أدركهما يا وزير الصحة قبل أن يهاجرا
الأحد / 16 / صفر / 1439 هـ الاحد 05 نوفمبر 2017 01:35
عبدالله صادق دحلان
كنت قد طرحت في أكثر من مناسبة تساؤلا عن أسباب هجرة بعض الكفاءات السعودية إلى خارج الوطن، وعلى وجه الخصوص الأطباء ذوي التخصصات الدقيقة الذين استقطبتهم جامعات ومستشفيات جامعية في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا.
ولقد قابلت بعضهم في رحلات علاجي في أكبر المستشفيات الأمريكية والأوروبية، وكم كنت فخورا بهم وبكفاءتهم؛ إذ استطاعوا أن يثبتوا جدارتهم، ويرفعوا رأس السعوديين والعرب والمسلمين خارج أوطانهم.
ورغم فخري واعتزازي بهم، إلا أنني كنت أشعر بأسى وألم كبير عندما أراهم خارج الوطن وقد حطت بهم رحالهم في الغربة ليقدموا خدماتهم المهنية بأمانة وإخلاص لمرضى الدول المهاجرين إليها والمقيمين فيها، وأحيانا ليعالجوا بعض السعوديين القادمين للعلاج هناك في مستشفيات أمريكا وأوروبا.
وأثناء زياراتي للخارج التقيت بعضهم وتعرفت على كثير من الأسباب التي دفعتهم للهجرة والعمل في الولايات المتحدة وأوروبا، بعد أن صرفت عليهم المملكة وأنفقت ملايين الريالات لتأهيلهم علميا وعمليا، إلى أن انتهى بهم المطاف إلى الهجرة وحرمان الوطن من علمهم وخبرتهم، بعدما احتضنتهم جامعات ومستشفيات وشركات عالمية، وقدمت لهم عروضا مجزية جدا، إضافة الى إغراء بعضهم من خلال إتاحة الفرصة لهم في الإقامة والتجنيس.
وكنت قد كتبت في السابق عن هؤلاء المتميزين في الغربة، وعن ظاهرة تزايد هجرة الكفاءات الطبية، وطالبت بإعداد دراسة لمعرفة أسباب الهجرة التي لا نشك أنها أسباب عديدة ومتداخلة.
ولكن ما يدفعني اليوم لإعادة طرح الموضوع في هذا المقال هو الرسالة التي تلقيتها من طبيبين سعوديين يحملان درجة الزمالة من الولايات المتحدة الأمريكية، وقد عملا في أكبر المستشفيات الجامعية في أمريكا، وعالجا عديدا من المرضى بمن فيهم السعوديون من الأمراء والمواطنين، وتلقيا عروضا لاستمرار عملهما في الولايات المتحدة، إلا أنهما آثرا العودة للوطن لخدمة أبنائه من المرضى.
وسوف أعرض للقراء الكرام نص رسالة الطبيبين، وأترك الأمر لأخي معالي وزير الصحة الدكتور توفيق الربيعة الذي أثق في أمانته ونزاهته وحياديته، متمنيا عليه أن يعطي الأمر اهتماما خاصا، بعيدا عن روتينية الجهات المختصة، لندرك الطبيبين قبل أن يغادرانا مهاجرين إلى الولايات المتحدة، يقول الطبيبان في رسالتهما، على لسان أحدهما: «أكتب إليك معاناتنا في الحصول على تصريح وتصنيف الهيئة السعودية للتخصصات الصحية. بعد تخرجي من كليه الطب بجامعة أم القرى التحقت بالعمل طبيبا عاما في الخدمات الطبية بوزارة الداخلية، وخلال السنة الأولى شدني تخصص طب وجراحة القدم والكاحل وهو تخصص ليس معروفا إلا في أمريكا ويعتبر كلية طب مستقلة يتخرج حاملها للعمل كطبيب وجراح للقدم والكاحل ولا يندرج تحت تخصص جراحة العظام أو تخصصات الطب البشري. ولقد شدني في ذلك الوقت وجود أطباء سعوديين صنفتهم الهيئة السعودية كاستشاريين في طب وجراحة القدم والكاحل، الذين كان لهم دور كبير في خدمه المجتمع والتطوع بتدريب الأطباء والممارسين الصحيين في مجال القدم السكري لأكثر من ١٥ سنة. ولقد علمت أن التخصص معترف به من الهيئة السعودية للتخصصات الصحية ووزارة التعليم وأنه بإمكاننا الالتحاق بالبعثة التعليمية لدراسة هذا التخصص. لذا أبدى عملي في الخدمات الطبية بوزارة الداخلية إعجابه بفكرة التخصص، نظرا للنسبة المهولة للقدم السكري ومضاعفاته والثقل المالي الناتج عنه على وزارة الصحة وتمت الموافقة وابتعاثي لأمريكا للحصول عليه عام ٢٠٠٩. وبدأت رحلة مشواري الذي استغرق ثماني سنوات للحصول على هذا التخصص العظيم، حيث كان يجب أن ننهي أربع سنوات أكاديمية إجبارية لدراسة طب القدم وبعدها تم التحاقي بمستشفى جاكسون التعليمي في مدينة ميامي بولاية فلوريدا لفترة الزمالة والتدريب في جراحات القدم والكاحل لمدة ثلاث سنوات، حصلت خلالها على البورد الأمريكي في جراحة القدم والكاحل وعلاج القدم السكري. بعدها أتممت سنة تدريبية أخرى للتخصص الدقيق في جراحة الأعصاب السفلية بمدينة أتلانتا في ولاية جورجيا، لذا وبعد مرور ثماني سنوات في الغربة وحين عودتنا لأرض الوطن للمساهمة في تطوير المنظومة الصحية المتعلقة بالقدم السكري والحد من النسبة الكبيرة للبتر في بلادنا والتي وصلت أرقاما لا مثيل لها في السنوات الأخيرة، عند تقديم أوراقنا للهيئة السعودية للتخصصات الصحية فوجئنا بأنه تم سحب الاعتراف بالتخصص كتخصص طبي يندرج تحت الطب والجراحة وتم تحويله تحت العلوم الطبية وعليه لا يمكن تصنيفنا كأطباء وجراحين استشاريين للقدم وإنما استشاريين لطب القدم والكاحل أي أننا لسنا أطباء ولا جراحين.
لقد كان وقع الصدمة علينا كبيرا خاصة بعد سنوات الغربة والتعب في الخارج وتحمل جهة ابتعاثي من وزارة الداخلية نفقات البعثة.
إن الهيئة السعودية للتخصصات الصحية الآن تقف على مفترق الطرق لتصنيفنا فهي لا تريدنا أن نُصنف على التصنيف القديم الذي ابتعثنا بناء عليه ولا تستطيع أن تصنفنا تحت العلوم الطبية؛ لأننا حاصلون على بكالوريوس الطب البشري. وحقيقة باءت كل محاولاتنا بالفشل للتحدث مع مسؤولي الهيئة لشرح وجهه نظرنا. وإني أستغرب ما الذي يجعل الهيئة لا تنظر لي على أنني طبيب؟ فأنا لدي رخصة مزاولة طب وجراحة القدم والكاحل في ثلاث ولايات.
أتمنى أن تنظر الهيئة السعودية لموضوعنا من خلال عين العدالة، حيث يُسمح لي بعمل العمليات الجراحية للمواطن الأمريكي الذي لديه تأمين شامل، بوجود جيش من المحامين المستعدين للنيل مني في حالة الإخفاق أو التقصير في حق المريض، ولا يُسمح لي بالعمل في بلدي الذي تكلف العناء لابتعاثنا.
نتمنى الإنصاف فقط يا هيئتنا العزيزة».
علماً بأن الكاتب يحتفظ بنص الشكوى وأسماء وعناوين الطبيبين.
* كاتب اقتصادي سعودي
ولقد قابلت بعضهم في رحلات علاجي في أكبر المستشفيات الأمريكية والأوروبية، وكم كنت فخورا بهم وبكفاءتهم؛ إذ استطاعوا أن يثبتوا جدارتهم، ويرفعوا رأس السعوديين والعرب والمسلمين خارج أوطانهم.
ورغم فخري واعتزازي بهم، إلا أنني كنت أشعر بأسى وألم كبير عندما أراهم خارج الوطن وقد حطت بهم رحالهم في الغربة ليقدموا خدماتهم المهنية بأمانة وإخلاص لمرضى الدول المهاجرين إليها والمقيمين فيها، وأحيانا ليعالجوا بعض السعوديين القادمين للعلاج هناك في مستشفيات أمريكا وأوروبا.
وأثناء زياراتي للخارج التقيت بعضهم وتعرفت على كثير من الأسباب التي دفعتهم للهجرة والعمل في الولايات المتحدة وأوروبا، بعد أن صرفت عليهم المملكة وأنفقت ملايين الريالات لتأهيلهم علميا وعمليا، إلى أن انتهى بهم المطاف إلى الهجرة وحرمان الوطن من علمهم وخبرتهم، بعدما احتضنتهم جامعات ومستشفيات وشركات عالمية، وقدمت لهم عروضا مجزية جدا، إضافة الى إغراء بعضهم من خلال إتاحة الفرصة لهم في الإقامة والتجنيس.
وكنت قد كتبت في السابق عن هؤلاء المتميزين في الغربة، وعن ظاهرة تزايد هجرة الكفاءات الطبية، وطالبت بإعداد دراسة لمعرفة أسباب الهجرة التي لا نشك أنها أسباب عديدة ومتداخلة.
ولكن ما يدفعني اليوم لإعادة طرح الموضوع في هذا المقال هو الرسالة التي تلقيتها من طبيبين سعوديين يحملان درجة الزمالة من الولايات المتحدة الأمريكية، وقد عملا في أكبر المستشفيات الجامعية في أمريكا، وعالجا عديدا من المرضى بمن فيهم السعوديون من الأمراء والمواطنين، وتلقيا عروضا لاستمرار عملهما في الولايات المتحدة، إلا أنهما آثرا العودة للوطن لخدمة أبنائه من المرضى.
وسوف أعرض للقراء الكرام نص رسالة الطبيبين، وأترك الأمر لأخي معالي وزير الصحة الدكتور توفيق الربيعة الذي أثق في أمانته ونزاهته وحياديته، متمنيا عليه أن يعطي الأمر اهتماما خاصا، بعيدا عن روتينية الجهات المختصة، لندرك الطبيبين قبل أن يغادرانا مهاجرين إلى الولايات المتحدة، يقول الطبيبان في رسالتهما، على لسان أحدهما: «أكتب إليك معاناتنا في الحصول على تصريح وتصنيف الهيئة السعودية للتخصصات الصحية. بعد تخرجي من كليه الطب بجامعة أم القرى التحقت بالعمل طبيبا عاما في الخدمات الطبية بوزارة الداخلية، وخلال السنة الأولى شدني تخصص طب وجراحة القدم والكاحل وهو تخصص ليس معروفا إلا في أمريكا ويعتبر كلية طب مستقلة يتخرج حاملها للعمل كطبيب وجراح للقدم والكاحل ولا يندرج تحت تخصص جراحة العظام أو تخصصات الطب البشري. ولقد شدني في ذلك الوقت وجود أطباء سعوديين صنفتهم الهيئة السعودية كاستشاريين في طب وجراحة القدم والكاحل، الذين كان لهم دور كبير في خدمه المجتمع والتطوع بتدريب الأطباء والممارسين الصحيين في مجال القدم السكري لأكثر من ١٥ سنة. ولقد علمت أن التخصص معترف به من الهيئة السعودية للتخصصات الصحية ووزارة التعليم وأنه بإمكاننا الالتحاق بالبعثة التعليمية لدراسة هذا التخصص. لذا أبدى عملي في الخدمات الطبية بوزارة الداخلية إعجابه بفكرة التخصص، نظرا للنسبة المهولة للقدم السكري ومضاعفاته والثقل المالي الناتج عنه على وزارة الصحة وتمت الموافقة وابتعاثي لأمريكا للحصول عليه عام ٢٠٠٩. وبدأت رحلة مشواري الذي استغرق ثماني سنوات للحصول على هذا التخصص العظيم، حيث كان يجب أن ننهي أربع سنوات أكاديمية إجبارية لدراسة طب القدم وبعدها تم التحاقي بمستشفى جاكسون التعليمي في مدينة ميامي بولاية فلوريدا لفترة الزمالة والتدريب في جراحات القدم والكاحل لمدة ثلاث سنوات، حصلت خلالها على البورد الأمريكي في جراحة القدم والكاحل وعلاج القدم السكري. بعدها أتممت سنة تدريبية أخرى للتخصص الدقيق في جراحة الأعصاب السفلية بمدينة أتلانتا في ولاية جورجيا، لذا وبعد مرور ثماني سنوات في الغربة وحين عودتنا لأرض الوطن للمساهمة في تطوير المنظومة الصحية المتعلقة بالقدم السكري والحد من النسبة الكبيرة للبتر في بلادنا والتي وصلت أرقاما لا مثيل لها في السنوات الأخيرة، عند تقديم أوراقنا للهيئة السعودية للتخصصات الصحية فوجئنا بأنه تم سحب الاعتراف بالتخصص كتخصص طبي يندرج تحت الطب والجراحة وتم تحويله تحت العلوم الطبية وعليه لا يمكن تصنيفنا كأطباء وجراحين استشاريين للقدم وإنما استشاريين لطب القدم والكاحل أي أننا لسنا أطباء ولا جراحين.
لقد كان وقع الصدمة علينا كبيرا خاصة بعد سنوات الغربة والتعب في الخارج وتحمل جهة ابتعاثي من وزارة الداخلية نفقات البعثة.
إن الهيئة السعودية للتخصصات الصحية الآن تقف على مفترق الطرق لتصنيفنا فهي لا تريدنا أن نُصنف على التصنيف القديم الذي ابتعثنا بناء عليه ولا تستطيع أن تصنفنا تحت العلوم الطبية؛ لأننا حاصلون على بكالوريوس الطب البشري. وحقيقة باءت كل محاولاتنا بالفشل للتحدث مع مسؤولي الهيئة لشرح وجهه نظرنا. وإني أستغرب ما الذي يجعل الهيئة لا تنظر لي على أنني طبيب؟ فأنا لدي رخصة مزاولة طب وجراحة القدم والكاحل في ثلاث ولايات.
أتمنى أن تنظر الهيئة السعودية لموضوعنا من خلال عين العدالة، حيث يُسمح لي بعمل العمليات الجراحية للمواطن الأمريكي الذي لديه تأمين شامل، بوجود جيش من المحامين المستعدين للنيل مني في حالة الإخفاق أو التقصير في حق المريض، ولا يُسمح لي بالعمل في بلدي الذي تكلف العناء لابتعاثنا.
نتمنى الإنصاف فقط يا هيئتنا العزيزة».
علماً بأن الكاتب يحتفظ بنص الشكوى وأسماء وعناوين الطبيبين.
* كاتب اقتصادي سعودي