كتاب ومقالات

مغسول بمرق...

إدريس الدريس

يقال «وجه فلان مغسول بمرق» كناية عن صفاقة هذا الرجل وعدم حشمته لأحد، وأنه كذلك في كل المجالس لا يميز بين المواضع ولا المواضيع.

ورغم تداول هذا المثل شعبياً واستخدامه بكثرة للتعبير والتوصيف عن حالة بعض الأشخاص الذين يفتقدون للياقة واللباقة، إلا أنني مع ذلك لم أجد سبباً أو رابطاً يشرح لي العلاقة بين المرق وتفاعلاته مع الوجه ولم أعرف كيف للمرق أن يجعل الوجه صفيقاً؟ وأزيد من ذلك جهلي عن أي أنواع المرق التي قصدها مثلنا الشعبي؟ هل هي المرقة الصافية؟ أم تلك المدججة بالخضار والبهارات؟ ولو كانت مرقة صافية، فأيها يعنون؟ هل هي مرقة النعاج؟ أم أنها مرقة الدجاج؟ بحيث في حال اغتسل بالأولى يصبح هذا المتمرق من فئة الخراف الضالة، وهل يصح في حق هذا المتخرفن أن يقال له مثلاً «وش على الذيب من... النعجة»؟ وهل يصح هذا القياس على مرقة الدجاج، فيصبح من المدجنين الذين يتسمون بصفة البلاهة التي تسمح لنا أن نقول عن صاحبنا إنه دجاجة صقعاء؟

الغريب أن هذا المثل الشعبي متداول عندنا وشائع على الألسنة منذ أزمان بعيدة، ومعلوم أن الحالة الاقتصادية في تلك الأيام لم تكن ميسورة بما يشير ضمنياً إلى أن صاحب الوجه المغسول بالمرق هو من فئة الطفيليين الذين يتبطحون في مجالس ذوي الجدة والثراء، حيث يتلقم عندهم حتى يتزلغ وجهه وينحسر عنه ماء الحياء فيكون - من بعد ذلك - سهل الانقياد حتى إذا تم إطلاقه مارس التهويش والتشويش والتغشيش بالتكاذب وسقط الكلام، وهكذا قيل إنه مغسول بمرق لأن هذا الوجه لا يحمل ملامحه الأصلية بما يعني أنه منافق ومتبذل ومتبدل.

ويحفل كل مجتمع في مجالسه ومنتدياته وإعلامه ووسائطه الحديثة بالغاسلين وجوههم بالمرق من الذين لا يصيبهم نصب ولا عرق.

يقول سيد الأخلاق في البشر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره.