السينما في عهد اقتناص الفرص
الاثنين / 10 / صفر / 1439 هـ الاثنين 30 أكتوبر 2017 01:24
محمود صباغ
حرصت على تتبع كامل اللقاءات الصحفية التي أجراها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مع الصحافة الغربية منذ صعوده على مسرح الأحداث السياسية، وآخرها ما رافق مؤتمر إعلان مدينة «نيوم».. وتوصلت معها إلى خلاصة أن هذا العهد يستحق أن يوصف بعهد «اقتناص الفرص».
هذي الذهنية، أي «ذهنية اقتناص الفرص»، يمكن تأطيرها بأنها ذات جوهر «ما بعد ريعي» من كفاءة في الابتكار والعمل والإنفاق، وذات إيقاع «ميلينيال» سريع وحازم، وبأسقف خيال تلامس «عنان السماء».
قبل أيام قليلة فرغت من تصوير فيلمي الطويل الثاني بمعايير إنتاج تضاهي المعايير الإنتاجية الموجودة في دول مجاورة لنا سبقتنا بعقود طويلة، وبفريق عمل وطاقم تمثيل تم اختياره بعد عملية مطولة ومضنية من الفرز وتجارب الأداء.. حتى خرجت بقناعة تامة أن السعودية كنزٌ من المواهب الخام، التي لا تحتاج سوى اكتشاف وصقل واعتناء.
واكتشاف «المواهب السعودية» يستدعي عاملين: الاستثمار والرعاية.
ومثل المعادن المخزونة في باطن التراب الوطني، التي قدّر قيمتها سمو ولي العهد بما يقارب الترليون دولار - هي بحاجة إلى ضخ رأسمالي على شكل استثمار أو إنفاق حكومي لتمويل عملية استخراجها وتحويلها من عناصر خاملة وكامنة إلى ثروة وطنية وسلع تجارية.. كذلك فإن المواهب والكوادر المحلية في مجالات الفنون والإبداع ومجالاتها التكميلية بحاجة إلى استثمار ورعاية تكشف عن مقوماتها المنتجة وتدفع بها إلى آفاقها الرحبة الفسيحة.
إن الفرص المهدرة في السينما عديدة. أولها سوق عروض السينما، أي مبيعات شباك التذاكر، الذي سوف يتجاوز المليار ريال في سنته الأولى بعد إقراره بحسب تقديراتي الشخصية.. وهي فرص تذهب منا إلى دول مجاورة، أو إلى سوق القرصنة السوداء، وقد تضيع منا مستقبلاً في حال عدم الاستعداد لها، إلى شركات توزيع عربية أو أجنبية تجارية محضة، لن ترفع من مستوى الصناعة المحلية، وسوف تنحسر أرباحها عن عملية إعادة الإنفاق على المحتوى المحلي.
وفرص أخرى مؤجلة على مستوى شركات الإنتاج الكبرى؛ سواء كانت أفلاما محلية أو إقليمية وحتى عالمية هي في حال حضور ثنائي التشريع والاستثمار، لست أرى أكثر كفاءة من شركات سعودية، تقودها كفاءات ورؤوس أموال وطنية، قادرة على اقتناص الريادة الإقليمية في مجالها، أي الإنتاج السينمائي.. سوف تشكّل طلائع ورؤوس حربة شركات الريادة الوطنية التي وعد بها «برنامج ريادة الشركات الوطنية» أحد البرامج الإستراتيجية الإثني عشر ضمن رؤية 2030.
وغير الاستثمار المباشر.. فإن المواهب والفنون الوطنية بحاجة إلى رعاية وعطف واعتناء.
قد تكون مدينة «نيوم» أولى المدن الرأسمالية كما في تصريح ولي العهد، لكنها أيضا تقف على قيم حديثة وإنسانية وخضراء، لعل أبرز التصريحات الواعدة، ما أعلنه ولي العهد من تحويل الجسر البرّي الذي يربط بين الأراضي السعودية والمصرية عن جزيرتيّ تيران وصنافير، حماية للبيئة البحرية والمرجانية الغنية فيها، وعوضا عن ذلك، تكبد أموال وأوقات إضافية لبناء الجسر في المياه العميقة - تقديماً للبيئة والتنمية المستدامة ذات النظرة البعيدة على النتائج السريعة والوقتية. كما سبقت نشرات مشروع البحر الأحمر أيضاً وعود صارمة لحماية البيئة ورفع مستوى السكان المعيشي وغيرها من المعايير الإنسانية والخضراء ومعايير العدالة الاجتماعية.
وهذا يجب أن ينسحب على ملف السينما، فصناعة السينما القادمة تنطوي أيضاً على بيئتها أو «الإيكو سيستم» الخاص بها الذي يتداخل ويؤثر ثقافياً واجتماعياً وحضارياً ورعايته بالتشريعات المرنة والتشجيعية، وحِزَم المال العام المُنتجة أو الممنوحة سوف يحافظ على نموها العضوي، ويحميها من نزعات التشويه التجاري الرخيص والتسليع المحض.
إن السينما الوطنية في عهد اقتناص الفرص خليقة أن تُطلق بذات ذهنيتها من خيال وكفاءة وإيقاع وأسقف وألا تترك نهباً للكيانات الأدبية المرتعشة الموروثة من زمن الريع، أو المبادرات الفردية الخجولة، التي لا تدفع نحو تأسيس أي صناعة أو تراكم، لافتقارها للخطة والأهداف والموارد، ولا تحقق سوى نتائج مبعثرة أغلبها ذات قيمة إعلامية تخدم مصالح ذاتية ضيقة.
بعد تجربة تصوير فيلمين طويلين في السعودية، ازدادت قناعاتي بضرورة إنشاء هيئة ملكية للأفلام، أو مؤسسة للفيلم السعودي تضع حداً للفرص المهدرة، وتدفع نحو صناعة محلية متفوقة للسينما الوطنية.. بالاستثمار وبالرعاية.
mahsabbagh2@gmail.com
هذي الذهنية، أي «ذهنية اقتناص الفرص»، يمكن تأطيرها بأنها ذات جوهر «ما بعد ريعي» من كفاءة في الابتكار والعمل والإنفاق، وذات إيقاع «ميلينيال» سريع وحازم، وبأسقف خيال تلامس «عنان السماء».
قبل أيام قليلة فرغت من تصوير فيلمي الطويل الثاني بمعايير إنتاج تضاهي المعايير الإنتاجية الموجودة في دول مجاورة لنا سبقتنا بعقود طويلة، وبفريق عمل وطاقم تمثيل تم اختياره بعد عملية مطولة ومضنية من الفرز وتجارب الأداء.. حتى خرجت بقناعة تامة أن السعودية كنزٌ من المواهب الخام، التي لا تحتاج سوى اكتشاف وصقل واعتناء.
واكتشاف «المواهب السعودية» يستدعي عاملين: الاستثمار والرعاية.
ومثل المعادن المخزونة في باطن التراب الوطني، التي قدّر قيمتها سمو ولي العهد بما يقارب الترليون دولار - هي بحاجة إلى ضخ رأسمالي على شكل استثمار أو إنفاق حكومي لتمويل عملية استخراجها وتحويلها من عناصر خاملة وكامنة إلى ثروة وطنية وسلع تجارية.. كذلك فإن المواهب والكوادر المحلية في مجالات الفنون والإبداع ومجالاتها التكميلية بحاجة إلى استثمار ورعاية تكشف عن مقوماتها المنتجة وتدفع بها إلى آفاقها الرحبة الفسيحة.
إن الفرص المهدرة في السينما عديدة. أولها سوق عروض السينما، أي مبيعات شباك التذاكر، الذي سوف يتجاوز المليار ريال في سنته الأولى بعد إقراره بحسب تقديراتي الشخصية.. وهي فرص تذهب منا إلى دول مجاورة، أو إلى سوق القرصنة السوداء، وقد تضيع منا مستقبلاً في حال عدم الاستعداد لها، إلى شركات توزيع عربية أو أجنبية تجارية محضة، لن ترفع من مستوى الصناعة المحلية، وسوف تنحسر أرباحها عن عملية إعادة الإنفاق على المحتوى المحلي.
وفرص أخرى مؤجلة على مستوى شركات الإنتاج الكبرى؛ سواء كانت أفلاما محلية أو إقليمية وحتى عالمية هي في حال حضور ثنائي التشريع والاستثمار، لست أرى أكثر كفاءة من شركات سعودية، تقودها كفاءات ورؤوس أموال وطنية، قادرة على اقتناص الريادة الإقليمية في مجالها، أي الإنتاج السينمائي.. سوف تشكّل طلائع ورؤوس حربة شركات الريادة الوطنية التي وعد بها «برنامج ريادة الشركات الوطنية» أحد البرامج الإستراتيجية الإثني عشر ضمن رؤية 2030.
وغير الاستثمار المباشر.. فإن المواهب والفنون الوطنية بحاجة إلى رعاية وعطف واعتناء.
قد تكون مدينة «نيوم» أولى المدن الرأسمالية كما في تصريح ولي العهد، لكنها أيضا تقف على قيم حديثة وإنسانية وخضراء، لعل أبرز التصريحات الواعدة، ما أعلنه ولي العهد من تحويل الجسر البرّي الذي يربط بين الأراضي السعودية والمصرية عن جزيرتيّ تيران وصنافير، حماية للبيئة البحرية والمرجانية الغنية فيها، وعوضا عن ذلك، تكبد أموال وأوقات إضافية لبناء الجسر في المياه العميقة - تقديماً للبيئة والتنمية المستدامة ذات النظرة البعيدة على النتائج السريعة والوقتية. كما سبقت نشرات مشروع البحر الأحمر أيضاً وعود صارمة لحماية البيئة ورفع مستوى السكان المعيشي وغيرها من المعايير الإنسانية والخضراء ومعايير العدالة الاجتماعية.
وهذا يجب أن ينسحب على ملف السينما، فصناعة السينما القادمة تنطوي أيضاً على بيئتها أو «الإيكو سيستم» الخاص بها الذي يتداخل ويؤثر ثقافياً واجتماعياً وحضارياً ورعايته بالتشريعات المرنة والتشجيعية، وحِزَم المال العام المُنتجة أو الممنوحة سوف يحافظ على نموها العضوي، ويحميها من نزعات التشويه التجاري الرخيص والتسليع المحض.
إن السينما الوطنية في عهد اقتناص الفرص خليقة أن تُطلق بذات ذهنيتها من خيال وكفاءة وإيقاع وأسقف وألا تترك نهباً للكيانات الأدبية المرتعشة الموروثة من زمن الريع، أو المبادرات الفردية الخجولة، التي لا تدفع نحو تأسيس أي صناعة أو تراكم، لافتقارها للخطة والأهداف والموارد، ولا تحقق سوى نتائج مبعثرة أغلبها ذات قيمة إعلامية تخدم مصالح ذاتية ضيقة.
بعد تجربة تصوير فيلمين طويلين في السعودية، ازدادت قناعاتي بضرورة إنشاء هيئة ملكية للأفلام، أو مؤسسة للفيلم السعودي تضع حداً للفرص المهدرة، وتدفع نحو صناعة محلية متفوقة للسينما الوطنية.. بالاستثمار وبالرعاية.
mahsabbagh2@gmail.com