الملك سلمان.. زيارة تاريخية لروسيا
الثلاثاء / 20 / محرم / 1439 هـ الثلاثاء 10 أكتوبر 2017 01:08
طلال صالح بنان
أنهى خادم الحرمين الشريفين يوم الأحد الماضي أول زيارة يقوم بها عاهل سعودي لروسيا، منذ قيام المملكة العربية السعودية. تاريخية هذه الزيارة لا تأتي بسبب الظرف الزمني بتأخرها لأكثر من ثمانية عقود، بل تاريخيتها تأتي من إستراتيجية طبيعتها، ومن النتائج التي تمخضت عنها.. والأهم من استشراف مخرجاتها الإستراتيجية، ليس فقط في ما يخص علاقة البلدين الثنائية، لكن بما يترتب عليها من نتائج مهمة دولياً وإقليمياً لها علاقة بمشكلات المنطقة المزمنة والمعقدة.. وكذا ما تساهم به في دعم استقرار العالم وتوازن النظام الدولي.
تأتي زيارة الملك سلمان لروسيا، التي تأخرت كثيراً، نتيجة لقطيعة تقترب من نصف قرن، حدثت فيها تطورات جذرية على المستويين الإقليمي والدولي، ربما كان لعدم اتصالهما المباشر، طوال هذه الفترة الطويلة، تأثير كبير على أحداث كبيرة جرت على العالم، وبالتبعية: تأخر المعالجة الفعالة لكثير من أزمات المنطقة المزمنة والمعقدة.
تاريخياً: الاتحاد السوفيتي سبق اعترافه بالمملكة (19 فبراير 1926)، بعد أيام فقط من سيطرة الملك عبد العزيز على الحجاز، حتى قبل اعتراف بريطانيا، التي سبقت دول العالم في إقامة علاقات معقدة وصعبة منذ بداية تفكير الملك عبد العزيز، يرحمه الله، في مشروعه الطموح لتأسيس الدولة السعودية الثالثة. إلا أن اعتراف بريطانيا العظمى الكامل بالمملكة تأخر حتى توقيع اتفاقية جدة بين الملك عبد العزيز وبريطانيا (27 مايو 1927).. أما علاقات المملكة الدبلوماسية الكاملة مع الولايات المتحدة فقد تأخرت حتى عام 1940، بل وتأخر افتتاح أول ممثلية أمريكية في الظهران حتى عام 1944! إلا أنه: في عام 1938 جرى غلق مقر البعثة الدبلوماسية الروسية في جدة بعد استدعاء أول سفيرين روسيين لدى المملكة (كريم حكيموف ونذير تورياكلوف) من قبل إستالين، حيث جرت تصفيتهما عام 1938، ومن حينها انقطعت أقدم صلة دبلوماسية مع واحدة من قوى العالم العظمى، حتى جرى استئناف العلاقات بين البلدين (17 سبتمبر 1990).
بعد الحرب الكونية الثانية فرض التقسيم الأيديولوجي للعالم بين معسكرين رأسمالي، بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية.. واشتراكي، بقيادة الاتحاد السوفيتي، بعداً إستراتيجياً للقطيعة الدبلوماسية بين البلدين. شهدت فترة الحرب الباردة (1945 - 1989) تأثيرا مباشرا على المنطقة، حيث ظهر انقسام العالم العربي منذ منتصف خمسينات القرن الماضي وحتى بداية سبعيناته، وكأنه صورة إقليمية لتقاسم القوتين العظميين الهيمنة على العالم.
مما لا شك فيه أن عدم وجود اتصال دبلوماسي بين الرياض وموسكو، في هذه الفترة، كان له أثر كبير على تعقيد مشكلة الشرق الأوسط، الذي وصل لأوج حدته في أربع حروب إقليمية بين العرب وإسرائيل (1948، 1956، 1967، 1973). بل قد لا نتجاوز الحقيقة، إذا زعمنا: أن هذه القطيعة بين البلدين، التي سبقت قيام إسرائيل بعشر سنوات ربما كان لها أثر مباشر على قيام إسرائيل، خاصةً بعد أن تخلت الولايات المتحدة عن تعهداتها للملك عبد العزيز بعدم الإقدام على ما من شأنه التعامل مع الواقع التاريخي والجغرافي لفلسطين دون التشاور مع الرياض، وهو التعهد الذي قطعه الرئيس فرانكلين روزفلت (1882 - 1945) للملك عبد العزيز عند لقائهما في البحيرات المرة على ظهر البارجة الأمريكية يو إس إس كوينزي (14 فبراير 1945)، ولم يحترمه خلفه الرئيس هاري ترومان ترومان (1884 - 1972) الذي أصبح رئيساً للولايات المتحدة بعد وفاة الرئيس روزفلت.
إذا كانت القطيعة بين موسكو والرياض، التي استمرت لما يزيد على نصف قرن (1938 - 1990)، فإن المستقبل يحمل الكثير من الفرص الواعدة لتطوير علاقات ثنائية مثمرة بين البلدين، ستكون لها بالقطع، آثار إيجابية على المستويين الإقليمي والدولي، مما يساهم إيجابياً في دعم استقرار المنطقة ورفاه وسلام العالم. بالإضافة إلى ما ستثمر عنه هذه الزيارة للملك سلمان لروسيا من توقعات إيجابية في علاقات البلدين الثنائية على أصعدة عديدة إستراتيجية وأمنية واقتصادية وتنموية، فإنه مما لا شك فيه أن هذه الزيارة ستنعكس إيجاباً على المنطقة، وستساعد على تخفيف التوترات في نقاط المنطقة الساخنة، في اليمن والعراق وسورية والخليج العربي... بل وربما تنعكس إيجابياً على أزمات مزمنة في المنطقة، وفي مقدمتها مشكلة الصراع العربي الإسرائيلي، التي كانت من أهم التأثيرات السلبية، التي واكبت فترة القطيعة الطويلة بين موسكو والرياض.
بالإضافة إلى ما قد يقوده تعاون الرياض وموسكو، نتيجة لهذه الزيارة التاريخية للملك سلمان، من تخفيف التوتر في المنطقة، الذي بدوره سينعكس إيجابياً على استقرار النظام الدولي، بالدفع نحو المزيد من التوازن بين قواه وأقطابه، فإن هذه الزيارة سيكون لها أثر إيجابي على استقرار سوق الطاقة العالمية، الذي لطالما قاد التنافس غير الحميد بين منتجي الطاقة الرئيسيين أنفسهم قبل علاقاتهم مع مستهلكيها، لأسباب سياسية في كثير من الأحيان، إلى التأثير السلبي المباشر ليس فقط على سوق الطاقة العالمية... بل وأيضاً على معدلات نمو اقتصاد العالم الكلي.
معروف أن المملكة وروسيا هما أكبر منتجَين للنفط ومصدرَين له في العالم. المملكة وروسيا تنتجان أكثر من 20 مليون برميل من النفط يومياً، هذا يزيد عن ثلثي إنتاج منظمة أوبك ويقترب من ربع إنتاج العالم. مما لا شك فيه فإن تعاون الدولتين، في سياستهما النفطية، بهذا الحجم الكبير لهما والمؤثر في سوق الطاقة العالمية، يزيد من احتمالات استقرار سوق النفط العالمية، مما سيساهم في اطراد نمو الاقتصاد العالمي في مصلحة منتجي ومستهلكي النفط، معاً.. ويُبقي النفط منافساً قوياً، لفترة أطول، في مواجهة مصادر الطاقة البديلة.
أمام البلدين فرص لمشوار مستقبلي طويل من التعاون المثمر البناء يتجاوزا خلاله أطول قطيعة بين اثنين من أقدم أعضاء النظام الدولي الحالي، منذ فترة ما بين الحربين الكونيتين، وإلى الآن. هنا تكمن تاريخية زيارة الملك سلمان لروسيا.
تأتي زيارة الملك سلمان لروسيا، التي تأخرت كثيراً، نتيجة لقطيعة تقترب من نصف قرن، حدثت فيها تطورات جذرية على المستويين الإقليمي والدولي، ربما كان لعدم اتصالهما المباشر، طوال هذه الفترة الطويلة، تأثير كبير على أحداث كبيرة جرت على العالم، وبالتبعية: تأخر المعالجة الفعالة لكثير من أزمات المنطقة المزمنة والمعقدة.
تاريخياً: الاتحاد السوفيتي سبق اعترافه بالمملكة (19 فبراير 1926)، بعد أيام فقط من سيطرة الملك عبد العزيز على الحجاز، حتى قبل اعتراف بريطانيا، التي سبقت دول العالم في إقامة علاقات معقدة وصعبة منذ بداية تفكير الملك عبد العزيز، يرحمه الله، في مشروعه الطموح لتأسيس الدولة السعودية الثالثة. إلا أن اعتراف بريطانيا العظمى الكامل بالمملكة تأخر حتى توقيع اتفاقية جدة بين الملك عبد العزيز وبريطانيا (27 مايو 1927).. أما علاقات المملكة الدبلوماسية الكاملة مع الولايات المتحدة فقد تأخرت حتى عام 1940، بل وتأخر افتتاح أول ممثلية أمريكية في الظهران حتى عام 1944! إلا أنه: في عام 1938 جرى غلق مقر البعثة الدبلوماسية الروسية في جدة بعد استدعاء أول سفيرين روسيين لدى المملكة (كريم حكيموف ونذير تورياكلوف) من قبل إستالين، حيث جرت تصفيتهما عام 1938، ومن حينها انقطعت أقدم صلة دبلوماسية مع واحدة من قوى العالم العظمى، حتى جرى استئناف العلاقات بين البلدين (17 سبتمبر 1990).
بعد الحرب الكونية الثانية فرض التقسيم الأيديولوجي للعالم بين معسكرين رأسمالي، بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية.. واشتراكي، بقيادة الاتحاد السوفيتي، بعداً إستراتيجياً للقطيعة الدبلوماسية بين البلدين. شهدت فترة الحرب الباردة (1945 - 1989) تأثيرا مباشرا على المنطقة، حيث ظهر انقسام العالم العربي منذ منتصف خمسينات القرن الماضي وحتى بداية سبعيناته، وكأنه صورة إقليمية لتقاسم القوتين العظميين الهيمنة على العالم.
مما لا شك فيه أن عدم وجود اتصال دبلوماسي بين الرياض وموسكو، في هذه الفترة، كان له أثر كبير على تعقيد مشكلة الشرق الأوسط، الذي وصل لأوج حدته في أربع حروب إقليمية بين العرب وإسرائيل (1948، 1956، 1967، 1973). بل قد لا نتجاوز الحقيقة، إذا زعمنا: أن هذه القطيعة بين البلدين، التي سبقت قيام إسرائيل بعشر سنوات ربما كان لها أثر مباشر على قيام إسرائيل، خاصةً بعد أن تخلت الولايات المتحدة عن تعهداتها للملك عبد العزيز بعدم الإقدام على ما من شأنه التعامل مع الواقع التاريخي والجغرافي لفلسطين دون التشاور مع الرياض، وهو التعهد الذي قطعه الرئيس فرانكلين روزفلت (1882 - 1945) للملك عبد العزيز عند لقائهما في البحيرات المرة على ظهر البارجة الأمريكية يو إس إس كوينزي (14 فبراير 1945)، ولم يحترمه خلفه الرئيس هاري ترومان ترومان (1884 - 1972) الذي أصبح رئيساً للولايات المتحدة بعد وفاة الرئيس روزفلت.
إذا كانت القطيعة بين موسكو والرياض، التي استمرت لما يزيد على نصف قرن (1938 - 1990)، فإن المستقبل يحمل الكثير من الفرص الواعدة لتطوير علاقات ثنائية مثمرة بين البلدين، ستكون لها بالقطع، آثار إيجابية على المستويين الإقليمي والدولي، مما يساهم إيجابياً في دعم استقرار المنطقة ورفاه وسلام العالم. بالإضافة إلى ما ستثمر عنه هذه الزيارة للملك سلمان لروسيا من توقعات إيجابية في علاقات البلدين الثنائية على أصعدة عديدة إستراتيجية وأمنية واقتصادية وتنموية، فإنه مما لا شك فيه أن هذه الزيارة ستنعكس إيجاباً على المنطقة، وستساعد على تخفيف التوترات في نقاط المنطقة الساخنة، في اليمن والعراق وسورية والخليج العربي... بل وربما تنعكس إيجابياً على أزمات مزمنة في المنطقة، وفي مقدمتها مشكلة الصراع العربي الإسرائيلي، التي كانت من أهم التأثيرات السلبية، التي واكبت فترة القطيعة الطويلة بين موسكو والرياض.
بالإضافة إلى ما قد يقوده تعاون الرياض وموسكو، نتيجة لهذه الزيارة التاريخية للملك سلمان، من تخفيف التوتر في المنطقة، الذي بدوره سينعكس إيجابياً على استقرار النظام الدولي، بالدفع نحو المزيد من التوازن بين قواه وأقطابه، فإن هذه الزيارة سيكون لها أثر إيجابي على استقرار سوق الطاقة العالمية، الذي لطالما قاد التنافس غير الحميد بين منتجي الطاقة الرئيسيين أنفسهم قبل علاقاتهم مع مستهلكيها، لأسباب سياسية في كثير من الأحيان، إلى التأثير السلبي المباشر ليس فقط على سوق الطاقة العالمية... بل وأيضاً على معدلات نمو اقتصاد العالم الكلي.
معروف أن المملكة وروسيا هما أكبر منتجَين للنفط ومصدرَين له في العالم. المملكة وروسيا تنتجان أكثر من 20 مليون برميل من النفط يومياً، هذا يزيد عن ثلثي إنتاج منظمة أوبك ويقترب من ربع إنتاج العالم. مما لا شك فيه فإن تعاون الدولتين، في سياستهما النفطية، بهذا الحجم الكبير لهما والمؤثر في سوق الطاقة العالمية، يزيد من احتمالات استقرار سوق النفط العالمية، مما سيساهم في اطراد نمو الاقتصاد العالمي في مصلحة منتجي ومستهلكي النفط، معاً.. ويُبقي النفط منافساً قوياً، لفترة أطول، في مواجهة مصادر الطاقة البديلة.
أمام البلدين فرص لمشوار مستقبلي طويل من التعاون المثمر البناء يتجاوزا خلاله أطول قطيعة بين اثنين من أقدم أعضاء النظام الدولي الحالي، منذ فترة ما بين الحربين الكونيتين، وإلى الآن. هنا تكمن تاريخية زيارة الملك سلمان لروسيا.