كتاب ومقالات

في وداع الكبار.. عبدالمحسن المطلق

حسين شبكشي

فقدان الكبار قيمة ومكانة ندرك حجمها تماما عند رؤية الجنازات والعزاء وقت رحيلهم. هذا ما أدركته تماما وأنا أشارك في عزاء رحيل أحد القامات الكبيرة لوجهاء مجتمع رجال الأعمال بالسعودية الراحل عبدالمحسن المطلق رحمه الله.

كانت المشاركة الكبيرة في العزاء تعبر عن «مرآة» اجتماعية لحياة الراحل الكبير، فالمعزون كانوا من كافة الخلفيات والمستويات الاجتماعية. فالراحل كان صاحب أياد بيضاء وأعمال الخير تشهد له لمن عرفه عن قرب، فهو لم يكن من محبي المجاهرة أو الإعلان عنها كما حدثني أحد الذين عرفوه عن قرب، إضافة لحضور هائل من رموز مجتمع الأعمال بالمنطقة الشرقية الذين كانوا يتسارعون في الثناء على خلق الراحل الرفيع وحسن نهج إدارته لأعماله، والأوصاف التي كانت تمتدحه كانت تركز على حكمته وجسارته وولائه ووفائه.

كان مشهد التعاضد واضحا وجميلا تأكيدا على مكانة الراحل الكبيرة في قلوب محبيه، وكان تركيزهم على إظهار ذلك مع شقيقه مطلق المطلق الذي كان يغالب دموعه ويترحم عليه وعيناه توضح معزة الراحل عنده، وأيضا نال من التعاضد والمشاعر الفياضة ابنه بدر الذي كان يغالب حزنه ودموعه بشموخ وعزة وإباء وسط إجماع من محبي الراحل أنه خير خلف لخير سلف.

رجال الزمن الجميل في السعودية الذين يرحلون عن عالمنا كما عاشوا فيه بعزة وكرامة تحزن عليهم حزنين، حزن لفقدانهم ورحيلهم عن دنيانا، وحزن آخر لأننا كمجتمع بحاجة ماسة لقدوات من أمثالهم، كانت حياتهم تطبيقا عمليا وفعليا لشعارات مثالية عن الاجتهاد والمثابرة والتضحية والالتزام وغيرها من العبارات التي لم نعد نسمع عنها إلا في الكتب ولم نعد نراها في الواقع إلا في ما ندر مع شديد الأسف.

رحيل الكبار يترك فراغا غير قليل لا يستشعره فقط دائرة المقربين من أفراد أسرته ولكن يحس به كل من تعامل معه واستفاد من علاقته بالتوجيه والصحبة والنصح أو كان من الحاصلين بشكل أو بآخر على الدعم المادي والمعنوي الذي يأتي كفعل خير وكلمة طيبة في حق الغير.

رحيل الكبار يترك فراغا «اجتماعيا» و«معنويا» لا يعرفه إلا من عاشر الكبار، وعيون المعزين لم تخف ما تكنه للراحل الكبير من محبة ومعزة ومكانة استثنائية. كل من تحدثت معه كانت له «قصة» أو «موقف» مع الراحل الكبير، قصة تظهر أخلاقه ونبله ورقيه، واللافت أن تداول القصص كان بحسب مقام الراوي، فهناك من يشير إليه «بالأخ» وهناك من يشير إليه «بأبو بدر» وهناك من يشير إليه «بالعم» دليلا على المرحلة العمرية للراوي ونوع العلاقة بينهما بالتالي وتأكيده أن الراحل الكبير كانت مكانته تتخطى الأجيال والأعمار.

كان الراحل الكبير مشهودا له بأنه رجل أعمال استثنائي ورائد في مجاله، وجيه اجتماعي وواجهة مشرفة لبلاده، زوج صالح وأب مثالي وشقيق وفي ومسؤول وصديق يضرب به المثل.

عندما يجمع الناس الذين حضروا مشهد وداع الراحل الكبير على كل هذه الصفات الحسنة في الرجل، فهذا هو الكنز الحقيقي «السيرة العطرة»، وهذا هو رأس المال الذي يبقى.

رحم الله عبدالمحسن المطلق رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، وأسال الله العلي القدير أن يلهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون.