التحديات التي تواجه سوق النفط العالمية
الثلاثاء / 04 / صفر / 1439 هـ الثلاثاء 24 أكتوبر 2017 01:05
محمد سالم سرور الصبان
جاءت دعوة الأمين العام لمنظمة الأوبك لي لإلقاء محاضرة في مقر الأمانة في فيينا الأسبوع الماضي، بمثابة فرصة لمناقشة التحديات التي تواجهها الدول المصدرة للنفط، والحاجة إلى تبني إستراتيجية واضحة للتعامل معها. وأحاول هنا تلخيص أهم ما جاء في المحاضرة التي حضرها بجانب الأمين العام مسؤولو دول منظمة أوبك وبعض ممثلي الدول من خارج المنظمة، إضافة إلى خبراء دوليين تمت دعوتهم لإلقاء أوراق علمية في هذا المجال.
ويمكن تلخيص أهم النقاط التي جاءت في الورقة المقدمة من خلال النقاط التالية:
أولا: ناقشت في البداية طبيعة التغيرات التي لحقت بسوق النفط العالمية والتي أدت إلى التغيرات الهيكلية في كل من العرض والطلب العالميين على النفط، وأوضحت أن العالم أصبح يطلب كميات أقل عند كل مستوى من الأسعار، نتيجة للعديد من العوامل منها الإحلال الكبير لمصادر الطاقة الأخرى محل النفط وبالذات في قطاع النقل الذي يعد الأكثر استهلاكا للنفط في العالم؛إذ إنه يمثل أكثر من 60% من مجمل الاستهلاك العالمي من هذا المصدر، وإن الاختراق التقني في مجال السيارات الكهربائية التي كنّا نضحك منها وعليها أصبحت واقعا، وليس أدل على ذلك من أهداف شركات السيارات بإحلال هذه المركبات محل المركبات العادية، إضافة إلى إجراءات ترشيد الاستهلاك ومعايير كفاءة استخدام الطاقة.
وفي جانب العرض فإن الاختراق التقني قد ساهم في تخفيض تكاليف الإنتاج بشكل كبير وليس أدل على ذلك من النفط الصخري الذي استبعدنا منافسته للنفط التقليدي وذكرنا أن انخفاض السعر إلى أقل من 80 دولارا للبرميل سيخرجه من الأسواق وهو ما لم يحدث حتى عند سعر أقل من 50 دولارا للبرميل، وأن هذه التقنيات الحديثة المتلاحقة ستنتشر عالميا وستتيح مزيدا من العرض العالمي من النفط سواء التقليدي منه أم غير التقليدي، إضافة إلى ذلك فإن الاحتياطات العالمية من النفط قد تجاوزت 2 تريليون برميل، وتعطل العمل تبعا لذلك بنظرية النضوب الطبيعي للنفط التي كان ولايزال البعض متمسكا بها منذ عشرات السنين.
وأوضحت أن ما يجب أن يشغل بال أوبك هو احتمالات انتهاء عصر النفط كما ذكر من زمن معالي الشيخ أحمد زكي يماني - شافاه الله- ولم نلقِ له اهتماما. والاختلاف الآن بين مراكز الدراسات ليس هل سينتهي عصر النفط، بل متى يحدث ذلك وما إذا سيكون في 2030 أو بعد ذلك 2040؛ وهو ما يجب أن نستعد له بتنويع اقتصادات الدول المعتمدة على الإيرادات النفطية، وبينما نتمنى أن تطول الفترة إلا أنه لا بد من «التخطيط للأسوأ وتوقع الأفضل».
ثانيا: تطرقت فيما بعد لتوازن السوق النفطية التي أصبحت الشغل الشاغل للأوبك والدول المنتجة الأخرى، منذ العام الماضي، وذكرت أننا بالرغم من الكثير من الجهود في مجال تخفيض الإنتاج لتقليص الفائض العالمي من المعروض النفطي، إلا أننا ما زلنا بعيدين عن التوازن، وأن كلمة «يلوح في الأفق» مطاطية لا تعني شيئا، وليس أدل على ذلك من سخونة الأحداث الجيوسياسية مثل الأزمة الكردية والتأزم الأمريكي الإيراني إلا أن الأسعار لم تصل حتى إلى 60 دولارا للبرميل.
وبينت الورقة أن على المنظمة ولجنة الالتزام باتفاق أوبك ألا تبالغ في التأكيد على أن نسب الالتزام قد تجاوزت 100%، فالكل يعرف أن النسبة قد لا تتجاوز الـ 80%، وبالنسبة للدول من خارج أوبك فهي أقل بكثير من ذلكح وهي مشكلة تاريخية شهدتها الأوبك منذ السبعينات ميلادية.
وأوضحت استغرابي مما أعلن في الكويت الأسبوع الماضي بأنه قد لا تكون هنالك حاجة لتمديد اتفاق أوبك بعد مارس 2018 نتيجة لارتفاع أسعار النفط واقتراب السوق من التوازن، وهو نوع من الغشاوة الذي تمر بها دول اتفاق أوبك، متناسين أن ارتفاع أسعار النفط يعكس بصورة أساسية سخونة العوامل الجيوسياسية. ولاحظنا استدراك أمين عام أوبك ذلك في «مؤتمر لندن للمال والنفط»، بأن الدول الأعضاء في أوبك تسعى لتمديد الاتفاق إلى نهاية العام القادم 2018. وتمنيت لو يترك أمر التصريحات الرسمية لاتفاق أوبك له ويصبح المتحدث الرسمي له.
وطالبت المنظمة بالهدوء في تصريحاتها غير الضرورية، لأن الكثيرين قد بدأوا يفقدون الثقة فيما تقوله الأوبك.
ثالثا: من ثم تطرقت الورقة إلى اتفاق باريس للمناخ، وذكرت أنه قد مات سريريا بانسحاب الولايات المتحدة الأمريكية وهي الكبرى من حيث الانبعاثات أو المساهمات المالية، وحتى لو استمرت الاجتماعات الدورية ومؤتمرات الأطراف السنوية فستكون دون معنى أو محتوى. وتدريجيا ستنسحب العديد من الدول التي تخشى فقدان تنافسيتها الاقتصادية مع الولايات المتحدة وهي الطرف المنسحب من الاتفاق. أما لو أعيد التفاوض على اتفاق باريس، فسيستمر دون توصل إلى نتائج نهائية ولفترة طويلة من الزمن وهذا ما تخشاه الدول الأوروبية وترفضه.
وطالبت دولنا النفطية أن تبقي على تشجيع وتطوير مصادر الطاقة البديلة محليا؛ لأنها تفيد تنويع اقتصادنا، وتساهم في تخفيض مستويات التلوث الضار محليا.
* مستشار اقتصادي ونفطي دولي
sabbanms@
ويمكن تلخيص أهم النقاط التي جاءت في الورقة المقدمة من خلال النقاط التالية:
أولا: ناقشت في البداية طبيعة التغيرات التي لحقت بسوق النفط العالمية والتي أدت إلى التغيرات الهيكلية في كل من العرض والطلب العالميين على النفط، وأوضحت أن العالم أصبح يطلب كميات أقل عند كل مستوى من الأسعار، نتيجة للعديد من العوامل منها الإحلال الكبير لمصادر الطاقة الأخرى محل النفط وبالذات في قطاع النقل الذي يعد الأكثر استهلاكا للنفط في العالم؛إذ إنه يمثل أكثر من 60% من مجمل الاستهلاك العالمي من هذا المصدر، وإن الاختراق التقني في مجال السيارات الكهربائية التي كنّا نضحك منها وعليها أصبحت واقعا، وليس أدل على ذلك من أهداف شركات السيارات بإحلال هذه المركبات محل المركبات العادية، إضافة إلى إجراءات ترشيد الاستهلاك ومعايير كفاءة استخدام الطاقة.
وفي جانب العرض فإن الاختراق التقني قد ساهم في تخفيض تكاليف الإنتاج بشكل كبير وليس أدل على ذلك من النفط الصخري الذي استبعدنا منافسته للنفط التقليدي وذكرنا أن انخفاض السعر إلى أقل من 80 دولارا للبرميل سيخرجه من الأسواق وهو ما لم يحدث حتى عند سعر أقل من 50 دولارا للبرميل، وأن هذه التقنيات الحديثة المتلاحقة ستنتشر عالميا وستتيح مزيدا من العرض العالمي من النفط سواء التقليدي منه أم غير التقليدي، إضافة إلى ذلك فإن الاحتياطات العالمية من النفط قد تجاوزت 2 تريليون برميل، وتعطل العمل تبعا لذلك بنظرية النضوب الطبيعي للنفط التي كان ولايزال البعض متمسكا بها منذ عشرات السنين.
وأوضحت أن ما يجب أن يشغل بال أوبك هو احتمالات انتهاء عصر النفط كما ذكر من زمن معالي الشيخ أحمد زكي يماني - شافاه الله- ولم نلقِ له اهتماما. والاختلاف الآن بين مراكز الدراسات ليس هل سينتهي عصر النفط، بل متى يحدث ذلك وما إذا سيكون في 2030 أو بعد ذلك 2040؛ وهو ما يجب أن نستعد له بتنويع اقتصادات الدول المعتمدة على الإيرادات النفطية، وبينما نتمنى أن تطول الفترة إلا أنه لا بد من «التخطيط للأسوأ وتوقع الأفضل».
ثانيا: تطرقت فيما بعد لتوازن السوق النفطية التي أصبحت الشغل الشاغل للأوبك والدول المنتجة الأخرى، منذ العام الماضي، وذكرت أننا بالرغم من الكثير من الجهود في مجال تخفيض الإنتاج لتقليص الفائض العالمي من المعروض النفطي، إلا أننا ما زلنا بعيدين عن التوازن، وأن كلمة «يلوح في الأفق» مطاطية لا تعني شيئا، وليس أدل على ذلك من سخونة الأحداث الجيوسياسية مثل الأزمة الكردية والتأزم الأمريكي الإيراني إلا أن الأسعار لم تصل حتى إلى 60 دولارا للبرميل.
وبينت الورقة أن على المنظمة ولجنة الالتزام باتفاق أوبك ألا تبالغ في التأكيد على أن نسب الالتزام قد تجاوزت 100%، فالكل يعرف أن النسبة قد لا تتجاوز الـ 80%، وبالنسبة للدول من خارج أوبك فهي أقل بكثير من ذلكح وهي مشكلة تاريخية شهدتها الأوبك منذ السبعينات ميلادية.
وأوضحت استغرابي مما أعلن في الكويت الأسبوع الماضي بأنه قد لا تكون هنالك حاجة لتمديد اتفاق أوبك بعد مارس 2018 نتيجة لارتفاع أسعار النفط واقتراب السوق من التوازن، وهو نوع من الغشاوة الذي تمر بها دول اتفاق أوبك، متناسين أن ارتفاع أسعار النفط يعكس بصورة أساسية سخونة العوامل الجيوسياسية. ولاحظنا استدراك أمين عام أوبك ذلك في «مؤتمر لندن للمال والنفط»، بأن الدول الأعضاء في أوبك تسعى لتمديد الاتفاق إلى نهاية العام القادم 2018. وتمنيت لو يترك أمر التصريحات الرسمية لاتفاق أوبك له ويصبح المتحدث الرسمي له.
وطالبت المنظمة بالهدوء في تصريحاتها غير الضرورية، لأن الكثيرين قد بدأوا يفقدون الثقة فيما تقوله الأوبك.
ثالثا: من ثم تطرقت الورقة إلى اتفاق باريس للمناخ، وذكرت أنه قد مات سريريا بانسحاب الولايات المتحدة الأمريكية وهي الكبرى من حيث الانبعاثات أو المساهمات المالية، وحتى لو استمرت الاجتماعات الدورية ومؤتمرات الأطراف السنوية فستكون دون معنى أو محتوى. وتدريجيا ستنسحب العديد من الدول التي تخشى فقدان تنافسيتها الاقتصادية مع الولايات المتحدة وهي الطرف المنسحب من الاتفاق. أما لو أعيد التفاوض على اتفاق باريس، فسيستمر دون توصل إلى نتائج نهائية ولفترة طويلة من الزمن وهذا ما تخشاه الدول الأوروبية وترفضه.
وطالبت دولنا النفطية أن تبقي على تشجيع وتطوير مصادر الطاقة البديلة محليا؛ لأنها تفيد تنويع اقتصادنا، وتساهم في تخفيض مستويات التلوث الضار محليا.
* مستشار اقتصادي ونفطي دولي
sabbanms@