كتاب ومقالات

المقاومة الوطنية والإرهاب..!

صدقة يحيى فاضل

لا يمكن أبدا تبرير أعمال العنف، إذا وجهت ضد أبرياء لا ذنب لهم في القضية التى يهدف العنف المعنى خدمتها، أو إثارتها. إن التهاون مع الإرهاب، أيا كان نوعه، وأيا كان مصدره، يشجع الإرهابيين على القيام بالمزيد من جرائم القتل والتدمير. فالهدف المبدئي من القتل والتدمير والاعتداء الجسدي في الإرهاب، هو: إخافة آخرين، والضغط عليهم... لتحقيق أهداف معينة، أو يمكن تعيينها (انطلاقا من مبدأ «قتل واحد، يخيف مئات»). يكون الفعل «إرهاباً» عندما تكون أهدافه ووسائله غير مشروعة... أما عندما تكون «الأهداف» مشروعة وحقا، و«الوسائل» كذلك، فإن الفعل لا يصبح إرهاباً، بل ربما عملاً إيجابياً، يجب دعمه واحترامه... من قبل البشر الأسوياء. وقد يسمى عندئذ بمسميات أخرى. كأن يوصف بأنه «مقاومة»، أو «نضال» مشروع. ويجب أن يصنف أي إرهاب حسب طبيعة «هدفه»... بحيث يكون «سياسيا» إذا كان الهدف سياسىيا، و«فكريا» إن كان الهدف كذلك... وهكذا.

البعض يرى أن أي فعل بشع يكون مشروعاً، عندما تكون أهدافه مشروعة، وحقا، ونبيلة... وإن كانت وسائله شريرة، وسيئة ... ولكن إذا اعتبرنا «الإرهاب» وسيلة، كما هو، في معظم الحالات، وسلمنا بأن هذه الوسيلة تتضمن الإضرار بأناس غالباً ما يكونون أبرياء، فإن هذه الوسيلة لا شك تعتبر سيئة، بل إجرامية... ولابد أن يسمى استخدامها إرهابا...فلكـي يكون الفعل مشروعاً، وخيراً، وغير إرهابي، لا بد أن تكون الأهـداف والـوسائل (معاً) مشروعة، وخيرة.

***

وهناك شيء من التداخل بين أعمال المقاومة الوطنية، وبعض أعمال الإرهاب. وهناك شبه إجمـاع عالمـي على مشروعية مكافحة «الاستعمار»، بأشكاله المختلفة، واحتلال أراضي الغير بالقوة، وأيضا الاستبداد. إذ إن مقـاومة«الاستعمار» و«الاحتلال» والاستبداد تعتبر عملاً نضالياً محموداً ... لأنه من قبيل الدفاع عن النفس، ضد أطراف بادرت بالعدوان، ولزم رد الفعل تجاهها لحماية النفس والحقوق. معظم الحقوقيين وعلماء ومفكري السياسة والقانون يعتبرون «الاستعمار» و«الاحتلال» و«الاستبداد» السياسي، أسوأ درجات الإرهاب السياسى، وأكثرها قسوة وتدميراً، وكلها تهدف لتحقيق أهداف شريرة، ولابد أن تثير ردود فعل عنيفة ضدها. فلولا وجود الاستبداد والاستعمار والاحتلال لما كانت كثير من عمليات العنف، أو ما يسمى (تجاوزاً، في هذه الحالة) - «إرهاباً»...

يعرف «الإرهاب السياسي» بأنه: محاولة فرد أو جماعة، أو دولة تحقيق بعض الأهداف السياسية (عدا مقاومة الاستبداد والعمل على التحرر من ربقتي الاستعمار والاحتلال الأجنبيين) عبر استخدام العنف وتخويف وإرعاب صانعي القرار المعنيين، والضغط عليهم... وذلك بقتل أو جرح بعض الناس، ولو كانوا أبرياء، ولا دخل مباشرا لهم في القضية المراد خدمتها، وتدمير منشآتهم... أو بوسائل أخرى غير مشروعة.

ولكن هذا التعريف غير مقبول عند كثير ممن يمارسون الإرهاب الحقيقى، ويشجبون المقاومة الوطنية (إسرائيل - مثلا). إن مقاومة الاستبداد والاستعمار، بشتى صنوفه والاحتلال بأشكاله، هي مقاومة لـ «الإرهاب» الحقيقي ... في أسوأ وأمر درجاته. وهي حق مؤكد لكل الناس والشعوب التي ابتليت بالاستعمار والاحتلال، كفلته معظم الشرائع والمواثيق، شريطة ممارسته ضمن إطار معين، وأن لا يطال أذاه أبرياء لا دخل مباشرا لهم في المظلمة المعنية. ومن الطبيعي أن لا يعترض على مقاومة الإرهاب الحقيقي، إلا الإرهابي الحقيقي.

***

والسؤال الأهم الذي يجب أن يطرح هنا، هو: هل تجوز مقاومة الإرهاب بـ «إرهاب» ؟! وبمعنى آخر: إذا كان الاستبداد والاستعمار والاحتلال إرهاباً، هل يجوز أن يقاوم هذا الإرهاب السياسي بـ «إرهاب سياسي» مضاد؟!

يرى كثير من المعنيين بدراسة هذه الظواهر، من الغربيين وغيرهم، أن «الإرهاب السياسي» يصبح جائزاً بشرطين رئيسيين:

1- أن يستخدم ضد استبداد أو استعمار أو احتلال سياسي مؤكد.

2- عدم المساس بالأبرياء من الناس... وتركيز الفعل الترهيبـي على المسؤولين مباشرة عن الاستعمار والاستبداد والاحتلال. ويضيف البعض إلى ذلك شرط: استنفاد الطرق السلمية (المفاوضات) لوقف العدوان.

في هذه الحالة، يصبح هذا «الإرهاب السياسي» عبارة عن «عنف سياسي»، أو «مقاومة» محمودة، في رأي البعض. أما «الإرهاب السياسي» المذموم والمرفوض، والذي يجب أن يقاوم وعلى كل الصعد، فهو «الإرهاب» الذي يمس أبرياء. إن «تداخل» ظواهر: الإرهاب، الاستبداد، الاستعمار، الاحتلال، المقاومة، مع بعضها البعض، يجب أن لا يحجب الحقائق الساطعة عن الأعين، ويعيق تحديد الخيط الأبيض من الأسود.

***

ولا شك أن من الضروري تعريف وتحديد «المقاومة» المشروعة، جنباً إلى جنب مع تعريف «الإرهاب»، والتفريق بينهما... حتى يتضح الفارق الجوهري بين الظاهرتين المتشابهتين... ويفوت على المغرضين خلط الأوراق - كعادتهم، واعتبار الحق باطلاً، والباطل حقاً. وما زال العالم يتطلع لمنظمة الأمم المتحدة لوضع واعتماد هذين التعريفين المهمين. وغالبية الخبراء المعنيين يرون أن «المقاومة المشروعة» هى: «محاولة فرد أو جماعة ما مكافحة الاستبداد والاستعمار والاحتلال السياسي، عبر تخويف (ترهيب) المسؤولين مباشرة عنه، والضغط عليهم ... مع عدم التعرض للأبرياء، أو بوسائل أخرى... بعد تأكد استنفاد الوسائل السلمية، لوقف العدوان».

أي فعل يجوز اعتباره حسنا ومشروعاً، إذا سلمت أهدافه ووسائله. و«وسيلة» الإضرار بأناس (غالباً ما يكونون أبرياء) لا يمكن اعتبارها وسيلة مقبولة، في كل القوانين والأعراف. ومن يستخدم هذه الوسيلة يفقد ما قد يمكنه اكتسابه من تعاطف ودعم، بسبب ما قد يكون لأهدافه من قبول.