كتاب ومقالات

وكرّت السبحة

أشواك

عبده خال

أحد الأصدقاء المتفائلين جدا بالمستقبل اتصل بي بعد لقاء الإم بي سي الذي بث أمس الأول قائلا:

- هل كنت متنبئا أو مطالبا لسن قانون يجرم التحرش؟

ولم يمكنني من الرد، إذ كانت جمله تتسابق:

- لَم تطل زفراتك طويلا حتى كان إقرار مهمة صياغة قانون التحرش هي الهدية التالية لتأثيث البيت السعودي.

وختم جملته المتقافزة بفرحها:

- كرت حبات السبحة.

وجملته متفائلة بما يحدث من قفزات تشريعية متلاحقة وتسريع لكثير من القوانين والأنظمة التي ظلت حبيسة الأدراج، وقد اهترأت الأصوات المنادية بتطبيقها على أرض الواقع، وفي فترة وجيزة كانت القرارات تتوالى في عجلة متناسقة ومتسقة مع الاحتياجات الاجتماعية، وكأنها اكتشفت البطء الطويل الذي تسبب في تعطيل حركية المجتمع.

وقد صدق الواقع بأن أي تعنت يظهره فرد أو طيف أحادي النظرة لن يوقف ذلك التعنت سوى قرار سياسي ينتصر لسيادة الدولة ويثبت أنها الآمر الناهي في ما يتعلق بالمصلحة الوطنية، والقرار السياسي يذكرنا كيف نهجت الدولة على حمل الآراء المتشددة إلى الدخول في العصر عبر عشرات القضايا الحاسمة، فالقرار السياسي قادر على اختراق أي تعنت يقف حائلا بين المصلحة العامة والسير نحو المستقبل.

وقد تنبه السياسي أن تثبيته لأمر ما سوف يحمل المجتمع على الانقياد والتنفيذ لما يحقق رغبات الأكثرية في اختيار طريقة الحياة، وهذه القاعدة السياسية درج عليها الوالي عبر الفترات الزمنية المختلفة، فما يصدره السياسي من تنظيم وضوابط يحيل قراره إلى عقد اجتماعي ينقاد الجميع لتطبيقه..

والقرار السياسي له قوة ردع وإلزام بالتنفيذ، وقد صدق الخليفة عثمان بن عفان (وفي رواية أخرى عمر بن الخطاب رضى الله عنهما) حين قال: (إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن)

فكم من التعاليم القرآنية تم المرور بها وعليها من غير التزام أو خشية في تنفيذها أو عدم تنفيذها، فيأتي القرار السيادي ملزما ومعاقبا من تعدى في اقتراف أو اجتراح ذلك القرار.

وكما يقول العامة: (من لم يربه أهله فالدولة تربيه)

الآن ومع التوجيه بإصدار قانون التحرش، تسد الدولة لبنة مفتوحة كانت معبرا لكل إنسان غير مسؤول عن تصرفاته وأقواله، وإيجاد هذا القانون كتشريع يجعل المرء مسؤولا مسؤولية مباشرة أمام القضاء من غير الحاجة لرجال الضبط في المتابعة أو القبض، لأن أي دعوة سوف تخضع للمساءلة إثباتا أو نفيا.

ولأن الدولة هي دولة القانون فإن الجميع خاضعون لقوانينها وتشريعها وليست خاضعة لطيف ظل في حالة تمدد، حتى ظننا بأننا قطع أراض مشبكة !