كتاب ومقالات

بيكيني

طارق فدعق

قصتنا تبدأ «بالشمشمة» من طائرات الاستطلاع بهدف رصد التلوث الجوي.. ولكن قبل الخوض في تفاصيلها أود أن أؤكد لكم أن موضوعنا ليس كما قد تتخيل، فهو يتعلق بجزيرة في آخر الدنيا.. وتحديدا على بعد نحو ثمانية آلاف كيلو متر من لوس أنجلوس في غرب الولايات المتحدة.. وبصراحة صفة الهدوء Pacific و Pacifico في جميع اللغات لا تليق بهذا المحيط لأنه سريع الغضب.. فبالإضافة إلى غضبه الطبيعي وأمواجه، وتياراته، وعواصفه العنيفة، فقد شهد أعنف المعارك البحرية، والجوية، والأرضية خلال فترة الحرب العالمية الثانية بالذات في الفترة 1940 الى 1945.. وانتهت بتدمير مدينتي هيروشيما، وناجازاكي باستخدام قنبلتين ذريتين في مطلع أغسطس 1945.. ولنعد لموضوع «الشمشمة» ففي عام 1946 اكتشفت إحدى طائرات الاستطلاع الأمريكية مخلفات بعض العناصر المشعة العالقة في الأجواء العليا.. وتحديدا فقد كانت مخلفات عناصر «المولبدينوم»، و«الباريوم»، و«السيزيوم» تشير إلى تفجير قنبلة ذرية ضخمة جدا.. ولكنها لم تكن أمريكية.. وتأكد ذلك عندما أعلن الاتحاد السوفيتي دخوله إلى النادي النووي بقوة. وتسبب ذلك في صدمة أدت إلى حالة استنفار في الحكومة الأمريكية التي لم تتخيل أن يكون لدى الروس هذه الإمكانيات الفنية المتقدمة بعد الحرب مباشرة. وضخت أمريكا الأموال الطائلة والجهود في تطوير قدراتها النووية لتبدأ الحرب «الباردة». واختارت حقل تجارب في آخر الدنيا... وتحديدا مجموعة جزر «مارشال» في أقصى غرب المحيط الهادئ.. كانت بعيدة عن كل شيء حتى خطوط الملاحة البحرية والجوية.. وعدد سكانها كان قليلا.. وكلهم من الغلابى. ووقع الاختيار على مجموعة جزر «بيكيني» ومعناها سطح «جوز الهند». تم عقد اتفاقية مع «حكومة» تلك الجزر لاختبار الأسلحة، ثم ترحيل جميع السكان إلى جزر مجاورة. وكانت بيكيني تقع على خليج هادئ جدا، وكانت غنية بالشعب المرجانية. ومساحة ذلك الخليج يعادل نحو خمسة أمثال مساحة أرض مطار الملك عبد العزيز الدولي في جدة. وأما مساحة بيكيني نفسها فكانت تبلغ نحو ستة كيلو مترات مربعة.

وفي صباح مطلع شهر مارس 1954 كان موعد اختبار قوة الجيل الجديد من القنابل النووية السرية. أطلقت عليها وزارة الدفاع الأمريكية اسم «كاسيل برافو».. ونحتاج لوقفة لمراجعة أهم خصائصها.. كانت تفوق قوتها قوة دمار جميع القنابل التي استخدمت خلال الحرب العالمية الثانية شاملة قنبلتي هيروشيما وناجازاكي الذرتين.. وكان كل ذلك من الناحية النظرية.. يعني الحبر على الورق. وتم تجميع أسطول بحري مكون من نحو 60 سفينة حربية أمريكية منتهية الصلاحية تم رصها في خليج بيكيني لرصد تأثير القنبلة عليه.. وكان ذلك الأسطول الخردة من أكبر الأساطيل في العالم. وعند تفجير القنبلة، كانت المفاجأة أن القنبلة كانت أقوى من التصميم بنحو 250%.. يعني مثل الذي توقع أن يأكل حفنة «فصفص» فطلعت له وليمة دجاج.. نووية. الشاهد أن كاسل برافو دمرت منظومة الجزيرة والأسطول، ورفعت شظايا الشعب المرجانية إلى طبقات الجو العليا، وغمرت المنطقة بأكملها بالإشعاع النووي لسنوات طويلة. طبعا في تلك الأيام ما قبل ثورة المعلومات والاتصالات فلم يدر عنها العالم لعشرات السنين.

وأخيرا أود أن أضيف طرفة سريعة فلو كان أبناؤك الصغار من محبي حلقات الكرتون «سبونج بوب» و«سكوير بانتس» التي تدور أحداثها تحت المحيط، فالمنطقة المعنية هي خليج بيكيني.

أمنيـــــة:

بدأت في الآونة الأخيرة تظهر تهديدات من كوريا الشمالية ضد الولايات المتحدة باستخدام القنابل النووية لضرب جزيرة «جوام» في المحيط الهادئ، وتوعد الرئيس الأمريكي بالرد الموجع، ويذكرنا تاريخ «بيكيني» أن هذه الأسلحة النووية هي أقوى بكثير مما يتخيل العالم، وللأسف أن كل من «هب ودب» قد حصل أو سيحصل عليها بشكل أو آخر.. والمؤسف أيضا أن الكيان الصهيوني لديه ترسانة نووية مخيفة وهي موجهة نحو العواصم العربية الكبرى. أتمنى أن يفيق العالم إلى حقيقة هذه المخاطر على البشر والبيئة الجوية، والأرضية، والبحرية.. والله يستر علينا جميعا وهو من وراء القصد.