كتاب ومقالات

الصحافة الاستقصائية

مي خالد

كنت أشاهد طوال الأسبوع الماضي حلقات مسجلة لبرنامج مصري اسمه «انتباه» تقوم فيه المذيعة منى عراقي بعمل صحفي استقصائي.

والصحافة الاستقصائية هي التي تكشف القضايا التي يتم إخفاؤها سواء من قبل الحكومات أو الأفراد إخفاء متعمدا أو بالخطأ. وتبحث وراء الفوضى التي تخلّفها الجرائم وتحلل وتعرض جميع الحقائق وتوضح الظروف والملابسات، وتقدمها موثقة وبطرق قانونية للجمهور، في الصحافة أو التلفزيون، ولا تنشأ هذه الصحافة إلا في بيئة صحية تهتم بحرية الصحافة وتعلي قيمة حرية التعبير.

حلقات برنامج «انتباه» تم تصويرها في أوكار المخدرات وبيوت خاطفي الأطفال، وكم أعادت طفلا مخطوفا لأهله، أحدهم خطف منذ 22 عاما ثم اتهم بقتل السيدة التي خطفته وعرض البرنامج حيثيات القضية ووضع محامي دفاع عن المتهم.

كنت أشاهد البرنامج وأفتش في ذاكرتي عن برنامج سعودي شبيه فلا أجد، نعم هناك بعض البرامج تقدم نفسها بهذه الصفة، لكن المذيع لا يغادر الاستديو ولا يجرؤ على ذكر الأسماء الصريحة، بل أقصى ما يفعله أن يستقبل المكالمات الهاتفية من أطراف القضية ويستمر المذيع في الصراخ دون أن يقدمهم للمحاسبة القانونية ودون أن ينهي الملفات التي فتحها.

إن الصحافة التي يمارسها الصحفي عبر النشر في الصحف أو التلفزيون ليست مجرد تمرير الأخبار الموجودة في كل مكان، ولكن هي إعادة التفسير وربط الحقائق، وبالطبع فعل ذلك يستغرق مجهودا جبارا وكثيرا من الوقت يقضيه الصحفي في البحث عن مصادر وشهود عيان واستشارات قانونية وتوثيق للمستندات. وربما هذا أحد أسباب تكاسل الصحفي السعودي.

وهناك ثلاثة أنواع من الصحافة الاستقصائية. وقد تتداخل هذه الفئات فيما بينها.

الأول: كشف الفضائح، ويهدف إلى الكشف عن انتهاكات القوانين أو القواعد من قبل المنظمات أو الأفراد.

الثاني: مراجعة سياسات أو أعمال الحكومة والشركات والمؤسسات الأخرى، وهذا ما يقوم به برنامج الثامنة لداود الشريان، لكن يعيبه عدم النزول للشارع والبقاء داخل الاستديو.

الثالث: لفت الانتباه إلى الاتجاهات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، بهدف الكشف عن التغيرات في المجتمع.

في الختام نستطيع أن نقول إن الهدف من الصحافة الاستقصائية هو كشف الفساد والظلم وسوء الإدارة والكذب، وهذا واجب الصحافة تجاه القراء والمشاهدين، كما تسعى الصحافة الاستقصائية قبل كل شيء إلى معرفة الحقيقة الموثقة بعمق ودون خوف أو مصالح، وهي صوت أولئك الذين ليس لديهم صوت، وهي التي تجعل الأقوياء يضعونها في الاعتبار قبل أن يخترقوا القوانين أو يمارسوا الظلم.