كتاب ومقالات

تعرف على ما يجري في العالم الافتراضي؟!

عبد الرزاق بن عبد العزيز المرجان

يشير الرصد الإلكتروني إلى أن هناك انزلاقاً كبيراً في بعض المشاركات التويترية وتميل إلى السلبية والانحطاط الأخلاقي والتي لا تعبر من قريب أو بعيد عن سلوكيات المجتمع السعودي المسلم. وتم رصد كثير من حالات التشكيك في مؤسسات الدولة والتشهير والقذف وتسريب المعلومات وتهديد ووعيد من جهات غير قانونية وتنفيذ أجندات خارجية وجميعها ترتبط بالجرائم الإلكترونية.

في هاشتاق #أوامر_ملكية (التي شملت إعادة المزايا المالية) والذي استغرق رصده 90 دقيقة. تفاعل السعوديون بشكل كبير جداً مع الأوامر الملكية بوصول عدد المشاركات منذ الإعلان عنها إلى 253179 مشاركة خلال 90 دقيقة فقط. واحتل الهاشتاق المركز 449 عالمياً، إلا أن تم رصد قليل من المشاركات السلبية من غير المختصين قبل صدور الأوامر كتشكيك في عمل المؤسسات الحكومية.

في العالم الافتراضي هناك قواعد وأسرار خفية كثيرة قد لا تكون معروفة عند كثير من المشاركين في الحسابات والهاشتاقات لعدم معرفتهم بأصول اللعبة. الجهل بهذه القواعد يتم استغلالها بشكل كبير من قبل بعض المغردين المحتالين والمخادعين، ما قد يضع الكثير من المغردين المتابعين في إشكالات قانونية وملاحقات أمنية هم في غنى عنها لجهلهم بنظام الجرائم المعلوماتية وإفشاء الأسرار، وخلقت إشكالات كثيرة للمجتمع والدولة كنشر التطرف والعنف والطائفية، كيف يتم ذلك؟

العالم الافتراضي:

في الماضي عند اشتراكك في خدمة الإنترنت فأنت أعلنت دخولك في العالم الافتراضي، وهو إمكانية التواصل والتحاور مع أي شخص في دول العالم بعدة طرق، كالاتصال بالفيديو أو المنتديات أو زيارة المواقع أو البريد الإلكتروني عبر الإنترنت، ولكن تستطيع الحكومات التحكم في العالم الافتراضي التقليدي.

أما بعد دخول برامج التواصل الاجتماعي إلى العالم الافتراضي خلقت بعداً آخر، وهو عالم افتراضي آخر داخل العالم الافتراضي التقليدي، ما سمح للمستخدمين التواصل عبر برامج التواصل الاجتماعي دون عوائق إلكترونية، وبعيداً عن تحكم الحكومات.

تداعيات العالم الافتراضي على المجتمع وتأثيرها عليك:

النقطة الجوهرية ما بين العالمين الافتراضيين هو أن برامج التواصل الاجتماعي أنهت تحكم الدول في منع أو إغلاق حسابات مستخدمي برامج التواصل الاجتماعي، ما معنى ذلك؟

دخول برامج التواصل الاجتماعي إلى العالم الافتراضي غيرت قوانين اللعبة في عالمنا لعدة أسباب أهمها:

• عدم قدرة الدول على التحكم في محتوى التغريدات.

• تعدد اللاعبون المؤثرون في توجه الرأي العام بعد أن كانت محتكرة على الدول بما ينشر في قنوات التلفزيون الفضائية والصحف.

• سهولة تشكيل تحالفات عابرة للحدود بين أصحاب الحسابات المؤثرة.

• سهولة صناعة وإبراز رموز في المجتمعات الافتراضية.

• سهولة الوصول إلى أكبر شريحة في المجتمع.

• تفاعل المجتمع مع الأحداث ما يولد كمية هائلة من المعلومات لمعرفة وقياس توجه المجتمع وردود الأفعال ومشاعر المشاركين.

وتحولت مراكز القوة، كما ذكر جوزيف ناي، من الحكومات إلى المنظمات غير الحكومية والتنظيمات كالتنظيمات الإرهابية، ومن بعد ذلك إلى الأفراد وهم الأخطر، وتشكلت بما يعرف بالقوة الناعمة. وتحول العالم الافتراضي بما يعرف باسم «الحرب الناعمة».

ما هي القوة الناعمة وتداعياتها الخطيرة؟

القوة الناعمة عبارة عن أفراد أو جماعات أو منظمات تقوم بإقناع الأشخاص لتحقيق ما تريد دون اللجوء إلى القوة. وحققت المنظمات الإرهابية، وخاصة «داعش» عن طريق الاستعانة بالأفراد نجاحات كبيرة في ذلك بإقناعهم لعدة إرهابيين بتفجير أنفسهم في المملكة والكويت عن طريق برامج التواصل الاجتماعي، وكذلك استطاع «داعش» استدراج أكثر من 30 ألف إرهابي على مستوى العالم للسفر إلى العراق وسورية عام 2015 كما ذكر تقرير الأمم المتحدة لعام 2015.

هذا التحول خلق تنافسا شرسا بين أصحاب الحسابات التويترية (أفراد) وبعضها بمعرفات وهمية لكسب أكبر عدد كبير من المتابعين في شتى المجالات السياسية والأمنية والتطرف والدينية والرياضية والاقتصادية حتى يكون من المؤثرين على صناعة التوجه العام. ودخل بعضهم في تجاوزات أخلاقية وقانونية لجذب أكبر عدد من المتابعين، كنشر الإشاعات وهي الأخبار الكاذبة والمغلوطة، وكذلك تسريب معلومات سرية للحصول على الأسبقية أو الخروج عن الآداب العامة كالشتم أو التشهير بالآخرين أو تكفير الآخرين أو تحدي السلطات ومحاولة استفزازها والتشكيك في المؤسسات الحكومية.

والهدف هو الحصول على الشهرة ورفع نسبة الموثوقية لحسابه لدى المتابعين والحصول على منفعة مادية، وبعضهم ذهب إلى أكثر من ذلك لابتزاز بعض الجهات.

هذا التحول في موازين القوى لصالح الأفراد خلق إشكالات قانونية كالتعدي على الحقوق الخاصة وبالذات في المملكة العربية السعودية، وأصبحت المشاركات بوابة للتورط في الجرائم المعلوماتية. على سبيل المثال وقعت كارثة كبيرة من بعض المشاركين (المدرعمين) وكان تأثيرها كبيرا جدا وقعت في وسم #تفجير_المدينة_المنورة والذي سجل عدد مشاركات وصلت إلى 488031 مشاركة من 53 دولة، ووصل عدد المشاركين إلى رقم قياسي 94511 مشاركا، حيث تم تداول صورة لأحد الجنود السعوديين المشاركين في الحد الجنوبي بـ2% مرة، واتهامه بانتمائه إلى «داعش» وقيامه بتفجير المدينة المنورة.

عند التمعن في الكارثة واتهامه أمام جميع وكالات الأنباء العربية والإسلامية والدولية نجد أن هؤلاء القلة من المشاركين المتهورين أساؤوا ليس لسمعة هذا البطل بل لسمعة رجال الأمن حماة الحرمين الشريفين. لذلك هذه الجريمة ليست في حق رجل الأمن فقط بل في حق جميع الجهات الأمنية وسمعة المملكة أمام العالم. وهذا البطل كان مشاركا بعاصفة الحزم منذ 3 أشهر وأصيب قبل فترة حسب تصريح والده. وقد علق والده أنه فور سماعهم الخبر أغمي ع‍لى والدة الجندي وأخواته ودخلوا في نوبة بكاء بعد سماعهم الخبر وهاتف والده لم يهدأ من الاتصالات. آليست هذه كارثة في حقه وحق أسرته وحق الوطن! ما هو وقع هذا الخبر عليه في الحرب؟ أليست هذه درعمة تؤدي إلى نشر الأخبار الكاذبة وتشويه سمعة المواطنين والدولة!

أين دورك في هذه اللعبة؟

كل مستخدم له دور في هذه اللعبة فمنهم من يعرف دوره ومنهم من لا يعرف دوره وهنا يتم الاستغفال. وحتى تعرف دورك لا بد أن تعرف أنواع الحسابات التويترية. ينقسم أصحاب الحسابات التويترية إلى قسمين رئيسيين بناء على المشاركات، وهي:

• فعال: وهو المؤثر ويمكن تقسيمه إلى مستويين وهم:

* المستوى الأول «صانع الحدث» ويقوم بإصدار تغريدات سواء كانت شخصية أو سياسية أو اجتماعية أو إرهابية أو متطرفة وهم الأقلية. ويعتمد في التأثير المرصود على عدد إعادة التغريدات والتفضيل التي تصدر عادة من مستخدمي تويتر المتابعين أو غير المتابعين.

* المستوى الثاني «المؤيد للحدث» ويقوم فقط بإعادة التغريدات أو تفضيل التغريدات المصدرة من الآخرين، ويساهم مساهمة فعالة في انتشار التغريدات لأكبر عدد لكن لا يعلق على الحدث وهم أكثر عدداً من المستوى الأول. وفي كثير من الأحيان يقوم المؤثرون بالتنسيق فيما بينهم بلعب الدورين حتى يكون التأثير أكبر في توجيه الرأي العام.

• غير فعال: وهو المستخدم الذي لا يصدر منه أي ردة فعل في العالم الافتراضي، فدوره يتعلق بقراءة هذه التغريدات فقط دون التعليق أو إعادة أو تفضيل التغريدات الصادرة من الغير، وهؤلاء الفئة هم الغالبية الكاسحة.

ويتضح من التقسيمات السابقة أن المؤثرين هم المستخدم الفعال وقد تكون معرفات وهمية بدرجات متفاوتة على حسب الشهرة والانتشار وعدد المتابعين والقراءات، وهناك بعض اللاعبين المؤثرين أدوات يتم استخدامها في هذه اللعبة، ولكن كيف؟

كيف يتم الاستفادة منك كمتابع لحسابات المؤثرين؟

حيث ذكرنا سابقاً أن الأفراد يعتبرون من القوة الناعمة المؤثرة في مجتمعاتهم، ما يساهم في خلق توجه الرأي العام المحلي والدولي. لذلك لجأت بعض الجهات لاستقطابهم بطرق شرعية وغير شرعية لتحقيق أجندتهم الخفية كتغير نمط مجتمع أو إسقاط الحكومات وزعزعة الأمن أو التحكم في صناعة القرار الحكومي أو تمرير معلومة لقياس ردة الفعل في المجتمع أو دعاية. ومحاولة إضعاف والتشكيك بمنتجات وأخبار القوة الناعمة المؤثرة للمملكة كالقنوات الفضائية، كقناة العربية، والتي تتعرض لحملات كثيرة والصحف كصحيفة عكاظ.

ويتم الاستقطاب بعدة طرق من أهمها منحهم هبات مادية بشكل مباشر كالمكافآت الشهرية أو النصف سنوية أو السنوية أو غير مباشر كمنح تذاكر سفر له ولأفراد أسرته على الدرجة الأولى وتحمل تكاليف إجازته السنوية. وقد يكون الاستقطاب عن طريق خلق رموز للحصول على شهرة أو الانتقام من الدولة لغرض شخصي كمحاولة إبراز محمد النمر ابن الإرهابي نمر النمر. والمقابل إسقاط الرموز أو التشكيك في ولاة الأمر أو هيئة كبار العلماء أو التشكيك في مؤسسات الدولة وخططها وأهدافها ومحاولة زعزعة الأمن ونشر ثقافة الإحباط في المجتمع.

من هو اللاعب الأخطر الخفي؟

وفي الجانب الآخر والأهم يقف على قمة هذه اللعبة المنظمات الدولية وبعض الدول المعادية والتي تعرف ماذا تريد؟ وهي كثيرة ومتعددة منها الحكومي أو شبه الحكومي. وتمكن استفادتها من جمع المعلومات وتحليلها بالطريقة التي تريدها حت‍ى يتم ابتزاز المجتمعات والدول لتحقيق أجندتها.

ففي عام 2016 أدرجت الأمم المتحدة التحالف العربي الذي تقوده المملكة في اليمن في اللائحة السوداء للدول والجماعات المسلحة التي تنتهك حقوق الإنسان في النزاعات والحروب. وذكر تقريرهم المضلل أن التحالف مسؤول عن 60% من وفيات وإصابات الأطفال العام الماضي، وهذا عار من الصحة، ولكن تم الحصول على هذه المعلومات الحسابات التويترية لأعداء المملكة في المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي.

ما هي المشاكل الرئيسية؟

• ضعف ثقافة المجتمع بنظام الجرائم المعلوماتية.

• ضعف ثقافة المجتمع بالحرب الناعمة وقوانينها والمستفيدين منها.

• ضعف إستراتيجيات الحرب الناعمة الدفاعية والهجومية.

• غياب الميثاق الأخلاقي المجتمعي غير المكتوب، وهنا تصاعد مؤشر السب والشتم والقذف والتشهير والإساءة للآخرين وضرب الرموز والتكفير وتوزيع صكوك الولاء وتصنيف المجتمع والتهديد.

• عدم وضوح المسؤوليات والاختصاصات بين الجهات الرسمية، على سبيل المثال نجد تم تحويل الدكتور علي الربيعي، والذي يعتبر ارتكب جريمة إلكترونية إلى التحقيق في وزارة الإعلام كمخالفة للنشر الإلكتروني، بالرغم أنه حساب شخصي ولم يحصل على رخصة من الإعلام، وهناك مغردون آخرون تم تحويلهم إلى النيابة العامة.

• عدم وجود جهة مختصة تقوم بمراقبة التجاوزات الأخلاقية وتعدي بعض الجهات على المستخدمين دون مسوغ نظامي.

الداخلية قدمت أنموذجاً يستحق الإشادة به، وهو المشروع الوطني للوقاية من المخدرات «نبراس»، والذي كسب ثقة المجتمع بأكمله، واستطاعت تحقيق إنجاز عالمي بكسب ثقة المجتمع واستطاعت التأثير به بشكل إيجابي ولم تستخدم القوة بل حاورت المجتمع بالعقل ثم فرضت النظام.

ما هو الحل؟

• للمستخدمين:

* مراجعة الحسابات التي تتابعها للتأكد من توجهات المغردين.

* فكر قبل المشاركة في الهاشتاقات فقد تكون تغريدتك طريقا إلى السجن أو الغرامة.

* ضع مصلحة المملكة فوق كل اعتبار، وتذكر أن هناك من يرصد الأفعال والمشاعر في وسائل التواصل الاجتماعي ويهتم بالجانب السلبي.

* المساهمة في خلق ميثاق أخلاقي غير مكتوب.

• الجهات المعنية:

* دخول الدولة لضبط الانفلات الأخلاقي، وعليها تخصيص جهة لمتابعة هذا الملف شبيه بنبراس.

* توضيح السلطات والمسؤوليات بين الجهات المعنية.

* مراجعة وتحديث نظام الجرائم المعلوماتية.

إذن يتضح جلياً أن الفرد لم يكن رقما في التأثير الدولي سابقاً، وما هو إلا مجرد رقم في ملفات الأمم المتحدة، بل أصبح صانع الحدث المحلي والدولي ومؤثرا بفضل برامج التواصل الاجتماعي.

* عضو الأكاديمية الأمريكية للطب الشرعي ــ الأدلة الرقمية