ثقافة وفن

الرهان على المحتوى.. صراع المترجم مع الفلسفة

اشترطوا الاهتمام والقراءة الموسعة واستيعاب عوالم المادة المنقولة

مي عاشور

أروى المهنا (الرياض) arwa_almohanna@

يحمل «المترجم العربي» مسؤولية كبرى في نقل النتاج الفكري الغربي إلينا والعكس في أي من أنواع المعرفة. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل يوجد لدينا مترجم حقيقي متمكن من نقل الحضارة الغربية للقارئ العربي والعكس؟

يجيب على هذا الاستفهام ثلاثة مترجمين؛ السعوديان عبدالوهاب أبو زيد وأسماء القناص والمصرية مي عاشور.

من جانبه، أكد الكاتب والمترجم السعودي عبدالوهاب أبو زيد لـ«عكاظ» أن الترجمة لكاتب كبير ليست مقياسا في اعتبار المترجم حقيقيا، موضحا أن «المقياس هو في جودة الترجمة واقترابها من روح النص المترجم وتشربها له، أيا كان كاتب هذا النص، وفيما يخص ترجمة مادة فلسفية يقول أبو زيد: «الأفضل هو أن يترجم المترجم ما يجد هوى في نفسه وميلا إليه ومعرفة به وبأسراره، فمن خلال استقراء بسيط وسريع سنجد أن أفضل من يترجم الشعر هم الشعراء، وهذا ليس حكما مطلقا بالطبع، وهكذا، أما فيما يخص ترجمة الفلسفة فالأفضل أن يتصدى لها المشتغلون والمهتمون بالفلسفة، دون أن يعني ذلك اقتصارها عليهم، لأن هناك شريحة واسعة من الأدباء والمثقفين ممن تشكل الفلسفة جانبا مهما من اهتمامهم وتوجههم وتشكلهم الثقافي»، مؤكدا أن شرط ترجمة الفلسفة هو الاهتمام بها والقراءة الموسعة فيها لاستيعاب عوالمها.

أما المترجمة السعودية أسماء القناص، فتشير إلى أن المترجم له الفضل واليد العليا في توجيه القارئ وتمرير العلوم والأدب والفكر والفلسفة لأجيال بأكملها، ما يجعل المادة المترجمة مزيجاً من صنعة المترجم نفسها، والسعي إلى القفز قفزات هائلة في الترجمة، والجرأة في نقل كل ما طُمر وقُبِر عن القارئ العربي بأمانة، وقالت لـ«عكاظ» «قد يترجم مترجم لكاتب كبير لكنه في الوقت نفسه ينتهك النص ويضلل القارئ، ما الفائدة إذن؟».

وحول إمكان المترجم لترجمة مادة فلسفية، ترى القناص أنه ليس بالإمكان للمترجم ترجمة مادة فلسفية «الترجمة بشكل عام تعد وسيلة من وسائل «التفلسف»، وترجمة الفلسفة هي أعقد أنواع الترجمة، بالإضافة للموهبة والصبر والعمل الدؤوب في محاولات التأويل وتطويع اللغة».

مؤكدة أن «على المترجم أن يلج النص ويفهمه، لا ينقل ما لا يعرف، مترجم الفلسفة عليه أن يكون قارئا وعارفا لها بل وفيلسوفا في ذاته، حتى لا يؤسس جيل جديد، جيل بأكمله ينشأ على فهمٍ خاطئ».

فيما ترى المترجمة المصرية مي عاشور (متخصصة بترجمة اللغة الصينية)، أنه لا مقياس على المترجم الحقيقي أن يترجم لكاتب كبير، موضحة أن «دور المترجم يكمن في اختيار المحتوى والعمل قبل اختيار الاسم الألمع أو الكاتب المشهور»، مؤكدة أن المترجم الحقيقي هو الذي ينقل العمل بشكل جيد ويترك ما ترجمه أثرا في وجدان القارئ، بغض النظر عن أي شيء آخر.

وحول ترجمة الفلسفة تقول عاشور لـ«عكاظ»: «يستطيع المترجم ترجمة أي شيء إن أراد، القراءة هي شريان الترجمة، واطلاع المترجم المستمر هو شرط أساسي للترجمة، وبالطبع الفلسفة تعد شيئا متخصصا ويحتاج إلى قراءة أعمق وفهم واحتكاك بتفكير الآخر، فعلى أية حال سيدفع النص الفلسفي المترجم إلى القراءة قبل الشروع في ترجمته، وإلا لن يفهم النص أصلا، الأمر أبعد بكثير من كلمات يكشف عنها المترجم في القاموس، ولكنه مرتبط أكثر بخلفية معرفية واطلاع واسع وفهم لثقافة الآخر».