كتاب ومقالات

ازدواجية المعايير الإيرانية والتركية في كردستان...!

سالم الكتبي

لم تكف إيران وتركيا عن التهجم على الإجراءات السيادية التي اتخذتها الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب ضد قطر بسبب تمويلها للإرهاب وتهديدها للأمن الوطني لهذه الدول، ولم يتوقف سيل التصريحات الصادرة عن المسؤولين الأتراك برفض «المقاطعة» و«التعاطف مع الأشقاء في قطر»، ولكن كل المزاعم والأسانيد الباطلة التي انطلق منها الموقفان الإيراني والتركي افتضحا في أول اختبار ولم يصمدا دقيقة واحدة، حيث جاء الاستفتاء على انفصال إقليم كردستان، ليعكس الوجه الحقيقي لهذه الأنظمة المتلونة، التي تزعم الدفاع عن «المظلومين» وحقوق الشعوب، في حين أنها لا تبحث سوى عن مصالحها وأهدافها الذاتية والإضرار بالآخرين حتى ولو باستخدام طرق وأساليب ملتوية وخبيثة!

بغض النظر عن أهداف الاستفتاء في كردستان العراق وتأثيراته الإستراتيجية والموقف السياسي تجاهه، فإنني أتحدث عن موقفي إيران وتركيا، التي أعلنت رفضها القاطع للاستفتاء، وتعهدت باتخاذ «خطوات أمنية ودبلوماسية وسياسية واقتصادية» رداً على الاستفتاء، فيما بادرت إيران إلى إعلان إغلاق مجالها الجوي مع إقليم كردستان، وأعلن المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران أن قرار إيقاف جميع رحلات الطيران من وإلى كردستان العراق وإغلاق الأجواء بطلب من الحكومة المركزية في بغداد كما أعلنت طهران!

الحرس الثوري الإيراني من جانبه أطلق مناورات برية، قرب الحدود مع كردستان العراق، وسط تهديدات بفرض عقوبات سياسية واقتصادية على الإقليم، وحتى إغلاق الحدود معه، وحديث متزايد عن سيناريوهات عدة ربما تكون الحرب واحدة منها، إذ لم يستبعد الجانبان التركي والإيراني القيام بعمل عسكري لإجهاض المحاولة الكردستانية، وتشمل السيناريوهات كذلك الحصار الاقتصادي والسياسي وإغلاق المنفذ الوحيد للإقليم للتجارة مع الخارج!

الحصار في هذه الحالة مفردة مطابقة تماماً لواقع الحال، فالجغرافيا تؤكد أنه ما يهدد به الجميع ضد كردستان العراق هو حصار بمعنى الكلمة، وهذا الأمر يختلف عن مقاطعة قطر، التي استخدمت الدول الأربع ضدها إجراءات سيادية لم تسفر عن حصار جغرافي كامل لقطر، التي تمتلك حدودا بحرية تتيح لها التحرك في اتجاهات أخرى!

جغرافيا، إقليم كردستان تجعل منه منطقة حبيسة تماماً في حال قررت الدول المحيطة به اتخاذ إجراءات عقابية بحق الإقليم، أما استفتاء كردستان فينطوي على تأثيرات جيوإستراتيجية عميقة، ويهدد وحدة العراق وتماسكه، ولكنني أتناول هنا الجزئية الخاصة بحسابات المصالح بين الدول حين يهدد أمنها أمر طارئ، فتتخذ من الإجراءات ما هو أقسى وأشد بل ومخالفة للقوانين الدولية وتنتهكها في لمح البصر، متناسية أنها كانت بالأمس تستنكر على الآخرين اتخاذ إجراءات سيادية أخف بكثير مما تسعى هي إليه!!

تركيا تعتبر انفصال كردستان مسألة مصيرية لأمنها القومي، وهذا حقها وعليها تحديد معاييره، ولكن الأمر ينطوي على درس بالغ للأتراك الذين يساندون القيادة القطرية في تهديدها للأمن الوطني لدول مجلس التعاون ومصر، ويستنكرون على هذه الدول حماية أمنهم الوطني، ما يطرح بالتبعية تساؤلاً افتراضياً أو خيالياً مفاده: هل تقبل تركيا بأن تعلن الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب دعمها لانفصال إقليم كردستان؟ وهل تقبل حكومة أردوغان إرسال قوات من الدول الأربع لحماية إقليم كردستان العراق في حال قرر المضي في إعلان الاستقلال! هو حديث خيالي لن يحدث بالقطع، فالدول الأربع لا تمارس المراهقة السياسية والخبل الإستراتيجي كما يفعل الآخرون، بل هي دول راشدة تمارس سياسة عقلانية هدفها الأول والأخير صون الأمن والاستقرار الإقليمي وليس مناكفة الدول المجاورة والتدخل في ملفات تخص سيادتها وأمنها القومي.

الآن يبرز ملف كان يمكن للدول الأربع أن تمارس فيه فعل المناكفة الإستراتيجية والسياسية والأمنية مع إيران وتركيا، وكان بإمكانها امتلاك ورقة ضغط مقابلة على موقفهما حيال القيادة القطرية، ولكن الأمور لا تقاس هكذا في الدول العاقلة، لاسيما أن الأمر لا يخصهما فقط بل يتعلق بأمن وسيادة ووحدة دولة عربية شقيقة هي العراق، التي يحرص الجميع على حماية وصون وحدتها الترابية.

بحسابات الأرقام، فإن تركيا أكثر الأطراف الإقليمية تأثرا بطموح الأكراد للانفصال، فأكراد تركيا يمثلون نحو 20% من سكان تركيا (ما بين 12 - 15 مليون نسمة) وخروجهم من عباءة الدولة التركية كارثة إستراتيجية بكل المقاييس، والأمر نفسه بالنسبة للعراق (نحو 20% من السكان) وسورية نحو 15% من السكان) والأمر كذلك بالنسبة لإيران، التي يبلغ الأكراد نحو 6% من تعداد سكانها، أي نحو 10%.

الآن تتحدث إيران عن «مصالح الجميع» وتدرك أن التصرف الفردي يضر بدول المنطقة! أين كانت هذه الحكمة والعقلانية في النظر إلى السلوك القطري الذي يمثل تهديداً بالغ الخطورة لأمن دول الجوار؟ والآن أيضاً تهدد تركيا الشعب الكردي بوقف رحلات الطيران التركي ومنع التحليق! أين الالتزام بالاتفاقات الدولية وحقوق الإنسان وأين المزاعم عن الدفاع عن المظلومين ومساندة الشعوب وغير ذلك يا سيد أردوغان؟ ولماذا لم تنحز لمبادئك المزعومة هذه المرة ؟!