كتاب ومقالات

تصحيح وصحوة

عبير الفوزان

هل كان إقفال جميع المحلات، بما فيها محطات الوقود والصيدليات والبقالات، وقت الصلاة نتاج الإسلام الوسطي، استنادا إلى الآية القرآنية «يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع» ؟! وهل كان الذرو مقصودا به جميع أوقات الصلاة، أم يوم الجمعة فقط؟!

أتذكر صديقة لي في المرحلة الابتدائية، وقت ما بدأنا نتعلم الصلاة، كانت تسألني كم ركعة أصليها وقت الظهر.. وعندما أخبرتها أنها أربع ركعات.. قالت بفخر: «أنا أصلي خمس ركعات»! تناقشنا بطفولة حول عدد الركعات، لكنها قالت: الزيادة ولا النقصان.. في البداية، أعجبني منطقها الكريم مع الله، ففعلت مثلما تفعل إلى أن اكتشفتني والدتي ووبختني على فعلي.

فعل تلك الصغيرة يشبه فعلنا لأشياء كثيرة نقوم بها في حياتنا من باب الزيادة ولا النقص.. لكن جدي الحكيم، رحمه الله، كان لديه مثل عامي يردده دوما.. ربما لا يعرفه الكثيرون وهو: «قال وين باب النقص.. قال من باب الزود (الزيادة)».

محاولات الكثيرين الدائبة في أن يكونوا أكثر تدينا من فلان أو علان، دون الرجوع إلى الدين، إنما على هواهم الزائد، وجهلهم الزائد، كما كانت صديقتي الصغيرة تفعل، أوصلهم إلى غلو تلو غلو مما جعلهم يسمون غلوهم الأول وسطيا، وهم أبعد ما يكونون عن ذلك.

كثيرون ممن وقعوا في فخ الغلو دون أن ينتبهوا باتوا يسمون حالهم وسطيا، مما حداهم إلى تسمية الوسطي الحقيقي منحلا. بعض المغالين يراوغون ليبقى الغلو ديدنا فيفعلون مثل فعل أمثال خالة جدتي بنا «اضربه بالموت يقنع بالكفن»! أي مثلما نضربه بالتشدد والتطرف ليقنع بالغلو.

العودة إلى البيع والشراء وقت الصلاة ماعدا يوم الجمعة هو تصحيح لآية قرآنية، وصحوة حقيقية.. لن أتحدث في الفضل الدنيوي لذلك، والذي بلا شك سينعكس إيجابيا على الدين والحياة، لأن تصحيح المسار لا يحتاج لتبرير.