كتاب ومقالات

لا أحد يبالي بالصوت العالي !

محمد أحمد الحساني

يظن بعض المتحاورين سواء في مجال السياسة أم الإعلام أم المجتمع وقضاياه أنهم باستخدامهم «للصوت العالي» يستطيعون هزيمة خصومهم أو بكلمة أخف أندادهم في الحوار، فتجد الواحد منهم يرفع صوته إلى حد الصراخ ويعلي من نبرته وتحتشد الكلمات في فمه فتخرج منها كأنها طلقات وتنتفخ أوداجه حتى ليخشى عليه من انفجار عرق لديه، فيلوث بدمه القاني جميع من حوله من المتحاورين أو الحاضرين للحوار، وربما يفعل ذلك وهو يراقب نظرات الموجودين ملتمساً منهم نظرة إعجاب به وبقدراته العالية على دحض حجج من يتحاور معهم وإسكاتهم وإلقامهم حجراً فلا يحيرون معه جواباً ولا يكون أمامهم سوى الاستسلام له والخضوع لآرائه والاعتراف بأنه كان في جميع ما قاله على الحق المبين.

ولكن واقع الأمر يؤكد أن ظنون صاحب الصوت العالي غالباً ما تكون في غير محلها وأن اعتقاده بأنه قد حقق النصر على خصومه برفع الصوت وحشد الكلمات والتشنج في الملامح لم يكن في محله قط، لأن النظرات التي يظن أنها تعبر عن إعجاب ما هي سوى نظرات استهجان وازدراء لما يفعله وما يقوم به من صراخ وتشنج، ولأن من يستمع إليه لا يستطيع فهم ما يقوله ولا استيعاب ما يسرده من حجج ومعلومات قد يكون بعضها صحيحاً أو قريباً من الصحة لأنه يطلقها «كالمرجل» فلا يتمكن من يستمع إليها من فهم قصده منها، وكلما حاول استعادتها في ذهنه تلقى من «أبو صياح» حزمة جديدة ناسفة من الكلمات الملغومة فلا يملك من يستمع لصاحب الصوت العالي سوى التظاهر بالاستماع الذي لا يدل قطعاً على إنصات أو تدبر «ورب منصت والقلب في صمم»، وتكون النتيجة النهائية لكل ذلك الجهد والتعب والخفقان الذي يبذله أبو صياح في محاولته لإقناع الآخرين بوجهة نظره الذهبية أنه لا يصل إلى شيء مما توقعه وإنما يراهم يتبادلون النظرات ويحدقون فيه وعلى شفاههم ابتسامات ذات معنى، فيدرك عندها أن جهده ضاع وأن صوته العالي لم ينفعه فإذا عاد إلى زوجه مُحمر أو مسود الوجه قال لها وهو يجاهد لالتقاط أنفاسه: بسرعة هاتِ حبة الضغط، فتأتي بها وهي تقول له سلامتك ولعلها تهمس في سرها بغير ذلك!