العيسى: ما أحوج الجميع لصياغة سلوكهم على منهج معرفة الآخر
مؤتمر الرابطة يشكر لخادم الحرمين جهوده في فتح أبواب المسجد الأقصى وإبراز المنهج الوسطي
الثلاثاء / 14 / ذو الحجة / 1438 هـ الثلاثاء 05 سبتمبر 2017 02:09
«عكاظ» (منى) Okaz_Online@
أشاد عدد من مفتي البلدان العربية والإسلامية، وكبار الشخصيات الإسلامية في العالم من ضيوف رابطة العالم الإسلامي في حج 1438هـ، بجهود خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في خدمة القضايا الإسلامية والدفاع عنها، مثمنين مواقفه النبيلة في إعادة فتح أبواب المسجد الأقصى، وفي إبراز المنهج الوسطي والبعد الحضاري للإسلام عبر إنشاء مركز الملك سلمان للسلام العالمي، والمركز العالمي لمكافحة التطرف «اعتدال»، ومركز الحرب الفكرية. جاء ذلك في البيان الختامي الذي صدر عقب مشاركتهم في ملتقى مؤتمر حج هذا العام 1438هـ الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي في مشعر منى بعنوان: «الوسطية والتسامح في الإسلام.. نصوص ووقائع»، بمشاركة المفتي العام للمملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء رئيس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، والأمين العام للرابطة رئيس مجلس إدارة الهيئة العالمية للعلماء المسلمين وعضو هيئة كبار العلماء الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى، ومفتي مصر الدكتور شوقي علام، والمفتي العام للقدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد أحمد حسين، ومفتي الشيشان الشيخ صلاح مجييف، ورئيس المجلس الأعلى للفتوى والمظالم في موريتانيا الشيخ محمد المختار بن إمبالة، وعدد من العلماء من 72 بلداً عربياً وإسلامياً، إضافة إلى علماء المملكة العربية السعودية.
افتُتح الملتقى بكلمة للمفتي العام الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، أكد فيها أن الوسطية والعدل والتسامح من أظهر السمات العظيمة التي تميز بها دين الإسلام، ورسوله صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والرسل نبي الرحمة والتسامح، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)، وكانت أمته أمة وسطاً من بين سائر الأمم، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا).
وأضاف أن من مظاهر الوسطية في الإسلام اتصافه بكل صفات الخير والنبل والعطاء والعدل والإنصاف والرحمة والإخاء والمحبة ونبذ العنف والعدوان بغير حق، والدعوة إلى الخير وإلى الأخلاق الفاضلة، والترغيب في الصفح والعفو عن المخطئ، والصبر على الأذى وتحمله، والإحسان إلى الخلق والرحمة بهم.
وأكد المفتي أن الواجب على المسلمين جميعاً إظهار الجانب المشرق من الإسلام، وذلك بأن يتخلقوا بخلق الإسلام الفاضلة، ويتعاملوا بالمعاملة الحسنة، ويظهروا بمظهر الأدب الجم، ويخاطبوا بالكلمة الطيبة، ويصدقوا في القول والفعل، ويتصفوا بالأمانة في معاملاتهم المالية والتجارية، ويوفوا بعقودهم ووعودهم، ويبعدوا عن الظلم والخيانة والكذب وإيذاء الآخرين، ويحترموا الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، مشيراً إلى أن هذا الجانب المشرق من الإسلام قد اختفى مع الأسف في حياة طائفة من المسلمين فأساؤوا إلى الإسلام بتصرفاتهم، وشوهوا بأفعالهم الشنيعة سمعة هذا الدين الحنيف، فكانوا عقبة في طريق دخول الناس في دين الله والأخذ بتعاليمه وأخلاقه.
ودعا العلماء والدعاء والمثقفين وأصحاب الأقلام بشكل خاص إلى إظهار جانب الوسطية والتسامح في دين الإسلام بأفعالهم وأقوالهم، والكتابة بأقلامهم، والمساهمة بالنشر في وسائل الإعلام، وعبر مواقع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من الوسائل المتاحة، ليزيلوا هذه الغشاوة التي أخفتْ حقيقة دين الإسلام عن الناس، ليرى الناس ما في هذا الدين من محاسن وفضائل، وليدركوا حقيقته الناصعة.
وقال إن كل فرد منا يحاول في مجاله، وفي ميدانه، وفي حدود إمكاناته أن يساهم في تجلية هذه الجوانب المشرقة من دين الإسلام، وأخلاقه الفاضلة، وسلوكه الحسن، وتعاليمه السامية حتى يكون كلٌّ منا رسولاً صادقاً، وأنموذجاً حقيقياً لتعاليم هذا الدين العظيم الذي يحمل رسالة عدل ورحمة وتسامح للعالمين أجمعين.
وأشاد في ختام كلمته بالملتقى، مؤملاً أن يساهم في إيصال هذه الرسالة السامية، ويضع نقاطاً على الحروف للتعبير الواضح عن سماحة الإسلام ووسطيته وما يدعو إليه من مكارم الأخلاق وجميل الخصال، شاكراً القائمين على هذا المؤتمر وعلى رأسهم الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي ومساعديه والفريق العامل في تنظيم هذا المؤتمر، وسعيهم الحثيث لما فيه خير الإسلام والمسلمين.
وألقى الدكتور محمد العيسى خلال الملتقى كلمة رحب في مستهلها بحضور المؤتمر وبكلمة مفتي عام المملكة العربية السعودية التي اعتبرها «وثيقة شرعية مهمة»، موضحاً القيم الرفيعة في الإسلام للوسطية والتسامح والاعتدال وما يجب على الجميع من الترجمة العملية لها بعيداً عن الطرح النظري والتداول الإنشائي المجرد، وأن هذا التطبيق يعكس أمام الآخر صواب الطرح بأثره الفاعل والماثل مصدقاً نظرياته وقبل ذلك وبعده براءة الذمة باقتفاء جادة الإسلام في هذا المسلك المهم تحرزاً من القول بلا عمل ومن ثم الإساءة لسمعة الدين.
وأشار إلى أن للتطرف أساليب عدة في تمرير أفكاره الضالة، مبيناً أنه في محاولات تسلله قرر كتباً لبعض علماء الإسلام فأخذ منها وترك وزاد ونقص مثلما دلس بإقرار الكتاب والسنة وأنه بهذا إنما يناور على العناوين العريضة ليقتنص بها، مضيفاً: «أن الجهل والإغراض وجدا في الجماعات الإرهابية ذريعة لتسويق الصورة السلبية عن الإسلام».
وأكد على حاجة الجميع لصياغة سلوكهم على منهج معرفة الآخر والتعامل معه بخطاب الحكمة والمرونة والاحتواء دون الاقتصار على بيان خطئه وتجهيله، فضلاً عن الإساءة إليه، وأنه يجب أن يعي الجميع كيف يتفقون وكيف يختلفون، وأن منطق الحكمة والعدل يقضي بأن جنايةً (قولية أو فعلية) تُرتكب باسم الدين هي في حقيقتها جناية ضد الدين نفسه، مشدداً على أهمية دور العلماء والدعاة والمفكرين في القيام بمسؤولية إيضاح حقيقة الإسلام والتصدي للشبهات والأوهام والمزاعم التي عمد إليها التطرف لتمرير باطله.
من جانبه، عبر المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد أحمد حسين عن شكره للمملكة على رعايتها لوفود الرحمن إلى هذا الديار المقدسة ليؤدوا مناسكهم بكل أمن واطمئنان، كما شكر رابطة العالم الإسلامي على دعوتها لهذا الملتقى، مؤكداً أن موضوع الملتقى تنبع أهميته من أن الوسطية إنما هي الإسلام بعينه وما أحاط به من نصوص كريمة، وأن هذه الملتقيات والتجمعات العلمية، من شأنها أن تثري المسيرة الإسلامية.
وأشار إلى أن الوسطية هي الإسلام بكل أنظمته وقوانينه وشرائعه، كما أشار إلى شمول المسؤولية نحو تحقيق الوسطية بداية من الأسرة وانتهاء إلى المؤسسات التربوية والمدارس والمؤسسات الدينية وعلى رأسها المسجد، مضيفاً أنه إذا ما نهضت هذه المؤسسات بمسؤولياتها، وكذلك منبر العلماء أمكن أن تصل ثقافة الوسطية إلى أبناء الأمة.
وقال: إن المسجد الأقصى المبارك وما يعانيه من ممارسات سلطات الاحتلال لم يعرف التسامح وإنما عرف عنه منع المساجد من أن يذكر فيها اسم الله، وقد عايش المسلمون المحنة التي أصيبوا بها في الأرض الفلسطينية في شهر تموز الماضي، مؤكداً على جهود خادم الحرمين الشريفين التي كان لها الأثر الكبير في إنهاء تلك الأزمة، مع التأييد والدعم من قبل الأشقاء في عدد من الدول الإسلامية.
وقال رئيس المجلس الأعلى للفتوى والمظالم في موريتانيا الشيخ محمد المختار بن إمبالة إن المسؤولية في تحقيق التسامح والوسطية تقع على العلماء لأن الحروب التي تحدث تبدأ من مشكلات فكرية والفكر لا يقابل إلا بالفكر والحجة لا تقابل إلا بالحجة، والأمثلة كثيرة على ذلك من النصوص الدينية وأقوال العلماء التي تحذر من الغلو في الدين باعتبار أن الغلو في الدين مهلكة كبيرة جداً.
وأضاف أن شرعيتنا وسط بين أولئك الذين أفرطوا والذين فرطوا، وأهل السنة عقيدتهم وسط بين طرفي الغلو والتقصير وبين التشبيه والتعطيل، وكان الإسلام في الجانب السياسي نظاماً ربانياً وسطاً جاء بين الديمقراطية والدكتاتورية. وفي ختام الملتقى رفع المشاركون شكرَهم لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ولولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، على ما يسَّر الله على أيديهما من خدمات إسلامية جليلة للحرمين الشريفين وقاصديهما.
وأشاد البيان في ذلك السياق بالرعاية والاهتمام والخَدَمات المميزة التي تقدمها المملكة لحُجاج بيت الله الحرام من جميع قطاعات الدولة، الأمر الذي سهَّل على ضيوف الرحمن أداءَ نُسُكِهم في أجواء عامرة بالأمن والإيمان والسكينة والاطمئنان واليسر والسهولة، سائلين الله تعالى أن يديم على المملكة، وقيادتها الرشيدة خدمة الحرمين الشريفين، ويحفظها من شر المغرضين والمفسدين.
وأكد المشاركون على أن الوسطية والتسامح في فهم الإسلام وتطبيقه من مسلمات الدين البارزة، الواضحة الأحكام في مسائل العقيدة وأبواب الفقه، ولا يكون الانحراف عنها إلا بسبب جهل أو خطأ أو تطرف فكري، فهي سِمة واضحةٌ في وجدان الأمة الإسلامية عبر تاريخها الطويل، استمساكاً بهدي الكتاب والسنة، وتأسّياً برعيل الأمة الصالح في مواجهة شذوذ الأفكار والرؤى حول الإسلام والإنسان والمجتمع، قال تعالى: (وَكذلِكَ جَعَلْناكُم أمّةً وسَطًا). وأوضح المشاركون أن الوسطية الإسلامية هي ركيزة أساسية لسلامة الفكر من الانحراف أو الخروج عن الاعتدال المعتبر في فهم الأمور الدينية والسياسية والاجتماعية، الأمر الذي يحفظ الدين والكيان العام للأمة، ويحقق الأمن والطمأنينة والاستقرار، وتقع المسؤولية العظمى في نشر الوسطية الإسلامية على عاتق العلماء والدعاة ورجال التربية والتعليم والإعلام، توعية للنشء، وإظهاراً للحق؛ ليكون التعرف على الإسلام من خلال أصوله الصحيحة وعلمائه المعتبرين، بعيداً عن الدعايات المغْرضة وأطروحات التطرف الفكري.
وشددوا على أن الإسلام بوسطيته المتوازنة، وقيمه السمحة، وأحكامه العادلة، ونُظمه الشاملة، وتجربته الحضارية الفريدة، قادر في كل زمان ومكان على تقديم الحلول للمشكلات المزمنة للمجتمعات الإنسانية، وإنقاذها من ترديها الأخلاقي والاجتماعي الذي طبعتها به المظاهر المادية والانحرافات الثقافية والسياسية.
ودعوا إلى العمل على ضرورة تحديث الخطاب الديني بما يراعي فوارق الزمان والمكان والحال، ويتلاءم مع ثوابت الإسلام وهويته، ويعالج مشكلات المجتمعات المعاصرة، بعيداً عن الانفعال وردات الفعل الآنية التي تغفل عن الآثار البعيدة، وأخذ زمام المبادرة في جميع القضايا النازلة بتقديم رؤى إسلامية أصيلة ورصينة تحقق المصالح المشروعة للأمة.
كما دعوا إلى تشجيع البحوث والدراسات التي تؤصل لمبدأ الوسطية والتسامح في الإسلام وتبرز أهميته، وتسعى للتعريف به، ونشره بين الحضارات، وتفنيد شبهات المتطرفين ممن يحملون أفكارا مختزلة أو منحرفة تتعارض مع محكمات الفقه الإسلامي، ومقاصد الشريعة.
ولفتوا النظر إلى أهمية أن تكون الملتقيات العلمية والدعوية والفكرية جامعة لكلمة المسلمين، مع ترسيخ الإيمان بالسنة الكونية في الاختلاف والتنوع والتعددية مع إيضاح الحق بالحكمة والموعظة الحسنة.
وقال المشاركون في الملتقى في بيانهم: إن حال الضعف والفتور الذي يعتري الأمة المسلمة في الوقت الحاضر لا يعبر عن تاريخها الحضاري الممتد، فقد نجحت تاريخياً في تحقيق الإنجازات الحضارية والانفتاح الإيجابي على الحضارات الأخرى، واستفادت من تواصلها معها وأفادتها؛ الأمر الذي أهّل الأمة المسلمة لريادة الحضارة الإنسانية قرونا متعاقبة، وجعلها تسهم في بناء الإنسان، وفق منهج إصلاحي متكامل، كما هي قادرة اليوم على الاستفادة من الإنجازات المعرفية الإنسانية، وترجمتها إلى واقع تنموي ينهض بالمجتمعات والدول المسلمة ضمن منهج الإسلام وضوابطه.
وحثوا على ضرورة دعم المؤسسات العلمية والبحثية في العالم لرصد الحملات الإعلامية على الإسلام، ومعرفة دوافعها، ووضع إستراتيجيات مناسبة للتصدي لها، وتصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلام والمسلمين؛ ليتعرف العالم على مبادئه العظيمة، ومواجهة حملات الإسلاموفوبيا.
كما حثوا على أهمية تجلية موقف الإسلام من قضايا العصر ونوازله وعلومه ومستجداته، ودراسة الأنظمة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المعاصرة، وتقويمها وفق المنهج الإسلامي الوسطي للخروج برؤى إسلامية واضحة وصحيحة صالحة للتطبيق من أجل تجاوز مشكلات المرحلة الراهنة.
وكان ملتقى «الوسطية والتسامح في الإسلام.. نصوص ووقائع» قد تناول فيه المشاركون بأوراق عمل مستفيضة محاور: الوسطية والتسامح، واقع الوسطية والتسامح، التحديات والمسؤوليات.
وكان المؤتمرون قد دعوا إلى تناول كافة القضايا المهمة على الساحة الإسلامية ووضع حلول مَجْمعية لها لتُعبِّر عن صوت الأمة الواحدة.
افتُتح الملتقى بكلمة للمفتي العام الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، أكد فيها أن الوسطية والعدل والتسامح من أظهر السمات العظيمة التي تميز بها دين الإسلام، ورسوله صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والرسل نبي الرحمة والتسامح، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)، وكانت أمته أمة وسطاً من بين سائر الأمم، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا).
وأضاف أن من مظاهر الوسطية في الإسلام اتصافه بكل صفات الخير والنبل والعطاء والعدل والإنصاف والرحمة والإخاء والمحبة ونبذ العنف والعدوان بغير حق، والدعوة إلى الخير وإلى الأخلاق الفاضلة، والترغيب في الصفح والعفو عن المخطئ، والصبر على الأذى وتحمله، والإحسان إلى الخلق والرحمة بهم.
وأكد المفتي أن الواجب على المسلمين جميعاً إظهار الجانب المشرق من الإسلام، وذلك بأن يتخلقوا بخلق الإسلام الفاضلة، ويتعاملوا بالمعاملة الحسنة، ويظهروا بمظهر الأدب الجم، ويخاطبوا بالكلمة الطيبة، ويصدقوا في القول والفعل، ويتصفوا بالأمانة في معاملاتهم المالية والتجارية، ويوفوا بعقودهم ووعودهم، ويبعدوا عن الظلم والخيانة والكذب وإيذاء الآخرين، ويحترموا الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، مشيراً إلى أن هذا الجانب المشرق من الإسلام قد اختفى مع الأسف في حياة طائفة من المسلمين فأساؤوا إلى الإسلام بتصرفاتهم، وشوهوا بأفعالهم الشنيعة سمعة هذا الدين الحنيف، فكانوا عقبة في طريق دخول الناس في دين الله والأخذ بتعاليمه وأخلاقه.
ودعا العلماء والدعاء والمثقفين وأصحاب الأقلام بشكل خاص إلى إظهار جانب الوسطية والتسامح في دين الإسلام بأفعالهم وأقوالهم، والكتابة بأقلامهم، والمساهمة بالنشر في وسائل الإعلام، وعبر مواقع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من الوسائل المتاحة، ليزيلوا هذه الغشاوة التي أخفتْ حقيقة دين الإسلام عن الناس، ليرى الناس ما في هذا الدين من محاسن وفضائل، وليدركوا حقيقته الناصعة.
وقال إن كل فرد منا يحاول في مجاله، وفي ميدانه، وفي حدود إمكاناته أن يساهم في تجلية هذه الجوانب المشرقة من دين الإسلام، وأخلاقه الفاضلة، وسلوكه الحسن، وتعاليمه السامية حتى يكون كلٌّ منا رسولاً صادقاً، وأنموذجاً حقيقياً لتعاليم هذا الدين العظيم الذي يحمل رسالة عدل ورحمة وتسامح للعالمين أجمعين.
وأشاد في ختام كلمته بالملتقى، مؤملاً أن يساهم في إيصال هذه الرسالة السامية، ويضع نقاطاً على الحروف للتعبير الواضح عن سماحة الإسلام ووسطيته وما يدعو إليه من مكارم الأخلاق وجميل الخصال، شاكراً القائمين على هذا المؤتمر وعلى رأسهم الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي ومساعديه والفريق العامل في تنظيم هذا المؤتمر، وسعيهم الحثيث لما فيه خير الإسلام والمسلمين.
وألقى الدكتور محمد العيسى خلال الملتقى كلمة رحب في مستهلها بحضور المؤتمر وبكلمة مفتي عام المملكة العربية السعودية التي اعتبرها «وثيقة شرعية مهمة»، موضحاً القيم الرفيعة في الإسلام للوسطية والتسامح والاعتدال وما يجب على الجميع من الترجمة العملية لها بعيداً عن الطرح النظري والتداول الإنشائي المجرد، وأن هذا التطبيق يعكس أمام الآخر صواب الطرح بأثره الفاعل والماثل مصدقاً نظرياته وقبل ذلك وبعده براءة الذمة باقتفاء جادة الإسلام في هذا المسلك المهم تحرزاً من القول بلا عمل ومن ثم الإساءة لسمعة الدين.
وأشار إلى أن للتطرف أساليب عدة في تمرير أفكاره الضالة، مبيناً أنه في محاولات تسلله قرر كتباً لبعض علماء الإسلام فأخذ منها وترك وزاد ونقص مثلما دلس بإقرار الكتاب والسنة وأنه بهذا إنما يناور على العناوين العريضة ليقتنص بها، مضيفاً: «أن الجهل والإغراض وجدا في الجماعات الإرهابية ذريعة لتسويق الصورة السلبية عن الإسلام».
وأكد على حاجة الجميع لصياغة سلوكهم على منهج معرفة الآخر والتعامل معه بخطاب الحكمة والمرونة والاحتواء دون الاقتصار على بيان خطئه وتجهيله، فضلاً عن الإساءة إليه، وأنه يجب أن يعي الجميع كيف يتفقون وكيف يختلفون، وأن منطق الحكمة والعدل يقضي بأن جنايةً (قولية أو فعلية) تُرتكب باسم الدين هي في حقيقتها جناية ضد الدين نفسه، مشدداً على أهمية دور العلماء والدعاة والمفكرين في القيام بمسؤولية إيضاح حقيقة الإسلام والتصدي للشبهات والأوهام والمزاعم التي عمد إليها التطرف لتمرير باطله.
من جانبه، عبر المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد أحمد حسين عن شكره للمملكة على رعايتها لوفود الرحمن إلى هذا الديار المقدسة ليؤدوا مناسكهم بكل أمن واطمئنان، كما شكر رابطة العالم الإسلامي على دعوتها لهذا الملتقى، مؤكداً أن موضوع الملتقى تنبع أهميته من أن الوسطية إنما هي الإسلام بعينه وما أحاط به من نصوص كريمة، وأن هذه الملتقيات والتجمعات العلمية، من شأنها أن تثري المسيرة الإسلامية.
وأشار إلى أن الوسطية هي الإسلام بكل أنظمته وقوانينه وشرائعه، كما أشار إلى شمول المسؤولية نحو تحقيق الوسطية بداية من الأسرة وانتهاء إلى المؤسسات التربوية والمدارس والمؤسسات الدينية وعلى رأسها المسجد، مضيفاً أنه إذا ما نهضت هذه المؤسسات بمسؤولياتها، وكذلك منبر العلماء أمكن أن تصل ثقافة الوسطية إلى أبناء الأمة.
وقال: إن المسجد الأقصى المبارك وما يعانيه من ممارسات سلطات الاحتلال لم يعرف التسامح وإنما عرف عنه منع المساجد من أن يذكر فيها اسم الله، وقد عايش المسلمون المحنة التي أصيبوا بها في الأرض الفلسطينية في شهر تموز الماضي، مؤكداً على جهود خادم الحرمين الشريفين التي كان لها الأثر الكبير في إنهاء تلك الأزمة، مع التأييد والدعم من قبل الأشقاء في عدد من الدول الإسلامية.
وقال رئيس المجلس الأعلى للفتوى والمظالم في موريتانيا الشيخ محمد المختار بن إمبالة إن المسؤولية في تحقيق التسامح والوسطية تقع على العلماء لأن الحروب التي تحدث تبدأ من مشكلات فكرية والفكر لا يقابل إلا بالفكر والحجة لا تقابل إلا بالحجة، والأمثلة كثيرة على ذلك من النصوص الدينية وأقوال العلماء التي تحذر من الغلو في الدين باعتبار أن الغلو في الدين مهلكة كبيرة جداً.
وأضاف أن شرعيتنا وسط بين أولئك الذين أفرطوا والذين فرطوا، وأهل السنة عقيدتهم وسط بين طرفي الغلو والتقصير وبين التشبيه والتعطيل، وكان الإسلام في الجانب السياسي نظاماً ربانياً وسطاً جاء بين الديمقراطية والدكتاتورية. وفي ختام الملتقى رفع المشاركون شكرَهم لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ولولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، على ما يسَّر الله على أيديهما من خدمات إسلامية جليلة للحرمين الشريفين وقاصديهما.
وأشاد البيان في ذلك السياق بالرعاية والاهتمام والخَدَمات المميزة التي تقدمها المملكة لحُجاج بيت الله الحرام من جميع قطاعات الدولة، الأمر الذي سهَّل على ضيوف الرحمن أداءَ نُسُكِهم في أجواء عامرة بالأمن والإيمان والسكينة والاطمئنان واليسر والسهولة، سائلين الله تعالى أن يديم على المملكة، وقيادتها الرشيدة خدمة الحرمين الشريفين، ويحفظها من شر المغرضين والمفسدين.
وأكد المشاركون على أن الوسطية والتسامح في فهم الإسلام وتطبيقه من مسلمات الدين البارزة، الواضحة الأحكام في مسائل العقيدة وأبواب الفقه، ولا يكون الانحراف عنها إلا بسبب جهل أو خطأ أو تطرف فكري، فهي سِمة واضحةٌ في وجدان الأمة الإسلامية عبر تاريخها الطويل، استمساكاً بهدي الكتاب والسنة، وتأسّياً برعيل الأمة الصالح في مواجهة شذوذ الأفكار والرؤى حول الإسلام والإنسان والمجتمع، قال تعالى: (وَكذلِكَ جَعَلْناكُم أمّةً وسَطًا). وأوضح المشاركون أن الوسطية الإسلامية هي ركيزة أساسية لسلامة الفكر من الانحراف أو الخروج عن الاعتدال المعتبر في فهم الأمور الدينية والسياسية والاجتماعية، الأمر الذي يحفظ الدين والكيان العام للأمة، ويحقق الأمن والطمأنينة والاستقرار، وتقع المسؤولية العظمى في نشر الوسطية الإسلامية على عاتق العلماء والدعاة ورجال التربية والتعليم والإعلام، توعية للنشء، وإظهاراً للحق؛ ليكون التعرف على الإسلام من خلال أصوله الصحيحة وعلمائه المعتبرين، بعيداً عن الدعايات المغْرضة وأطروحات التطرف الفكري.
وشددوا على أن الإسلام بوسطيته المتوازنة، وقيمه السمحة، وأحكامه العادلة، ونُظمه الشاملة، وتجربته الحضارية الفريدة، قادر في كل زمان ومكان على تقديم الحلول للمشكلات المزمنة للمجتمعات الإنسانية، وإنقاذها من ترديها الأخلاقي والاجتماعي الذي طبعتها به المظاهر المادية والانحرافات الثقافية والسياسية.
ودعوا إلى العمل على ضرورة تحديث الخطاب الديني بما يراعي فوارق الزمان والمكان والحال، ويتلاءم مع ثوابت الإسلام وهويته، ويعالج مشكلات المجتمعات المعاصرة، بعيداً عن الانفعال وردات الفعل الآنية التي تغفل عن الآثار البعيدة، وأخذ زمام المبادرة في جميع القضايا النازلة بتقديم رؤى إسلامية أصيلة ورصينة تحقق المصالح المشروعة للأمة.
كما دعوا إلى تشجيع البحوث والدراسات التي تؤصل لمبدأ الوسطية والتسامح في الإسلام وتبرز أهميته، وتسعى للتعريف به، ونشره بين الحضارات، وتفنيد شبهات المتطرفين ممن يحملون أفكارا مختزلة أو منحرفة تتعارض مع محكمات الفقه الإسلامي، ومقاصد الشريعة.
ولفتوا النظر إلى أهمية أن تكون الملتقيات العلمية والدعوية والفكرية جامعة لكلمة المسلمين، مع ترسيخ الإيمان بالسنة الكونية في الاختلاف والتنوع والتعددية مع إيضاح الحق بالحكمة والموعظة الحسنة.
وقال المشاركون في الملتقى في بيانهم: إن حال الضعف والفتور الذي يعتري الأمة المسلمة في الوقت الحاضر لا يعبر عن تاريخها الحضاري الممتد، فقد نجحت تاريخياً في تحقيق الإنجازات الحضارية والانفتاح الإيجابي على الحضارات الأخرى، واستفادت من تواصلها معها وأفادتها؛ الأمر الذي أهّل الأمة المسلمة لريادة الحضارة الإنسانية قرونا متعاقبة، وجعلها تسهم في بناء الإنسان، وفق منهج إصلاحي متكامل، كما هي قادرة اليوم على الاستفادة من الإنجازات المعرفية الإنسانية، وترجمتها إلى واقع تنموي ينهض بالمجتمعات والدول المسلمة ضمن منهج الإسلام وضوابطه.
وحثوا على ضرورة دعم المؤسسات العلمية والبحثية في العالم لرصد الحملات الإعلامية على الإسلام، ومعرفة دوافعها، ووضع إستراتيجيات مناسبة للتصدي لها، وتصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلام والمسلمين؛ ليتعرف العالم على مبادئه العظيمة، ومواجهة حملات الإسلاموفوبيا.
كما حثوا على أهمية تجلية موقف الإسلام من قضايا العصر ونوازله وعلومه ومستجداته، ودراسة الأنظمة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المعاصرة، وتقويمها وفق المنهج الإسلامي الوسطي للخروج برؤى إسلامية واضحة وصحيحة صالحة للتطبيق من أجل تجاوز مشكلات المرحلة الراهنة.
وكان ملتقى «الوسطية والتسامح في الإسلام.. نصوص ووقائع» قد تناول فيه المشاركون بأوراق عمل مستفيضة محاور: الوسطية والتسامح، واقع الوسطية والتسامح، التحديات والمسؤوليات.
وكان المؤتمرون قد دعوا إلى تناول كافة القضايا المهمة على الساحة الإسلامية ووضع حلول مَجْمعية لها لتُعبِّر عن صوت الأمة الواحدة.