من يتحدث باسم الحكومة؟
الجمعة / 16 / محرم / 1439 هـ الجمعة 06 أكتوبر 2017 01:11
سلطان البازعي
يروي وزير الإعلام الراحل الدكتور محمد عبده يماني ـ رحمه الله ـ عن ذكرياته حينما عين في منصبه الوزاري عام 1395هـ وحضر أول اجتماع لمجلس الوزراء، أنه فوجئ بمجموعة من الصحافيين يحاصرونه بعد الاجتماع لمعرفة ما ناقشه المجلس الذي كان برئاسة جلالة الملك خالد يرحمه الله، ولأنه لم يكن لديه تعليمات مسبقة بهذا الخصوص فقد أدلى بتصريح شامل لكل مناقشات المجلس مفتتحاً بذلك عهداً جديداً في علاقة الدولة بالإعلام، فقبل هذه الجلسة التاريخية كانت أخبار المجلس تقتصر على عبارة «ناقش المجلس الموضوعات المدرجة على جدول أعماله»، وعلى الرغم من حجم المفاجأة واللوم الذي تلقاه من زملائه ومن بعض المسؤولين فإن الوزير الراحل أكد أن هذا العمل لقي قبولاً من القيادة وأصبح عرفاً مستمراً حتى يومنا هذا أن ينتظر المواطنون في كل أسبوع تفاصيل تطول أو تقصر عن مناقشات وقرارات مجلس الوزراء، وأصبح هذا البيان محركاً رئيساً للحراك الاقتصادي خاصة وأن البلاد منذ ذلك الحين تعيش زخماً تنموياً هائلاً.
نعرف في نظريات الاتصال أن الجمهور الداخلي يتفوق في الأهمية على الجمهور الخارجي حين تصميم الخطط الاتصالية للمنظمة، أي منظمة من شركة صغيرة إلى دولة، ذلك أن تنفيذ خطط واستراتيجيات البناء والتنمية تحتاج لمساندة الجمهور الداخلي الذي يجب أن يكون مقتنعاً بها ليكون قادراً على الدفاع عنها وحسن تنفيذها، والسر يكمن في الشفافية وانتظام توصيل المعلومات ووضوح الرسائل التي تشرح الرؤى والأهداف ومراحل التنفيذ، واستقبال الرسائل الراجعة وتحليلها والتجاوب معها بطريقة إيجابية.
ونحن نبدأ خطوات التحول الكبير الذي حملته رؤية المملكة 2030 لا أستطيع القول إن الرسائل وصلت بالدرجة التي تتطلبها هذه المرحلة. وثيقة الرؤية بذاتها أدركت جيداً أهمية توصيل الرسائل فجعلت من الشفافية عنواناً رئيساً من عناوينها، ذلك أن التغيير الكبير في هيكل الاقتصاد وفي أسلوب أداء ودور القطاع الحكومي وأسلوب أداء ودور القطاع الخاص يتطلب أن يكون جميع الفاعلين الحاليين والمستقبليين على دراية كافية بما هو مطلوب منهم.
وفي الوقت الذي برز فيه متحدث وحيد قادر ومتمكن هو سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فإن الأداء الإعلامي لمعظم الوزراء وقادة القطاعات كان أقل بكثير من المطلوب. فقد كان الظهور الإعلامي لسمو ولي العهد في كل المرات التي تحدث فيها موفقاً بدرجة عالية، كان يتحدث بثقة وتمكن من الموضوع متسلحاً بالأرقام والشواهد ورسائله واضحة، ولم يتردد في الإجابة عن أي سؤال طرح عليه.
وسمو ولي العهد قاد بنفسه عملية اتصالية متطورة في عرف خبراء الإعلام والعلاقات العامة حينما التقى مجموعات متنوعة من الصحافيين والكتاب، وحاورهم لساعات طوال موضحاً لهم الكثير مما خفي عنهم عن الرؤية وبرامج التحول الوطني، وحسب ما نقل لي ممن حضروا بعض هذه اللقاءات فقد كان يشجعهم على طرح أصعب الأسئلة التي دارت في أذهانهم.
هذا النموذج هو الذي يجب أن يتكرر في كل وزارة وقطاع حكومي ممن يحملون مسؤولية تنفيذ برامج التحول الوطني، والوزراء والقادة في هذه القطاعات ممن لا يملكون موهبة الوقوف والتحدث أمام الصحافة يمكنهم الحصول على دورات تدريبية في هذا المجال وهي متاحة، كما أنهم يجب أن يفعلوا حقيقة دور المتحدث الرسمي في إداراتهم، لا أن يكون دوراً شكلياً، بينما أعرف أن كثيراً من هؤلاء هم إما غير مؤهلين للقيام بهذا الدور أو أنهم غير ممكنين بالحصول على المعلومات من مركز صناعة القرار.
والشواهد التي عايشناها في قطاعي التعليم والإسكان وفي مجلس الشورى على سبيل المثال، من تخبط في توصيل الرسالة الإعلامية تدلل بوضوح على ما نقول، فالجمهور المستهدف تحول من مساند إلى مقاوم، ربما ليس للرؤية وبرامجها بقدر ما هو للقائمين على تنفيذ هذه البرامج.
ولذا فإن المسألة تتعدى تعيين متحدث رسمي للمؤسسة إلى أن يعمل هذا المتحدث وفق خطة اتصالية استراتيجية، تحدد الأهداف والجمهور والرسائل ووسائل إيصالها بشكل واضح لا لبس فيه، وأن يكون الخطاب ودياً محفزاً على القبول والتفاعل الإيجابي مع الأهداف الاستراتيجية لبرامج التحول الوطني ورؤية 2030، وبهذا يمكن تقليل درجة المقاومة وتحويلها إلى مساندة.
ولا بد هنا من الإشارة إلى النماذج الإيجابية الناجحة في هذ المجال، بدءاً من العقيد (حينها) أحمد الربيعان في حرب تحرير الكويت، ومروراً باللواء منصور التركي في وزارة الداخلية، ووصولاً إلى اللواء أحمد العسيري في بدء علميات «عاصفة الحزم»، ولعل الجهات المدنية تتعلم من نجاح العسكريين.
وبالعودة إلى مجلس الوزراء فإن المرحلة تتطلب الانتقال إلى خطوة أكثر تقدماً في التواصل بين قيادة السلطة التنفيذية والجمهور، بحيث يتحول البيان المكتوب الذي تنقله وكالة الأنباء السعودية على لسان وزير الثقافة والإعلام إلى مؤتمر صحفي أسبوعي يعقده الوزير بصفته متحدثاً باسم الحكومة لينقل القرارات ويشرحها، ولعلنا حينها لا نحتاج لأن نسمع مواقف الدولة من «مصدر مسؤول».
sultanalbazie@gmail.com
نعرف في نظريات الاتصال أن الجمهور الداخلي يتفوق في الأهمية على الجمهور الخارجي حين تصميم الخطط الاتصالية للمنظمة، أي منظمة من شركة صغيرة إلى دولة، ذلك أن تنفيذ خطط واستراتيجيات البناء والتنمية تحتاج لمساندة الجمهور الداخلي الذي يجب أن يكون مقتنعاً بها ليكون قادراً على الدفاع عنها وحسن تنفيذها، والسر يكمن في الشفافية وانتظام توصيل المعلومات ووضوح الرسائل التي تشرح الرؤى والأهداف ومراحل التنفيذ، واستقبال الرسائل الراجعة وتحليلها والتجاوب معها بطريقة إيجابية.
ونحن نبدأ خطوات التحول الكبير الذي حملته رؤية المملكة 2030 لا أستطيع القول إن الرسائل وصلت بالدرجة التي تتطلبها هذه المرحلة. وثيقة الرؤية بذاتها أدركت جيداً أهمية توصيل الرسائل فجعلت من الشفافية عنواناً رئيساً من عناوينها، ذلك أن التغيير الكبير في هيكل الاقتصاد وفي أسلوب أداء ودور القطاع الحكومي وأسلوب أداء ودور القطاع الخاص يتطلب أن يكون جميع الفاعلين الحاليين والمستقبليين على دراية كافية بما هو مطلوب منهم.
وفي الوقت الذي برز فيه متحدث وحيد قادر ومتمكن هو سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فإن الأداء الإعلامي لمعظم الوزراء وقادة القطاعات كان أقل بكثير من المطلوب. فقد كان الظهور الإعلامي لسمو ولي العهد في كل المرات التي تحدث فيها موفقاً بدرجة عالية، كان يتحدث بثقة وتمكن من الموضوع متسلحاً بالأرقام والشواهد ورسائله واضحة، ولم يتردد في الإجابة عن أي سؤال طرح عليه.
وسمو ولي العهد قاد بنفسه عملية اتصالية متطورة في عرف خبراء الإعلام والعلاقات العامة حينما التقى مجموعات متنوعة من الصحافيين والكتاب، وحاورهم لساعات طوال موضحاً لهم الكثير مما خفي عنهم عن الرؤية وبرامج التحول الوطني، وحسب ما نقل لي ممن حضروا بعض هذه اللقاءات فقد كان يشجعهم على طرح أصعب الأسئلة التي دارت في أذهانهم.
هذا النموذج هو الذي يجب أن يتكرر في كل وزارة وقطاع حكومي ممن يحملون مسؤولية تنفيذ برامج التحول الوطني، والوزراء والقادة في هذه القطاعات ممن لا يملكون موهبة الوقوف والتحدث أمام الصحافة يمكنهم الحصول على دورات تدريبية في هذا المجال وهي متاحة، كما أنهم يجب أن يفعلوا حقيقة دور المتحدث الرسمي في إداراتهم، لا أن يكون دوراً شكلياً، بينما أعرف أن كثيراً من هؤلاء هم إما غير مؤهلين للقيام بهذا الدور أو أنهم غير ممكنين بالحصول على المعلومات من مركز صناعة القرار.
والشواهد التي عايشناها في قطاعي التعليم والإسكان وفي مجلس الشورى على سبيل المثال، من تخبط في توصيل الرسالة الإعلامية تدلل بوضوح على ما نقول، فالجمهور المستهدف تحول من مساند إلى مقاوم، ربما ليس للرؤية وبرامجها بقدر ما هو للقائمين على تنفيذ هذه البرامج.
ولذا فإن المسألة تتعدى تعيين متحدث رسمي للمؤسسة إلى أن يعمل هذا المتحدث وفق خطة اتصالية استراتيجية، تحدد الأهداف والجمهور والرسائل ووسائل إيصالها بشكل واضح لا لبس فيه، وأن يكون الخطاب ودياً محفزاً على القبول والتفاعل الإيجابي مع الأهداف الاستراتيجية لبرامج التحول الوطني ورؤية 2030، وبهذا يمكن تقليل درجة المقاومة وتحويلها إلى مساندة.
ولا بد هنا من الإشارة إلى النماذج الإيجابية الناجحة في هذ المجال، بدءاً من العقيد (حينها) أحمد الربيعان في حرب تحرير الكويت، ومروراً باللواء منصور التركي في وزارة الداخلية، ووصولاً إلى اللواء أحمد العسيري في بدء علميات «عاصفة الحزم»، ولعل الجهات المدنية تتعلم من نجاح العسكريين.
وبالعودة إلى مجلس الوزراء فإن المرحلة تتطلب الانتقال إلى خطوة أكثر تقدماً في التواصل بين قيادة السلطة التنفيذية والجمهور، بحيث يتحول البيان المكتوب الذي تنقله وكالة الأنباء السعودية على لسان وزير الثقافة والإعلام إلى مؤتمر صحفي أسبوعي يعقده الوزير بصفته متحدثاً باسم الحكومة لينقل القرارات ويشرحها، ولعلنا حينها لا نحتاج لأن نسمع مواقف الدولة من «مصدر مسؤول».
sultanalbazie@gmail.com