الزيارة التاريخية.. تكهنات وأمنيات

عبدالله بن فخري الأنصاري

يقوم الرئيس الأمريكي الحالي بزيارة تاريخية إلى الشرق الأوسط ظاهرها يهدف إلى تعزيز عملية السلام، وسط توقعات حذرة ومتشككة في أن تتمخض هذه الجولة عن إحراز تقدم ملموس في المحادثات التي تعثرت بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي منذ تعهد الطرفين في أنابوليس على التوصل إلى معاهدة سلام قبل نهاية 2008م. فالغموض يكتنف الأجندة والأهداف المرجو تحقيقها خلال هذه الزيارة، وذلك مع استمرار أعمال التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، وهشاشة الموقف السياسي الداخلي لأطراف السلام، وانعدام قدرة الإدارة الأمريكية في لعب دور النزيه غير المتحيز بين هذه الأطراف. وما أشبه أحلام سلام اليوم بالأمس، فهي كسابقتها انطلقت بقمة، وبيانات، ولقاءات تمهيدية، وصياغة للملامح النهائية، ووعود بدولة فلسطينية وباتفاق دائم حول القضايا الرئيسية كالحدود والمستوطنات واللاجئين...ثم ما لبثت أن تبعتها أنباء متضاربة، واختلافات بين الطرفين، وتبادل للاتهامات، وتشديد للحصار على الشعب الفلسطيني، وتوغل إسرائيلي متكرر في الأراضي الفلسطينية، ومطالبة للجانب الفلسطيني بتقديم مزيد من التضحيات لصنع السلام ... إلى غير ذلك من الأمور التي تهدف إلى إجهاض عملية السلام بسيناريوهاتها العربية المألوفة. والحق يقال إن الجانب الإسرائيلي توّاق للوصول إلى سلام حقيقي ذي قطوف سياسية رائعة، وأقصد بذلك سلاما يستمد نسيجه وأحداثه وفصوله ومشاهده الروائية من الشرعية والشروط الإسرائيلية، وليس في ما دون ذلك إلا المزيد من أوهام السلام، وتحقيق لمكاسب تأتي في سياق سياسة إسرائيلية لخلق مزيد من الحقائق على الأرض لتسهيل تحقيق هذه الغاية.
وعلى فرض حسن النوايا، فمازالت مسيرة السلام مهددة تتجاذبها التغيرات في أولويات أجندة زيارة الرئيس الأمريكي ودورانها بين إيران، والإرهاب، واتفاق السلام، وقضايا الحرية والديمقراطية في المنطقة. فقد عاد الملف الإيراني ليحتل موقع الصدارة بعد حادثة مضيق هرمز والتي عززت موقف الإدارة الأمريكية الرامي إلى مواجهة ما وصفته بأنه تنام للنفوذ الإقليمي لإيران سعيا منها لدفع دول المنطقة إلى إعادة تقييم تقاربها المحتمل مع تلك الدولة التي تعتبرها واشنطن خطرا على الأمن والسلام العالمي، وهي المهمة الأصعب في ضوء انحسار المخاوف بشأن برنامج إيران النووي. أضف إلى ذلك التهديدات التي حملتها الرسالة التي وجهها مؤخرا «آدم جادان» الأمريكي العضو بتنظيم القاعدة والتي قد تؤدي إلى تصعيد الضغوط على دول المنطقة من أجل التعاون في ما يسمى بالحرب على الإرهاب، وربما للترويج لأطروحات السياسة الإسرائيلية عبر مبدأ «الأمن مقابل السلام». كما سبقت زيارة الرئيس الأمريكي للمنطقة إطلاق حملة من الشعارات السياسية الأمريكية المألوفة في المنطقة والمتمثلة في الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وذلك عبر تدخل وزارة الخارجية الأمريكية في بعض الشؤون الداخلية لبعض دول المنطقة وانتقاد مؤسساتها، وربما دون العبء بأمن هذه الدول القومي. وهو الأمر الذي قد يولد فجوة سياسية بين واشنطن وبعض هذه الدول ويلقي بظلاله القاتمة على سير محادثات السلام. وفي ظل هذه التطورات فقد يتسنى لشعوب المنطقة إلقاء نظرة أخرى على صناعة السلام، ولكنها قد تكون نظرة خاطفة تطغى فيها الشكوك على الآمال، قد لا يتاح لها فرصة التحول إلى واقع ملموس على الأرض.
ولكن متفائلين هنا بعض الشيء. فزيارة الرئيس الأمريكي للمنطقة يمكن استثمارها للتوصل إلى تسوية سياسية لعدد من القضايا الفرعية تحمل في طياتها بعض الإشارات المبكرة على التقدم في عملية السلام، وإمكانية التوصل إلى اتفاقات تهدف إلى متابعة الزخم الذي ولّده مؤتمر أنابوليس وليس لمجرد الاستهلاك المحلي والإعلامي. وحتى إن لم يتم التوصل إلى اتفاقات سلام جوهرية قبل مغادرة الرئيس الأمريكي للبيت الأبيض، فإن إحراز أي تقدم بهذا الاتجاه قد يُبقي من الآثار الإيجابية ما تستطيع به الإدارة الأمريكية القادمة أن تصنع السلام بين دول المنطقة.
afansary@yahoo.com