كتاب ومقالات

بنك التنمية ولحمة الملوخية !

على خفيف

محمد أحمد الحساني

فوجئ الأخ نزار عبد اللطيف بنجابي، وهو زميل صحفي سابق في جريدة الندوة «البائدة»، بعمله وهو يخصم عليه مبلغاً من المال باعتبار المبلغ قسطاً لفرع بنك التنمية الاجتماعية بجدة لقاء قرض أسري زعم البنك أن البنجابي كان كفيلاً غارماً لمواطن حصل على ذلك القرض، ولأن البنجابي لم يكفل أحداً أمام البنك فقد سارع لمراجعته، وبعد إجراءات عديدة ومشاوير ومشاق عانى منها «الضحية»، الذي قدر الله عليه الإصابة بالسرطان منذ عدة أعوام ولم يزل يعاني من مضاعفاته، اعترف البنك بأن الأوراق التي قدمها المقترض وجعل فيها البنجابي كفيلاً غارماً له هي أوراق مزورة، وأوقف خصم أقساط جديدة ورتب لإعادة القسط الذي حسم من البنجابي والعودة إلى المقترض المزور لمطالبته بالمبلغ الذي اقترضه من البنك. وإزاء ما حصل من إرهاق وتعب نفسي وبدني استمر ثلاث سنوات لمريض يعاني من السرطان، تقدم «الضحية» بشكوى إلى المحكمة الإدارية شارحاً ما حصل له مع البنك الذي اعترف بخطئه الفادح وبرر فعلته بأن القرض وقبول الكفيل بأوراق مزورة تم بناء على «حسن النية»، وقد طالب البنجابي البنك بتعويض مالي مقابل ما جرى عليه خطأ البنك من متاعب وخسائر صرفها خلال مراجعاته التي استمرت عدة سنوات!

إلا أن المفاجأة حصلت عندما أخذت المحكمة الإدارية بمسألة حسن النية، وصرفت النظر عن دعوى البنجابي ضد البنك بحجة أنه لا يوجد تفريط أو ضرر ناتج عن خطأ البنك، لأن الأمر تم «بحسن النية» وأن على المدعي رفع قضية منفصلة ضد المقترض الذي استخدم اسمه ومستنداته لإقناع البنك بجعله كفيلاً غارماً «لهط» باسمه القرض، ولدي نسخة من قرار المحكمة ومع الاحترام غير المحدود لقرار المحكمة الإدارية وبعيداً عن ما طالب به الأخ البنجابي من تعويض مالي يدفع له من قبل البنك فإن لديه عدة تساؤلات حول هذه القضية أوجزها في ما يلي:

أولاً: هل من عادة البنوك التجارية أو الحكومية قبول أوراق الكفالة الغرمية المقدمة من قبل المكفول دون مطالبته بإحضار الكفيل الغارم شخصياً أو من يمثله بوكالة شرعية، كما حصل بالنسبة لقضية نزار بنجابي وكفالته التي زورها المقترض ووجد في البنك من «يمشيها» له بحسن نية، على حد قول البنك؟ وإذا كان هذا هو الإجراء المتبع في طلب القروض من البنوك فإن بإمكان أي شخص يحصل على صور من البطاقة الوطنية لشخص آخر قد لا يعرفه فيملأ أوراق الكفالة الغرمية باسم الكفيل المزعوم ويحصل على القرض الذي طلبه ليكتشف الضحية بعد أول مطالبة تصله بأنه كفيل لشخص لا يعرفه أو يعرفه ولكنه لم يكفله قط، وإنما زور الوكالة الغرمية وقبلها البنك بحسن نية ؟!

ثانياً: إذا كان قبول كفالة غرمية دون وجود الكفيل الغارم يتم «بحسن نية»، حسب زعم البنك المذكور، فمتى يسمى تسليم قرض لمقترض دون التأكد أن الكفالة الغرمية صحيحة مائة بالمائة تفريطاً.. هل يكون عندما يسلم القرض للمقترض بناء على كفالة غرمية «هاتفية» مثلاً أو شفهية، كأن يقول المقترض «أقسم بالله» أن فلانا كفيل الغارم فيجيب موظف البنك قبلنا كفالته براً بقسمك ؟!

وكيف لا يصبح قبول أوراق كفالة غرمية بأوراق مزورة تفريطاً وإضراراً فادحاً بالكفيل الغارم الذي زج به وبكفالته الغرمية من وراء ظهره تفريطاً عظيماً بدل أن يسمى «حسن نية»، وفي أي بنك تصرف هذه العبارة التي تشبه «لحمة الملوخية»؟!

ثالثاً: لماذا تم استبعاد إمكانية تواطؤ موظف في البنك مع المقترض لتمرير وتسهيل صرف قرض للمقترض بموجب أوراق مزورة وكفالة غرمية، ولماذا لم تتوقف المحكمة ملياً أمام هذا الأمر لتحمل البنك جزءاً من مسؤولية التفريط وإلحاق الضرر «بالضحية»، بدل تحميل حسن النية القضية كلها وتبرئة البنك من أي تفريط، وكيف أخذت المحكمة بحجة حسن النية، ومتى كانت الأحكام والقرارات تبنى على النوايا وتتجاهل الوقائع والمستندات التي تؤكد وجود تزوير وتسهيل صرف قرض بكفالة مزورة قفزاً على الإجراءات المالية المعتادة في صرف القروض، ومن أهمها التأكد من الكفالة الغرمية والكفيل الغارم، فلو أن المحكمة درست القضية بموضوعية وبعيداً عن حكاية «حسن النية» فربما ظهر لها أن البنك يتحمل جزءاً من المسؤولية، إذ لولا تفريط موظفيه في التحقق من الكفالة الغرمية لما استطاع المقترض الحصول على القرض بهذه الطريقة «الملتوية»، ولأدى تحميل البنك جزءا من المسؤولية إلى الحكم بتعويض مالي ولو بسيط للأخ البنجابي.. ولكن هذا ما حصل للأسف الشديد!

mohammed.ahmad568@gmail.com