صوت المواطن

بائع البطيخ!

شروق سعد العبدان

بعد أن انطلق الجميع في مشوارهم الدراسي، واستجمع طموحه واشتد ساعده لذلك، وتفاقمت ظروف الوقت فوق رأس أسرته، لم يستطع تجاهل معاناتهم، وتغطية احتياجاتهم، فقرر العمل وترك الأحلام لمستحقيها.

غادر قريته لتلك المدينة الصاخبة، اختار إحدى زوايا تلك الحدائق المزروعة في الأحياء، بدأ في كسب رزقه، وكان بين تارات النجاح والإخفاق، سنوات قضاها، رأى خلالها زملاءه يتبوأون وظائف لا بأس بها في الدولة، فكر أن أهل قريته قد يلطفون به أكثر، عاد والتزم ذلك الظل وباع البطيخ، كان زملاؤه وجيرانه يمرون عليه ولو لم تكن لهم حاجة، فقط ليخبروه أنه على صواب وأنه سينجح، وبدلا من أن يشعروه بالشفقة أشعروه بالنجاح.

مرت على بائع البطيخ جميع أيام الصيف الحارقة، لفحته أشعة الشمس، ونال منه الحظ، وأصحاب السيارات الفارهة، وقتما يفتح زجاج مركبته ويساومه على سعر البطيخة، رغم أنه لو اشتراها من المراكز التجارية الكبرى، لاكتفى بالتسعيرة الملصقة عليها، ودفع دون مفاوضات.

لم يُخصَّص له مكان حتى يكون له الحق فيه، لا يحتاج شباب الوطن سوى تهيئة الظل وتأخذ مقابله رسوماً سهلة، إنهم شباب الوطن الذين يبحث عنهم أعداؤه ليصطادوهم بنقاط ضعفهم، التفوا للوفاء فيهم، للضمير الذي اختار الشمس التي ماتت تحتها الطيور والمواشي أمام أن ينجرف وراء الخطأ الذي سيضره ويضر أهله ووطنه، ليس الجميع ذا قدرة على أن يكون طبيباً أو معلماً أو مهندساً، وليس النجاح أن تكون جامعياً فحسب، فالكثير من هؤلاء فقراء خُلُق ودين وحوار.

والكثير من الأثرياء كانوا في بدايتهم بائعين، ربما يكون بائع البطيخ هذا مفعماً اجتماعياً، ثريا بدينه، يمتلك كسب الزبائن بحواره وأدبه، يشقون ليعيش أولادهم دون نقص، ولا يعلمون أنهم الكمال بعينه، ألا يؤلمكم ذلك الشاب الذي يقف على قارعة الطريق في وقت أنت لا تستطيع حتى التنحي من سيارتك للشراء منه، فقط لأنه يريد أن يأكل حلالا، مؤلم أن يقذف بتلك النعم على الأرض فتنفتح كما يفتح جرح نفسه لأنه وقف لرزقه، متغافلين عن حاجته ووجعه، لا تحدثني عن الشهامة ما لم تكن لك وقفة حق وحب منظر لبائع البطيخ، الذي ما زال صامداً محباً ومبتسماً أمام كل التعريفات التي تمر بنا جميعاً، صديقنا الذي كان يحبه زملاؤه أكمل دراسته الجامعية وأخذ تلك الشهادة الورقية ووضعها في أحد أدراجه ولا يزال من أروع باعة البطيخ في قريته، العلم للروح والعمل للحياة، هل سيبقى ينتظر دوره حتى يسحب مرتبه كل آخر شهر، أم يقف تحت السماء ليأخذ رزقه.