كتاب ومقالات

علاقة مصلحة مع العراق

على شارعين

خلف الحربي

مرت العلاقات السعودية العراقية خلال نصف قرن بتقلبات دراماتيكية عجيبة، حيث تنقلت بين حالة التحالف الوثيق وحالة العداء المباشر.. هكذا غالبا تطرف في الحب ثم تطرف في العداء ولم تتوفر الحالة (العادية) التي يمكن أن تجمع بين شعبين شقيقين متجاورين إلا في حالات محدودة وعلى فترات متباعدة.

واليوم وبعد سلسلة متناقضة من التجارب بين البلدين، يتضح أن ثمة مساحة أبدية مشتركة بيننا وبين العراقيين يمكن أن تمتلئ بالإرهابيين والطائفيين والجواسيس وبائعي الكلام، ويمكن أيضا أن تمتلئ برجال الأعمال والخبراء والمسافرين في الاتجاهين.

مشكلتنا الأساسية مع العراق أن طول سنوات القطيعة وكثرة التحولات السياسية في العقدين الأخيرين حالت دون بناء علاقة قائمة على المصالح الاقتصادية والثقافية والاجتماعية بين البلدين المتجاورين، ثمة مصالح هائلة بيننا وبين العراق تم إهدارها بكل سهولة في خضم الخلافات السياسية، فالبلدان من أكبر مصدري النفط في العالم ويحتاجان دائما للتنسيق المشترك، والبلدان بدآ يتخلصان للتو من شر الإرهاب (العابر للحدود المغلقة!)، ويحتاجان تعاونا أمنيا دائما لمكافحة هذا الخطر الجدي، وفي كل بلد من هذين البلدين يعيش أكثر من 30 مليون نسمة، ما يعني أن كل بلد منهما يشكل سوقا لا تعوض بالنسبة للآخر، وسيكون مفيدا جدا لو نشط القطاع الخاص في البلدين في مشاريع إعمار العراق وتطوير التعاون في مجالي الحج والعمرة وزيادة الاستثمارات في مجالات النقل والطيران والسياحة. ثمة قصة مختلفة يمكن أن نصنعها مع العراقيين لو ابتعد الطرفان عن الشعارات السياسية والدينية الرنانة وتم التركيز على بناء علاقة أساسها المصلحة المتبادلة.. نعم المصلحة قبل كل شيء سواء كانت مصلحة اقتصادية أو ثقافية أو اجتماعية.

قبل أشهر قليلة كان مثل هذا الطرح البراغماتي غير قابل للتطبيق، وكان صوت الخلافات أقوى من كل صوت، ولكن اليوم تبدو الأمور مختلفة جدا، حيث ظهرت أولى الإشارات على صدق مشاعر الأخوة بين الشعبين الشقيقين خلال الترحيب بالمنتخب العراقي خلال مباراته مع منتخبنا في جدة ضمن تصفيات كأس العالم، قبل أن تتبادل وسائل الإعلام صور الإشارة الأخيرة التي تمثلت في الاستقبال العراقي الحميم والملفت لأول طائرة سعودية تحط في بغداد منذ عام 1990.

بالأمس افتتح خادم الحرمين الشريفين أعمال المجلس التنسيقي بين البلدين بحضور رئيس الوزراء العراقي، واليوم نملك فرصة جيدة لحلحلة كل العقد المزعجة التي نشأت خلال أكثر من ربع قرن بالاعتماد على الدواء السحري الذي يسمى (المصلحة المشتركة).. وفي الغد سوف يشكرنا أولادنا أو يشتمون جهلنا لأننا أضعنا هذه الفرصة لبناء شراكة من شأنها أن تنتج مصالح لا حصر لها هنا وهناك.