم نفديك يا تميم، لكن الجماهير نامت بعد الخطاب بعد أن أكلت الفول والفلافل وشاهدت مسلسلها المفضل.

كان على تميم أن يدرك أن عزمي بشارة بتسويقه لتلك المشاريع، لا يريد للدوحة أن تأخذ مكان القاهرة وبيروت ودمشق وبغداد والرياض، فهو يعرف يقينا أن الدوحة لا تملك مقومات مدن كثيفة التاريخ والتحضر، لكنه كان يسوق مشروعه ليمد في عمر وظيفته مكفولا من قطر ومقاولا جشعا.