كتاب ومقالات

التندر بالزواج

أفياء

عزيزة المانع

من السمات البارزة في ثقافة المجتمعات العربية، مداعبة الرجال بعضهم بعضا بالتلميح بالرغبة في الزواج ثانية، فلا تكاد تجد مجلسا يجتمع فيه الرجال، يخلو من ترديد شيء عن ذلك، بعضهم يقولها جادا، وبعضهم يقولها لا يعنيها وإنما مجاراة لمن حوله، إلا أنهم جميعهم حين يلمحون إلى الزواج لا يذكرون منه إلا أنه شيء لإمتاعهم فحسب.

بالنسبة لي، تبدو هذه المداعبات سخيفة وسمجة للغاية، ليس لأني امرأة تخشى أن تصل عدوى التعدد إلى زوجها، وإنما لأني أراها مداعبات تعكس مفهوما سقيما عن الزواج يشيع في ثقافتنا العربية، فالزواج بحسب هذا المفهوم ليس أكثر من متعة جسدية مباحة، ولهذا بإمكان الرجل متى شعر بالضيق أو الملل، اللجوء إلى الاقتران بزوجة جديدة يجد معها ما ينشده من التسلية والمتعة. وما زلت أذكر رد أحد شيوخ الأزهر القدامى، الذي حين سئل عن سبب اعتراضه على مقترح يشترط القدرة المالية لمن يرغب في التعدد؟ قال: «هل من العدل أن نجمع على الرجل ضيقين، الفقر، والحرمان من التعدد!».

هذه، مع الأسف النظرة الشائعة للزواج، متعة حلال، على الرجل أن يطلبها كلما تاقت نفسه إلى شيء من ذلك، بصرف النظر عن أي اعتبار آخر.

ما دعاني للتفكير في هذا، ما يدور هذه الأيام في مجلس الشورى من جدل وصراع ما بين فريق يطلب أن يتضمن تعليق المجلس على التقرير السنوي لوزارة العدل، توصية بمنع عقد النكاح للفتيات قبل بلوغ سن الخامسة عشرة، وآخر، يرفض حتى مجرد طرح هذه التوصية للمناقشة!

هذا الاختلاف ما كان له أن يوجد، لو أن المعترضين كان لديهم مفهوم آخر للزواج غير ذاك الذي يدور في المجالس الرجالية منحصرا في نطاق المتعة الجسدية، فهذا المفهوم يجعل المعيار الذي ينظر إليه عند الزواج منحصرا في تحقق النضج الجسدي وليس السن، والنضج الجسدي يتحقق عند الفتيات بدخولهن مرحلة البلوغ، وبناء على ذلك فإن كل فتاة بالغة تكون صالحة للزواج، بصرف النظرعن سنها.

لكن مفهوما كهذا، يسقط من حسابه أن الزواج ليس مجرد علاقة جسدية تربط الزوجين، الزواج علاقة أكبر وأعمق، هو علاقة تقتضي تقاربا نفسيا وروحيا تتولد عنهما المودة والسكن المنشودان في الزواج، كما أنه علاقة غايتها تكوين أسرة والعمل على رعايتها ورسم أهداف مستقبلية لها والسعي إلى تحقيقها، وهو أيضا علاقة ينجم عنها إنجاب الأطفال وحمل مسؤولية تربيتهم، في بيئة آمنة مستقرة صالحة لتنشئتهم تنشئة سليمة تحفظهم من التعرض للمشكلات النفسية أو الوقوع في الانحرافات الأخلاقية.

فكيف يمكن لمن هي أقل من الخامسة عشرة أن تقوم بذلك؟ هل نتوقع ممن لا تزال في سن الطفولة أن يتوفر لديها من الاتزان ورجاحة العقل ما يؤهلها للتعامل بكفاءة مع كل ذلك، أو أن تتوفر لديها خبرة كافية في الحياة تمكنها من القيام بتلك المسؤوليات على الوجه الصحيح؟

azman3075@gmail.com