كتاب ومقالات

المشاريع التنموية ومستقبل الاقتصاد السعودي

عبدالله صادق دحلان

أجزم بأنني وصلت إلى قناعة بأن الاقتصاد الحديث سوف يقود السياسة والقرارات السياسية في العالم، وأشعر بثقة كبيرة في السياسات الاقتصادية التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لمواجهة التحديات لتحقيق الرؤية المستقبلية للمملكة العربية السعودية، وكنت أتابع باهتمام المشاريع الجديدة التي أعلن عن البدء في تنفيذها كجزء من سياسة تنويع مصادر الدخل كبديل متدرج للاستغناء عن عائدات الصادرات البترولية.

وتنفيذاً لسياسة إقامة المشاريع الكبرى الاقتصادية والتنموية أصبح من المؤكد خلق فرص عمل جديدة لشباب وشابات المملكة من ذوي التعليم المتخصص، ويؤكد هذا تصريح رئيس الوزراء البريطاني الأسبق في لقاء مستقبل الاستثمار الذي عقد الأسبوع الماضي في العاصمة الرياض، إذ قال (إن رؤية المملكة (2030) أهم أمر يحدث في المنطقة في السنوات القليلة الماضية)، ومن أقوى الرسائل التي أرسلها بعض المشاركين في لقاء مستقبل الاستثمار رسالة الاطمئنان التي أرسلتها (كريستين لاغارد) المدير العام لصندوق النقد الدولي والتي قالت (أن الصورة الحالية للاقتصاد العالمي أكثر إيجابية مما كانت عليه خلال الفترة الماضية)، وهي رسالة ترد فيها على بعض المحللين الاقتصاديين المحبطين وغير المتفائلين.

ومن أهم الرسائل في مستقبل الاستثمار كانت للسيد (لاري فينك) رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة بلاك روك الذي قال (إن التعليم سيكون جانباً أساسيا للاقتصادات الناشئة التي تطمح إلى مواصلة تحقيق معدلات نمو قوية، مؤكداً على أهمية أن يؤدي الجميع أدوارهم في ما يتعلق بتحقيق المساواة في العالم).

وهي رسالة قوية وهامة تدفعنا إلى ضرورة العناية بتطوير التعليم وإعادة هيكلة مخرجاته لتسير مع التوجهات المستقبلية لتحقيق رؤية (2030)، وإذا استطعنا أن نطوع المخرجات لتغطية احتياجات المشاريع الاستثمارية الجديدة فإننا سنحقق الهدف الأساسي من هذه المشاريع لخلق فرص وظيفية جديدة، ومن الرسائل الهامة التي أرسلت في لقاء مستقبل الاستثمار كانت من السيد (أجاي بانجا) الرئيس التنفيذي لشركة ماستركارد، الذي أطلق دعوة لتطوير نظم جديدة على مستوى السلامة والمعايير الأخلاقية من أجل ضمان عدم تضييع الفرصة التي تمثلها البيانات الضخمة بسبب إساءة الاستخدام.

أما الرسالة الأقوى لشعب المملكة العربية السعودية ولرجال الأعمال والشركات السعودية فقد كانت من الأمير محمد بن سلمان ولي العهد الذي وضع التحدي أمام شعب المملكة، حيث قال (يمكننا مواجهة المستقبل بالعمل معاً) أي أن الشراكة في العمل مطلب وطني لمواجهة مستقبلنا، وأكد أن مبادرة مستقبل الاستثمار تضع المملكة على خريطة الاقتصاد العالمي. وأن رسم مسارات مستقبلية بشراكة عالمية تكفل تسخير موقع المملكة وقدرتها الاستثمارية.

إن المتتبع لأهم القرارات في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز يلحظ أن القرارات الاقتصادية تأخذ حيزاً مهماً وأساسياً في السياسة العامة للدولة. وهذا هو التوجه الصحيح لمستقبل الوطن وشعبه، ويأتي مشروع (نيوم) مدينة الحالمين والذكاء الاصطناعي على قائمة المشاريع العملاقة الاقتصادية، التي لها بعد إستراتيجي نحو توطين التقنية ونقل المملكة من دولة مستوردة للتقنية إلى صانعة ومصدرة لها. ونقل المملكة من أكبر الدول المنتجة والمصدرة للبترول إلى أكبر دولة للطاقة البديلة.

إن أهمية مشروع (نيوم) تنبثق من موقعه الجغرافي الهام شمال غرب المملكة وعلى البحر الأحمر وعلى مثلث مصر والأردن والمملكة، وفي منطقة مهمة جداً جغرافياً وبيئياً تتوفر فيها عناصر إنشاء المدينة الذكية الحديثة.

كما إن قرار تخصيص الموقع لمشروع (نيوم) كان قراراً حكيماً يتماشى مع الرؤية المستقبلية لتنمية جميع مناطق المملكة وعدم التركيز على المناطق الكبيرة فقط، وقد طالبت في مقالتي الأسبوع الماضي بضرورة نقل المشاريع التنموية من المناطق الكبيرة للمناطق الصغيرة ذات المواقع الإستراتيجية، وأن بداية المشروع من الصغر سوف يؤمن جميع احتياجات الجيل الجديد من الشباب السعودي المؤهل ويضمن لهم سهولة الانتقال والإقامة للعمل والإبداع وسيعمل هذا المشروع وغيره من المشاريع الاقتصادية العملاقة على خلق فرص العمل وتخفيف الهجرة من القرى للمدن الكبيرة بحثاً عن العمل، بل أتوقع أن يكون هناك هجرة معاكسة من شباب المدن الكبيرة إلى هذا المشروع التنموي بحثاً عن فرص العمل للحساب الخاص ولحساب المشاريع القائمة.

وأجدها مناسبة للشركات السعودية الصغيرة والمتوسطة بأن تعيد حساباتها تجهيزاً للمساهمة في هذا المشروع العملاق، وأجزم أن عصر التقليد في العمل قد انتهى وأصبح عصر التقنية الحديثة معتمداً على الاقتصاد الرقمي وميكنة العمل الإداري.

* كاتب اقتصادي سعودي