الأسباب أتى بها بصيغة إيحائية وإيمائية
نعيمان عثمان يكشف أسباب الولع في السعودية بالتكنولوجيا و«البزنس» (7-7)
السبت / 25 / ذو الحجة / 1438 هـ السبت 16 سبتمبر 2017 01:25
علي العميم
ما هو جدير بالملاحظة عند نعيمان، أن موقع عمادة السنة التحضيرية، لا تظهر فيه أسماء هيئة التدريس أو أي معلومات عنهم. وفي موضع آخر يضيف قائلاً: وكما لا وجود لهيئة التدريس في موقع التحضيرية كذلك الوضع بالنسبة لعمادة المهارات والمعلومات، فثمة معلومات عن محمد حسن عبدالجواد ليس مصدرها العمادة وإنما موقعه الشخصي والذي يتبين منه أنه حاصل على الدكتوراه من كلية الزراعة في جامعة القاهرة (2003) في الإنتاج الحيواني، وعمّد في الكلية نفسها منذ تخرجه. وخبراته في المهارات والقيادة والجودة مرتبطة بجامعته وبمصر، بالإضافة إلى برنامج تدريب مدعوم من هيئة المعونة الأميريكية USAID. أما عميد التحضير السابق وعميد المهارات (المتقاعد حديثاً)، عبدالعزيز العثمان، فإننا نعرف من موقعه الإلكتروني في الجامعة أنه أستاذ في كلية العلوم الطبية التطبيقية. وبلغه إنجليزية غير سليمة يخبرنا عن سجل من المناصب لها نطاق واسع من المسؤوليات والسلطة. أما بالنسبة للمهارات فإن خلفيته -حسب الموقع- شاسعة في مهارات الإدارة الحديثة للموظفين وخدمة الزبون. وهناك مقدرات أخرى، منها خبرة واسعة في الإعلام.
يعلق على ملحوظة إبراهيم الشمسان، الأستاذ في قسم اللغة العربية التي مفادها أن «جامعة الملك سعود أوكلت تعليم اللغة العربية في السنة التحضيرية إلى شركة خاصة لا تعبر بالضرورة عن أهداف الجامعة ولا عن سياستها التعليمية متجاوزة بذلك أعرق قسم في الجامعة، وهو قسم اللغة العربية المختص بتعليمها الذي طالما نهض بهذا العبء بكفاءة عالية، وخليق بالجامعة أن تستثمر ما تدفعه للشركة من أموال في تطوير البرامج في القسم المتخصص بتعليم العربية...»، يعلق على هذه الملحوظة، أن ما قاله الشمسان ينطبق أيضاً على مقررات الرياضيات والفيزياء والأحياء والإحصاء والحاسب الآلي التي تدرس في التحضيرية والتي لا يختلف بعضها عن وضع اللغة العربية مثل الرياضيات... إن السنة التحضيرية لا تستحوذ على مسؤوليات سابقة كانت لبعض الأقسام فحسب، بل تفرض أيضاً مواد قد تأتي على حساب مواد أهم للأقسام. فإذا كانت هناك شكوى من تدريس الرياضيات بالإنجليزية في السنة التحضيرية، كما جاء في مقالة مدرسها، يجب السؤال: ما الذي يجنيه قسم اللغة العربية وقسم اللغة الإنجليزية من دراسة الرياضيات، خاصة أن مستوى تدريسها موضع تساؤل؟ في الدراسة عن السنة التحضيرية لوحظ ضعف لدى طلاب المسار الإنساني في مقرر الرياضيات، مع العلم أن هذا المسار، يشمل كل التخصصات عدا العلوم والهندسة والعلوم الصحية. إن الرياضيات قد لا تكون ضرورية حتى لدارسي العلوم. فكثير من العلماء المشهورين في العالم اليوم -حسب مقالة السوسيوبيولوجي المعروف ولسون- ليسوا أكثر من شبه أميين في الرياضيات. والذي يبدي حسرته على الطلاب الذين شاهدهم خلال تدريسه الأحياء في هارفارد وهم في خشية من أنهم قد يفشلون كعلماء لقصور في مهاراتهم الرياضية. يذكر حالته حيث إن دراسته ومعرفته بالرياضيات كانت محدودة، ما دفعه وهو أستاذ أن يدرس التفاضل والتكامل مع بعض طلابه. وينقل نعيمان عنه قوله: «إنه من حسن الطالع أن التمكن من الرياضيات ليس متطلباً إلا في حقول قليلة مثل فيزياء الذرة وفيزياء الفلك ونظرية المعلومات».
يتعرض في هذا الفصل إلى أكاديمية الجزيرة وأكاديمية الفيصل الدولية وشركة التعليم النوعي القابضة وشركة جرير للتعليم والتدريب والمركز السعودي البريطاني والمجموعة الدولية للتدريب وشركة عطا للتدريب، ويقول: إن المعلومات شحيحة عن هذه الشركات، وعدد من الأسماء البارزة فيها لا صلة لهم بالتعليم أو التدريب، وهذا ينطبق أيضاً إلى حد كبير على أكبر شركتين: العبيكان للتعليم والخليج للتدريب والتعليم، فلا أذكر إلا أسماء محدودة مشرفة على البرامج... ورغم أن العبيكان للتعليم تستقطب «خبراء سعوديين وعالميين، وتعتز بشراكتها مع مجموعة من أعرق وأرقى الجامعات والمعاهد» إلا أن (جامعة لوريت) التي لها مشاركة في أكثر من معهد ليست ضمن الجامعات الراقية، بل إن البعض مثل ألتباخ لا يعدها جامعة، إذ يقول: «هي مثل فينكس وجونز الدولية ليست جامعات رغم استعمالها هذا المسمى، إنها مكائن إصدار شهادات وبرامجها مخصصة لأسواق محددة، وليس لديها هيئة تدريس منتظمة، ولا نظام حوكمة يتشارك فيه الأساتذة وبقية المعنيين، مثل ما هو سائد في الجامعات، وليس لديها بحوث أو دراسات بحث حرة من دون قيود. لذا يجب أن لا تسمى جامعات، فهي جامعات زائفة».
يخبرنا نعيمان أن جامعة لوريت «لها الآن حضور قوي يتجاوز شراكتها مع العبيكان في معهد تدريب البلاستيك والتغليف، فهي الشريك الأول لمؤسسة التعليم الفني والتدريب المهني، ولها دور أساسي فيما يسمى «كليات التميز» لدرجة أن بعضها التابعة لها تسمى باسمها.
الملحق المرفق بالكتاب هو عبارة عن مسودة تقرير كتبته لجنة شكلها منصور التركي في مطلع ثمانينيات القرن الماضي مع بداية تسلمه لمنصبه كرئيس لجامعة الملك سعود، واللجنة كانت مكونة من عبدالله الوهبي وحسين علوي ومؤلف الكتاب نعيمان عثمان.
أسباب ولع التعليم العالي السعودي بالتكنولوجيا و«البزنس» مبثوثة في تضاعيف الكتاب، وتأتي بصيغة إيحابية وإيمائية، وقد أوردنا شيئاً منها في بعض فقرات عرضنا للكتاب، ويمكن للقارئ أن يلم شتاتها من خلال نصوص في الكتاب، كانت صيغتها -إلى حد ما- مباشرة، وسنبرز فيما يلي بعضاً منها:
- في معرض مناقشته لأحمد العيسى في الفصل الثاني أشار نعيمان إلى أن المرجعية لكل العلوم والمعارف عنده هي غربية، فـ«علوم الدين -اليوم- هي علوم غربية بامتياز» وما كان للحضارة الإسلامية من تفوق لم يعد يصلح منه «إلا ما ارتبط بعلوم الدين والشريعة». وفي الإصلاح يأتي على رأس عناصر وثيقته الجديدة للتعليم «تعزيز العقيدة الإسلامية ومفاهيمها وقيمها». وهذه القضية يؤكد نعيمان أنه يصعب الاعتماد فيها على الغرب، إلا أن المخرج هو النظر إليها نظرة منفعية اقتصادية تلبي فيها «احتياجات المجتمع وسوق العمل في القرن الواحد والعشرين».
- يقول نعيمان في الفصل الخامس: لا تزيد الثقة المنشورة على موقع عمادة الجودة من قبل المستشارين أو العاملين فيها. من هذه المقالات هناك واحدة عنوانها (مفاهيم مهمة لتأسيس جودة الجامعات) للدكتور عبدالرحمن قنديل، رئيس وحدة الاعتماد الأكاديمي في العمارة، نجد فيها عموميات عن «system» و«النظام الكوني»، وهذه الجملة اللافتة: خلقها الله سبحانه وتعالى، أمر جوهري لمحاولة بناء نظم إدارية تحاكيها قدر الإمكان، وتوفر قوة الدفع الذاتي للنظام ليعمل وفق سرعة مناسبة، ويسعى للبقاء في مسار يحقق الرؤى المأمولة.
- وفي الفصل نفسه يقول: نقرأ مقالة لمنسق الجودة في السنة التحضيرية هشام عبده يبدي فيها ألمه الشديد لسؤال زميل له عن فائدة الجودة وقوله: «إنني لا أرى الجودة سوى ملء أوراق فقط واستهلاك حبر ووقت وورق فيما لا يفيد». وأفحم هشام عبده زميله برده بأن «الجودة هي التي تحدد لك الإرشادات لطريقك... الجودة هي الأطر والنظم التي تساعدنا وتبصرنا بالطريق... إن ديننا الإسلامي أمرنا بالإيمان الذي يعقبه العمل... وإن الله يحب إذا عمل أحد منا عملاً أن يتقنه... لقد أيقنت أن ثقافة الجودة وعدم انتشارها هو الأهم في تقدم مجتمعاتنا». ويقدم عبدالله المهيدب، عميد الجودة، في مقالة نشرت قبل المقالة السابقة بما يقرب من شهر، أدلة دينية على أهمية «الإتقان» مضيفاً أن «من أسباب تقدم الأمم والحضارات الإتقان في العمل في جميع المجالات لأنها تعمل بجد وإتقان وإحكام لما تنجزه من أعمال...». وعلى الأستاذ والموظف «أن يتقي الله في عمله وأن يراقبه سبحانه وحده، لأن عدم إتقان العمل يؤدي إلى أضرار كبيرة وكثيرة». يعلق على هذين الرأيين بقوله: هذه نظرة مختلفة كثيراً عن أساليب «ضمان الجودة» و«المحاسبة» و«التدقيق» التي تعرضنا لها بإسهاب في التجارب الغربية.
- في خواتيم فصل الفنون الليبرالية، وهو يتحدث عن تاريخ الهندسة كحقل علمي ومهنة وعن عقيدة التقدم والحتمية التكنولوجية أشار إلى معارضة لو ماركس لمفهومي الأنوار والتكنولوجيا للتقدم، فبينما تعد التكنولوجيا حسب المفهوم الكلاسيكي لفكرة التقدم وسيلة للتقدم الاجتماعي اعتبرت النظرة التكنوقراطية التكنولوجيا هي الهدف لذاتها. وأشار إلى مناقشة ديغو غامبيتا وستيفن هيرتوغ عقلية الهندسة اللذين اعتمدا في مقالتهما على تقرير لمؤسسة كارنيغي عن مسح للتوجهات السياسية والدينية لأساتذة الجامعات في أمريكا. وكانت إحدى النتائج المذهلة هي النسبة العالية للمهندسين الذين يعلنون أنهم على يمين الطيف السياسي متفوقين على أي مجموعة أكاديمية أخرى، وحضور المهندسين في اليسار لم يشكل إلا 1.4% من العينة وتأتي أربعة حقول في أعلى سلم المحافظة، هي: الهندسة، الاقتصاد، الطب، العلم. وهناك نتيجة أخرى مثيرة، فالمهندسون يأتون على رأس قائمة الأكثر تديناً من بقية الأكاديميين وتقريباً نصف المهندسين في عينة الدراسة كانوا في آن محافظين ومتدينين، فالهندسة موضوع يجد فيه الأشخاص الذين يكرهون الالتباس راحة.
- «ومثل نموذج المكسيك تبني كثير من حكومات الشرق الأوسط الفكر التكنوقراطي عن التنمية وشجعت هذه الحكومات بحماس زيادة الكليات التقنية، ودون سواها من الحقول حظيت الهندسة باهتمام خاص، فلها قيمة مباشرة وتعطى الانطباع برسوخها المعزز أكثر من المجالات الأكاديمية الأخرى. في نظام التعليم في الشرق الأوسط للهندسة -بالإضافة للطب والعلوم الطبيعية- وجاهة وبريق، وشهادة في الهندسة تدل على أكثر من معرفة تقنية، فلها منزلة اجتماعية رفيعة. ومهندس هو لقب شرف في الدول العربية. وفي السعودية تعطى الأفضلية -حسب غامبيتا وهيرتوغ- في التوظيف للمهندس.
ويقول: إن الكاتبين يجريان مسحاً لمحاولة معرفة أسباب ارتفاع عدد المهندسين بين الراديكاليين الإسلاميين، وكانت السعودية هي الاستثناء، فمعظم راديكالييها درسوا ديناً وليس هندسة، بينما يشكل المهندسون النسبة الكبرى عند بقية الدول. وتشير مقالتها إلى محاولة أوليفيه روا تفسير ميل الإسلاميين إلى التعليم التقني والعلمي. ويريان أن النظرة إلى العالم لدى الإسلاميين الراديكاليين تتشارك بوضوح في عدة خصال مع اليمين المتطرف، ومنها النظرة الميكانيكية والعضوية للمجتمع المثالي. إنها ترفض مثل «الرجعية الجديدة» أو «الأنوار المعتمة» التعددية، ومثلما هم يقترحون -حسب فنلي- العودة إلى نظام اجتماعي تقليدي وأدوار مختلفة للجنسين، فإن الراديكاليين اليمينيين، بخلاف الراديكاليين اليساريين، يهدفون إلى استعادة نظام مفقود من المميزات والسلطة. هذه النظرة تتطابق مع الأيديولوجيا الإسلامية التي لها -حسب الكاتبين- حضور دائم في معظم نصوصها الجهادية والسلفية لثيمة العودة إلى نظام مجتمع المدينة الأول.
كتاب نعيمان الذي أهداه إلى أخيه أسامة عبدالرحمن الأكاديمي والمثقف والشاعر -الذي توفي قبل صدور الكتاب بعامين (الكتاب صدر في شباط/ فبراير 2015م)-، كتاب نقدي تحليلي، يؤرخ -عرضاً- في مناقشاته للجامعات والكليات ولعدد من الأقسام في العلوم الإنسانية وفي العلوم التطبيقية ويتتبع سياق مجموعة من الكلمات والاصطلاحات المتعلقة بالتعليم العالي، القديمة والمحدثة في أوروبا وأمريكا. الكتاب غني بعروضه الاستقصائية ومناقشاته التي تنم عن إحاطة بالموضوعات التي تصدى للكتابة عنها.
وبسبب معالجة الكتاب لقضايا التعليم العالي باحترافية وتمكن، فإنه مفيد للمختص في هذه المجال، وللمعني بالشأن العام، ومثر للمثقفين في العالم العربي أياً كان نطاق اهتماماتهم ومدار عنايتهم في القراءة.
تنـــــــــــــويه
المقالة آخر مقالات الناقد علي العميم في «عكاظ»، وهي استكمال لسلسلة مقالات سابقة كتبها في الموضوع ذاته في الصفحات الثقافية.
يعلق على ملحوظة إبراهيم الشمسان، الأستاذ في قسم اللغة العربية التي مفادها أن «جامعة الملك سعود أوكلت تعليم اللغة العربية في السنة التحضيرية إلى شركة خاصة لا تعبر بالضرورة عن أهداف الجامعة ولا عن سياستها التعليمية متجاوزة بذلك أعرق قسم في الجامعة، وهو قسم اللغة العربية المختص بتعليمها الذي طالما نهض بهذا العبء بكفاءة عالية، وخليق بالجامعة أن تستثمر ما تدفعه للشركة من أموال في تطوير البرامج في القسم المتخصص بتعليم العربية...»، يعلق على هذه الملحوظة، أن ما قاله الشمسان ينطبق أيضاً على مقررات الرياضيات والفيزياء والأحياء والإحصاء والحاسب الآلي التي تدرس في التحضيرية والتي لا يختلف بعضها عن وضع اللغة العربية مثل الرياضيات... إن السنة التحضيرية لا تستحوذ على مسؤوليات سابقة كانت لبعض الأقسام فحسب، بل تفرض أيضاً مواد قد تأتي على حساب مواد أهم للأقسام. فإذا كانت هناك شكوى من تدريس الرياضيات بالإنجليزية في السنة التحضيرية، كما جاء في مقالة مدرسها، يجب السؤال: ما الذي يجنيه قسم اللغة العربية وقسم اللغة الإنجليزية من دراسة الرياضيات، خاصة أن مستوى تدريسها موضع تساؤل؟ في الدراسة عن السنة التحضيرية لوحظ ضعف لدى طلاب المسار الإنساني في مقرر الرياضيات، مع العلم أن هذا المسار، يشمل كل التخصصات عدا العلوم والهندسة والعلوم الصحية. إن الرياضيات قد لا تكون ضرورية حتى لدارسي العلوم. فكثير من العلماء المشهورين في العالم اليوم -حسب مقالة السوسيوبيولوجي المعروف ولسون- ليسوا أكثر من شبه أميين في الرياضيات. والذي يبدي حسرته على الطلاب الذين شاهدهم خلال تدريسه الأحياء في هارفارد وهم في خشية من أنهم قد يفشلون كعلماء لقصور في مهاراتهم الرياضية. يذكر حالته حيث إن دراسته ومعرفته بالرياضيات كانت محدودة، ما دفعه وهو أستاذ أن يدرس التفاضل والتكامل مع بعض طلابه. وينقل نعيمان عنه قوله: «إنه من حسن الطالع أن التمكن من الرياضيات ليس متطلباً إلا في حقول قليلة مثل فيزياء الذرة وفيزياء الفلك ونظرية المعلومات».
يتعرض في هذا الفصل إلى أكاديمية الجزيرة وأكاديمية الفيصل الدولية وشركة التعليم النوعي القابضة وشركة جرير للتعليم والتدريب والمركز السعودي البريطاني والمجموعة الدولية للتدريب وشركة عطا للتدريب، ويقول: إن المعلومات شحيحة عن هذه الشركات، وعدد من الأسماء البارزة فيها لا صلة لهم بالتعليم أو التدريب، وهذا ينطبق أيضاً إلى حد كبير على أكبر شركتين: العبيكان للتعليم والخليج للتدريب والتعليم، فلا أذكر إلا أسماء محدودة مشرفة على البرامج... ورغم أن العبيكان للتعليم تستقطب «خبراء سعوديين وعالميين، وتعتز بشراكتها مع مجموعة من أعرق وأرقى الجامعات والمعاهد» إلا أن (جامعة لوريت) التي لها مشاركة في أكثر من معهد ليست ضمن الجامعات الراقية، بل إن البعض مثل ألتباخ لا يعدها جامعة، إذ يقول: «هي مثل فينكس وجونز الدولية ليست جامعات رغم استعمالها هذا المسمى، إنها مكائن إصدار شهادات وبرامجها مخصصة لأسواق محددة، وليس لديها هيئة تدريس منتظمة، ولا نظام حوكمة يتشارك فيه الأساتذة وبقية المعنيين، مثل ما هو سائد في الجامعات، وليس لديها بحوث أو دراسات بحث حرة من دون قيود. لذا يجب أن لا تسمى جامعات، فهي جامعات زائفة».
يخبرنا نعيمان أن جامعة لوريت «لها الآن حضور قوي يتجاوز شراكتها مع العبيكان في معهد تدريب البلاستيك والتغليف، فهي الشريك الأول لمؤسسة التعليم الفني والتدريب المهني، ولها دور أساسي فيما يسمى «كليات التميز» لدرجة أن بعضها التابعة لها تسمى باسمها.
الملحق المرفق بالكتاب هو عبارة عن مسودة تقرير كتبته لجنة شكلها منصور التركي في مطلع ثمانينيات القرن الماضي مع بداية تسلمه لمنصبه كرئيس لجامعة الملك سعود، واللجنة كانت مكونة من عبدالله الوهبي وحسين علوي ومؤلف الكتاب نعيمان عثمان.
أسباب ولع التعليم العالي السعودي بالتكنولوجيا و«البزنس» مبثوثة في تضاعيف الكتاب، وتأتي بصيغة إيحابية وإيمائية، وقد أوردنا شيئاً منها في بعض فقرات عرضنا للكتاب، ويمكن للقارئ أن يلم شتاتها من خلال نصوص في الكتاب، كانت صيغتها -إلى حد ما- مباشرة، وسنبرز فيما يلي بعضاً منها:
- في معرض مناقشته لأحمد العيسى في الفصل الثاني أشار نعيمان إلى أن المرجعية لكل العلوم والمعارف عنده هي غربية، فـ«علوم الدين -اليوم- هي علوم غربية بامتياز» وما كان للحضارة الإسلامية من تفوق لم يعد يصلح منه «إلا ما ارتبط بعلوم الدين والشريعة». وفي الإصلاح يأتي على رأس عناصر وثيقته الجديدة للتعليم «تعزيز العقيدة الإسلامية ومفاهيمها وقيمها». وهذه القضية يؤكد نعيمان أنه يصعب الاعتماد فيها على الغرب، إلا أن المخرج هو النظر إليها نظرة منفعية اقتصادية تلبي فيها «احتياجات المجتمع وسوق العمل في القرن الواحد والعشرين».
- يقول نعيمان في الفصل الخامس: لا تزيد الثقة المنشورة على موقع عمادة الجودة من قبل المستشارين أو العاملين فيها. من هذه المقالات هناك واحدة عنوانها (مفاهيم مهمة لتأسيس جودة الجامعات) للدكتور عبدالرحمن قنديل، رئيس وحدة الاعتماد الأكاديمي في العمارة، نجد فيها عموميات عن «system» و«النظام الكوني»، وهذه الجملة اللافتة: خلقها الله سبحانه وتعالى، أمر جوهري لمحاولة بناء نظم إدارية تحاكيها قدر الإمكان، وتوفر قوة الدفع الذاتي للنظام ليعمل وفق سرعة مناسبة، ويسعى للبقاء في مسار يحقق الرؤى المأمولة.
- وفي الفصل نفسه يقول: نقرأ مقالة لمنسق الجودة في السنة التحضيرية هشام عبده يبدي فيها ألمه الشديد لسؤال زميل له عن فائدة الجودة وقوله: «إنني لا أرى الجودة سوى ملء أوراق فقط واستهلاك حبر ووقت وورق فيما لا يفيد». وأفحم هشام عبده زميله برده بأن «الجودة هي التي تحدد لك الإرشادات لطريقك... الجودة هي الأطر والنظم التي تساعدنا وتبصرنا بالطريق... إن ديننا الإسلامي أمرنا بالإيمان الذي يعقبه العمل... وإن الله يحب إذا عمل أحد منا عملاً أن يتقنه... لقد أيقنت أن ثقافة الجودة وعدم انتشارها هو الأهم في تقدم مجتمعاتنا». ويقدم عبدالله المهيدب، عميد الجودة، في مقالة نشرت قبل المقالة السابقة بما يقرب من شهر، أدلة دينية على أهمية «الإتقان» مضيفاً أن «من أسباب تقدم الأمم والحضارات الإتقان في العمل في جميع المجالات لأنها تعمل بجد وإتقان وإحكام لما تنجزه من أعمال...». وعلى الأستاذ والموظف «أن يتقي الله في عمله وأن يراقبه سبحانه وحده، لأن عدم إتقان العمل يؤدي إلى أضرار كبيرة وكثيرة». يعلق على هذين الرأيين بقوله: هذه نظرة مختلفة كثيراً عن أساليب «ضمان الجودة» و«المحاسبة» و«التدقيق» التي تعرضنا لها بإسهاب في التجارب الغربية.
- في خواتيم فصل الفنون الليبرالية، وهو يتحدث عن تاريخ الهندسة كحقل علمي ومهنة وعن عقيدة التقدم والحتمية التكنولوجية أشار إلى معارضة لو ماركس لمفهومي الأنوار والتكنولوجيا للتقدم، فبينما تعد التكنولوجيا حسب المفهوم الكلاسيكي لفكرة التقدم وسيلة للتقدم الاجتماعي اعتبرت النظرة التكنوقراطية التكنولوجيا هي الهدف لذاتها. وأشار إلى مناقشة ديغو غامبيتا وستيفن هيرتوغ عقلية الهندسة اللذين اعتمدا في مقالتهما على تقرير لمؤسسة كارنيغي عن مسح للتوجهات السياسية والدينية لأساتذة الجامعات في أمريكا. وكانت إحدى النتائج المذهلة هي النسبة العالية للمهندسين الذين يعلنون أنهم على يمين الطيف السياسي متفوقين على أي مجموعة أكاديمية أخرى، وحضور المهندسين في اليسار لم يشكل إلا 1.4% من العينة وتأتي أربعة حقول في أعلى سلم المحافظة، هي: الهندسة، الاقتصاد، الطب، العلم. وهناك نتيجة أخرى مثيرة، فالمهندسون يأتون على رأس قائمة الأكثر تديناً من بقية الأكاديميين وتقريباً نصف المهندسين في عينة الدراسة كانوا في آن محافظين ومتدينين، فالهندسة موضوع يجد فيه الأشخاص الذين يكرهون الالتباس راحة.
- «ومثل نموذج المكسيك تبني كثير من حكومات الشرق الأوسط الفكر التكنوقراطي عن التنمية وشجعت هذه الحكومات بحماس زيادة الكليات التقنية، ودون سواها من الحقول حظيت الهندسة باهتمام خاص، فلها قيمة مباشرة وتعطى الانطباع برسوخها المعزز أكثر من المجالات الأكاديمية الأخرى. في نظام التعليم في الشرق الأوسط للهندسة -بالإضافة للطب والعلوم الطبيعية- وجاهة وبريق، وشهادة في الهندسة تدل على أكثر من معرفة تقنية، فلها منزلة اجتماعية رفيعة. ومهندس هو لقب شرف في الدول العربية. وفي السعودية تعطى الأفضلية -حسب غامبيتا وهيرتوغ- في التوظيف للمهندس.
ويقول: إن الكاتبين يجريان مسحاً لمحاولة معرفة أسباب ارتفاع عدد المهندسين بين الراديكاليين الإسلاميين، وكانت السعودية هي الاستثناء، فمعظم راديكالييها درسوا ديناً وليس هندسة، بينما يشكل المهندسون النسبة الكبرى عند بقية الدول. وتشير مقالتها إلى محاولة أوليفيه روا تفسير ميل الإسلاميين إلى التعليم التقني والعلمي. ويريان أن النظرة إلى العالم لدى الإسلاميين الراديكاليين تتشارك بوضوح في عدة خصال مع اليمين المتطرف، ومنها النظرة الميكانيكية والعضوية للمجتمع المثالي. إنها ترفض مثل «الرجعية الجديدة» أو «الأنوار المعتمة» التعددية، ومثلما هم يقترحون -حسب فنلي- العودة إلى نظام اجتماعي تقليدي وأدوار مختلفة للجنسين، فإن الراديكاليين اليمينيين، بخلاف الراديكاليين اليساريين، يهدفون إلى استعادة نظام مفقود من المميزات والسلطة. هذه النظرة تتطابق مع الأيديولوجيا الإسلامية التي لها -حسب الكاتبين- حضور دائم في معظم نصوصها الجهادية والسلفية لثيمة العودة إلى نظام مجتمع المدينة الأول.
كتاب نعيمان الذي أهداه إلى أخيه أسامة عبدالرحمن الأكاديمي والمثقف والشاعر -الذي توفي قبل صدور الكتاب بعامين (الكتاب صدر في شباط/ فبراير 2015م)-، كتاب نقدي تحليلي، يؤرخ -عرضاً- في مناقشاته للجامعات والكليات ولعدد من الأقسام في العلوم الإنسانية وفي العلوم التطبيقية ويتتبع سياق مجموعة من الكلمات والاصطلاحات المتعلقة بالتعليم العالي، القديمة والمحدثة في أوروبا وأمريكا. الكتاب غني بعروضه الاستقصائية ومناقشاته التي تنم عن إحاطة بالموضوعات التي تصدى للكتابة عنها.
وبسبب معالجة الكتاب لقضايا التعليم العالي باحترافية وتمكن، فإنه مفيد للمختص في هذه المجال، وللمعني بالشأن العام، ومثر للمثقفين في العالم العربي أياً كان نطاق اهتماماتهم ومدار عنايتهم في القراءة.
تنـــــــــــــويه
المقالة آخر مقالات الناقد علي العميم في «عكاظ»، وهي استكمال لسلسلة مقالات سابقة كتبها في الموضوع ذاته في الصفحات الثقافية.