العيسى: ملاحقة التطرف في الفضاء الإلكتروني واجبة
أمين الرابطة: الأفكار المتطرفة خدمها العالم الافتراضي.. مخترقةً الحدود دون تأشيرات دخول
الأحد / 23 / صفر / 1439 هـ الاحد 12 نوفمبر 2017 02:10
«عكاظ» (جنيف) Okaz_Online@
- د.العيسى: الإسلاموفوبيا تعترض جهود محاربة التطرف وتعيق برامج الاندماج الإيجابي في دول الأقليات
- المشاركون ينوهون بجهود الرابطة في توعية الأقليات الإسلامية وتعزيز اندماجها الإيجابي ومد جسور التواصل الحضاري
- حضور من كبار الشخصيات الدينية والفكرية والأكاديمية حول العالم للملتقى
- د.العيسى: المملكة أصبحت منصةً عالميةً في محاربة الفكر المتطرف
- لن تزيدنا التحديات إلا عزيمة وإصراراً حتى نهزم التطرف والإرهاب.. ونعزز الوعي الديني والفكري.. والاندماج الإيجابي للأقليات
- يجب ملاحقة التطرف في الفضاء الإلكتروني.. وعلى أتباع الديانات مقاومة أطروحات الكراهية والإقصاء
- الأفكار المتطرفة خدمها العالم الافتراضي.. مخترقةً الحدود دون تأشيرات دخول.. ولا تراخيص عمل
- المتطرفون ضعفاء الحُجّة.. ولا قدرة لهم على مواجهة الحقائق
---------
ضمن الحضور الدولي لرابطة العالم الإسلامي في منصات التأثير العالمية، ولاسيما المحطات الغربية، حيث تتصاعد من حين لآخر حملات الإسلاموفوبيا الناشئة في عمومها عن معلومات آحادية أو مُجتزأة، أطلقت الرابطة أمس الأول في عاصمة المنظمات الدولية والتاريخ الأُمَمي جنيف السويسرية ملتقى «دور أتباع الأديان في تعزيز السلام والوئام» بحضور الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى، وجمعٍ من كبار المفكرين والكتاب والدبلوماسيين والمهتمين بالتواصل الحضاري بين الثقافات والأديان، ولاسيما القيادات الدينية بتنوعها.
وأكد الملتقى الذي حظي بتغطية إعلامية واسعة تقدير الحضور المهم والمؤثر لرابطة العالم الإسلامي والأفق الحضاري الذي تنتهجه والمعاني المهمة التي أوضحتها عن المفاهيم الحقيقة للإسلام، فيما أوضح الدكتور محمد العيسى في كلمته الافتتاحية أن رابطة العالم الإسلامي بوصفها مظلة للشعوب الإسلامية؛ تهتم بإيضاح حقيقة الإسلام ومحاربة الأفكار المتطرفة والإرهابية، وتعزيز الوعي الديني والفكري لدى الأقليات الإسلامية والتواصل مع الجميع لنشر قيم الاعتدال والتسامح والسلام، مشدداً على وجوب النظر لعالمنا بمزيد من التفاؤل والأمل مع بذل الجهود المشتركة لتعزيز فطرة الخير والمحبة والسلام لدى بني الإنسان وتفهُّم سنة الله في الاختلاف والتنوع والتعدد بين البشر، مشيراً إلى أن المملكة العربية السعودية أصبحت منصة عالمية لمحاربة الأفكار المتطرفة والإرهابية.
وأكد الشيخ العيسى وجوب ملاحقة التطرف في الفضاء الإلكتروني الذي شكل له المنصة الوحيدة للتأثير والاستقطاب، مضيفاً بأنه على أتباع الديانات والثقافات مقاومة الأطروحات الإقصائية وكذلك النظريات الكارهة مثل الإسلاموفوبيا التي تُعتبر حالياً المقاوم الأول لجهود محاربة التطرف كما تمثل عائقاً قوياً للاندماج الإيجابي للأقليات المسلمة ملقياً باللائمة فيها على رهانات المصالح الذاتية لبعض المنافسات السياسية بعيداً عن استطلاع الحقائق وبعيداً عن تقدير الأبعاد وأحياناً غياب الضمير عندما يعلم عن الحقيقة ثم لا يلتفت إليها لحسابات خاصة أو نزعة كراهية لذات الكراهية، كما أن اللائمة أيضاً تلحق في هذا على مزايدات الإثارات والاستفزازات الإعلامية.
ونبه الشيخ العيسى على أن هذه التحديات لن تؤثر على جهودنا جميعاً في محاربة التطرف والإرهاب ولن تزيدنا إلا عزماً وتصميماً وعملاً مستمراً حتى نهزمه بكافة أشكاله، وأن الأفكار المتطرفة خدمها العالم الافتراضي حتى اخترقت الحدود دون تأشيرات دخول ولا تراخيص عمل، وبرهن للحضور بالأمثلة أن المتطرفين ضعفاء الحُجّة، وأنه لا قدرة لهم على مواجهة الحقائق، وأنهم لا يعملون إلا في منطقة الفراغ، ولا يوظِّفون «لاسيما في الآونة الأخيرة» إلا العاطفة الدينية المجردة عن الوعي الديني والفكري، وأن رهانهم الأخير وأملهم الوحيد بعد تلاشي كثير من أفكارهم عند المواجهات القوية معها هو إثارة العواطف الدينية على إثر حملات الإسلاموفوبيا ضد الإسلام كدين وليس ضد المتطرفين فقط الذين حاربوا الاعتدال الإسلامي قبل غيره، وأن هذا الخطأ الفادح خدم التطرف والإرهاب كثيراً، مؤكداً أن نسبة التطرف في الدين لا تتجاوز النسمة الواحدة من أصل مائتي ألف نسمة، والعدد في تراجع لأقل من ذلك بفعل جهود محاربة التطرف وسعينا جميعا لتجاوز التحديات بعون الله.
من جهته، قال المندوب الدائم لبابا الفاتيكان الأسقف إيفان جيركوفيش، في كلمته في الندوة التي شهدت تنوعاً كبيراً في الحضور، إن الطريق الصحيح للوصول إلى السلام الحقيقي هو انطلاقه من مبدأ التسامح بين الأديان، مشدداً على أن السلام والتسامح لابد أن يكونا بعيدين عن القوة أو الإكراه، ويجب دعم وتعزيز ثقافة الاحترام لجميع الأديان وحمايتها وأن تزرع هذه الثقافة في الأجيال لينشؤوا على الحب والسلام.
بعدها بدأت جلسات الندوة، حيث تحدث القس الدكتور اولاف توايت في الجلسة الأولى عن محور العائلة الإبراهيمية وإرساء قيم التعايش السلمي. وبدأ القس حديثه بشكر الرابطة على تنظيم الندوة، مؤكداً أهمية أن يلتزم الجميع بالسعي إلى السلام في هذا العالم، لا سيما في هذه الفترة الحرجة لأوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا.
وزاد أن هناك الكثير من الانقسام ومن الاستقطاب بين الشعوب وبين الأمم وفي أماكن عدة، وقد أصبحت العقيدة للأسف عامل انقسام، وهذا ظاهر في كثير من دول العالم، كما وقد أسيء إلى بعض الأبرياء بسبب هويتهم الدينية مما قد يؤدي إلى إضفاء الشرعية على العنف، لافتا إلى أن هذا كله يلحق ضرراً بالأجيال الشابة ويحد من طموحاتها. وأكد القس توايت أن أفراد العائلة الإبراهيمية يؤمنون بإله واحد الذي خلق الإنسانية لكي يعيشوا معا، قائلاً: «نحن هنا اليوم لكي نشاطر هذه الأفكار ونبدي التزامنا لنبين معا ما يعنيه معتقدنا في الواقع العملي».
وقالت الأستاذة بجامعة جنيف الدكتورة فوزية عشماوي عن محور العائلة الإبراهيمية وإرساء قيم التعايش السلمي، إن اليهود والمسيحيين والمسلمين يأتون من نفس الجذع ومن نفس الأب المؤسس وهو إبراهيم عليه السلام، وهذا ما يؤمن به أتباع الديانات الثلاث؛ أما المسيحيون واليهود فإن الإسلام يعترف بأنهم أهل الكتاب ويعترف بكتبهم التوراة والإنجيل على أنها من الكتب المقدسة ويعترف بسيدنا موسى وسيدنا عيسى كأنبياء لهم مكانة مميزة في القرآن، إذ تتم تسميتهم في القرآن بأولي العزم، ويعترف بسيدنا عيسى عليه السلام على أنه كلمة الله وروحه وأمه مريم تم تبجيلها وتكريمها على أنها مريم العذراء البتول.
وأكدت عشماوي أهمية البحث عن القواسم المشتركة بين الأديان الثلاثة وإبراز أسس الحوار بين الأديان للعيش في سلام؛ وأن النقطة المشتركة الأولى بين الأديان الثلاثة هي أن الكتب المقدسة الثلاثة لها عناصر مشتركة وهي المواضع المتعلقة بالأخرويات كالبعث والحساب وعلامات الساعة والقيامة والجنة والنار.
وأشارت إلى أهمية أن يقيم أتباع هذه الديانات الثلاث حوارا مثمرا وليس حسب التفسيرات الخاطئة والصور المشوهة والقوالب النمطية والصور المبتذلة الموروثة عن الماضي، مضيفة أن هناك في الوقت الراهن مبادرة مفيدة تهدف إلى إيجاد منصة مشتركة بين الديانات التوحيدية الثلاث وهي مبادرة «كلمة سواء» المتمثلة في خطاب موحد يجمع أتباع الديانات الثلاث، وكذلك مبادرة مدريد حول تحالف الحضارات والمبادرات التقدمية لملوك المملكة العربية السعودية بما في ذلك مبادرة رابطة العالم الإسلامي لتعزيز الحوار الديني والعيش معا للتغلب على التحديات وجميع الأيديولوجيات السلبية السائدة التي تعرقل الحوار بين شعوب العالم.
وشددت على أن تضافر الجهود لتعزيز الحوار ما بين الثقافات والأديان خلال الاضطرابات الاجتماعية والثقافية التي عاشها العالم يوجب على الجميع توحيد جهودهم لإحياء التعددية الدينية من خلال احترام جميع الأديان والثقافات لتعزيز السلام العالمي القائم على احترام حقوق الإنسان الأساسية والعالمية للعيش بسلام.
وتحدث في الجلسة الثانية ميشال قران جون عن محور الأديان في مواجهة التطرف والإرهاب قائلاً إن على كل طرف معاملة الآخرين بنفس الطريقة التي يرغب هو بأن يُعامَل بها، كما يجب أيضاً إدانة جميع أشكال العنف بكافة أشكاله وأنواعه ومسمياته. واستشهد ميشال بأطروحات الكاتب الإيطالي كاستيليون الذي يعتبر من ضمن المؤسسين لسلام الأديان ويناهض الإرهاب ويرفض الإكراه الديني الذي يؤدي إلى تأجيج التطرف والإرهاب، وكذلك إثارة النزاعات والفتن. وندد ميشال بأفعال الجماعات التي تقوم بممارسة العنف ضد المسلمين في ميانمار.
وختم ميشال مشاركته بالاستشهاد بقول كاستيليون «يجب علينا ترك حرية الاعتقاد للآخرين حتى نفسح المجال أمام تعزيز السلام العالمي».
بعدها تحدث الأستاذ فرانك هانش في محور الأديان في مواجهة التطرف والإرهاب قائلاً إن هناك تركيزا على قضية العقلانية، وتحليل دائم للتمييز بين ما ينتمي إلى العاطفة وإلى الحنين وما له علاقة بالحقيقة، لذا يجب الفصل بين الأشياء المختلفة وما بين الرسائل المقدسة والرسالة العالمية والتكهنات.
وأكد أهمية عدم إكراه وإجبار الآخرين على اعتناق معتقد ديني، مشيراً إلى أن ذلك يشكل مسألة خطيرة؛ لأن الله لو أراد ذلك لجعل جميع الناس لهم ديانة واحدة لكن يجب علينا الاعتراف بالتعددية الدينية وحرية المعتقد الديني؛ لأن الإنسان هو الذي يقوم بتعزيز هذا الموقف في إطار موقف فكري محدد.
وأشار هانش إلى أن كل إنسان له جانب روحي وقدسي، ولكل إنسان القدرة على إخراج هذه الطاقات الدينية التي تكمن داخله من خلال الجانب النفسي، ومراقبة الذات والضغط على النفس ومن خلال التركيز، وهذا هو الهدف الذي ترمي إليه الأديان والتخلق والتسامي بالأخلاق، فالكنائس والمعابد ما هي إلا أماكن تهدف إلى التركيز والتخلق والتسامي والتعايش بسلام.
كادر (2)
المشاركون يرفعون «سلام بعض المجتمعات.. سلام لكل المجتمعات»
اختتم ملتقى «دور أتباع الأديان في تعزيز السلام والوئام» أعماله بالدعوة إلى رفع شعار عالمي جديد بعنوان «سلام بعض المجتمعات هو سلام كل المجتمعات»، وذلك اعتماداً على أن العالم قد أصبح مترابطا بشكل يمتد فيه فساد الجزء إلى من حوله ومن بَعُدَ عنه، محذراً من أن التهاون في تطبيق قيم العدالة والحرية والتسامح والسلام بين مختلف الديانات والثقافات، سيصنع نواة محتملة لفكرة متطرفة أو جريمة إرهابية، وأن عدم الانتصار للمظلومين سيكون له عواقب وخيمة.
وطالب الملتقى في توصياته بتكثيف اللقاءات الإسلامية مع علماء الأديان الأخرى لدراسة المسائل والإشكالات العالقة، وتشكيل مفاهيم مشتركة حولها، والتحرر من مؤثرات الصراع التاريخي بين أتباعها وذلك بهدف نشر ثقافة السلام والتفاهم، ورفض الترويج لثقافة العنف والكراهية والإقصاء، وعدم تسميم الفضاء الإعلامي بما يؤجج الصراعات الدينية والطائفية والفكرية.
وشدد المشاركون على أهمية التعاون والتنسيق بين مؤسسات الأديان الكبرى في العالم للتواصل مع صناع القرار السياسي والثقافي والاجتماعي لتمكين القيم والمبادئ الدينية والأخلاقية العليا والمشتركة.
وأكدوا ضرورة الاعتراف بإمكانية التعايش واللقاء بين الأديان والثقافات المختلفة رغماً عن عمق الاختلاف، وعدم السماح باستغلال أي فجوات وتفجيرها عبر الخلافات الشكلية، والعمل مع الفعاليات السياسية والاجتماعية والحقوقية لاحترام الخصوصيات الدينية أو الثقافية للأقلية والأكثرية، ودعوة هذه الفعاليات للإسهام في نهضة بلدانها، وأن تكون نموذجاً للمواطنة الحقة، متمثلة بحسن التعامل والتعايش والتسامح، وأن تكون مصدر إشعاع حضاري وعلمي في بلدانها، ومطالبتها بالنأي عن دعوات التطرف والكراهية والاستفزاز والانفصال ومد يد العون والمساعدة إلى اللاجئين والمشردين وضحايا الحروب والصراعات، والإسهام في تخفيف معاناتهم واحتوائهم إيجابيا حتى يتجاوزوا محنتهم بسلام دون أن تتخطفهم الانحرافات الفكرية والجماعات الإرهابية.
وشكر الملتقى جهود الرابطة في توعية الأقليات الإسلامية وتعزيز برامج اندماجها الإيجابي في مجتمعاتها ومد جسور التواصل الحضاري مع الجميع.
- المشاركون ينوهون بجهود الرابطة في توعية الأقليات الإسلامية وتعزيز اندماجها الإيجابي ومد جسور التواصل الحضاري
- حضور من كبار الشخصيات الدينية والفكرية والأكاديمية حول العالم للملتقى
- د.العيسى: المملكة أصبحت منصةً عالميةً في محاربة الفكر المتطرف
- لن تزيدنا التحديات إلا عزيمة وإصراراً حتى نهزم التطرف والإرهاب.. ونعزز الوعي الديني والفكري.. والاندماج الإيجابي للأقليات
- يجب ملاحقة التطرف في الفضاء الإلكتروني.. وعلى أتباع الديانات مقاومة أطروحات الكراهية والإقصاء
- الأفكار المتطرفة خدمها العالم الافتراضي.. مخترقةً الحدود دون تأشيرات دخول.. ولا تراخيص عمل
- المتطرفون ضعفاء الحُجّة.. ولا قدرة لهم على مواجهة الحقائق
---------
ضمن الحضور الدولي لرابطة العالم الإسلامي في منصات التأثير العالمية، ولاسيما المحطات الغربية، حيث تتصاعد من حين لآخر حملات الإسلاموفوبيا الناشئة في عمومها عن معلومات آحادية أو مُجتزأة، أطلقت الرابطة أمس الأول في عاصمة المنظمات الدولية والتاريخ الأُمَمي جنيف السويسرية ملتقى «دور أتباع الأديان في تعزيز السلام والوئام» بحضور الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى، وجمعٍ من كبار المفكرين والكتاب والدبلوماسيين والمهتمين بالتواصل الحضاري بين الثقافات والأديان، ولاسيما القيادات الدينية بتنوعها.
وأكد الملتقى الذي حظي بتغطية إعلامية واسعة تقدير الحضور المهم والمؤثر لرابطة العالم الإسلامي والأفق الحضاري الذي تنتهجه والمعاني المهمة التي أوضحتها عن المفاهيم الحقيقة للإسلام، فيما أوضح الدكتور محمد العيسى في كلمته الافتتاحية أن رابطة العالم الإسلامي بوصفها مظلة للشعوب الإسلامية؛ تهتم بإيضاح حقيقة الإسلام ومحاربة الأفكار المتطرفة والإرهابية، وتعزيز الوعي الديني والفكري لدى الأقليات الإسلامية والتواصل مع الجميع لنشر قيم الاعتدال والتسامح والسلام، مشدداً على وجوب النظر لعالمنا بمزيد من التفاؤل والأمل مع بذل الجهود المشتركة لتعزيز فطرة الخير والمحبة والسلام لدى بني الإنسان وتفهُّم سنة الله في الاختلاف والتنوع والتعدد بين البشر، مشيراً إلى أن المملكة العربية السعودية أصبحت منصة عالمية لمحاربة الأفكار المتطرفة والإرهابية.
وأكد الشيخ العيسى وجوب ملاحقة التطرف في الفضاء الإلكتروني الذي شكل له المنصة الوحيدة للتأثير والاستقطاب، مضيفاً بأنه على أتباع الديانات والثقافات مقاومة الأطروحات الإقصائية وكذلك النظريات الكارهة مثل الإسلاموفوبيا التي تُعتبر حالياً المقاوم الأول لجهود محاربة التطرف كما تمثل عائقاً قوياً للاندماج الإيجابي للأقليات المسلمة ملقياً باللائمة فيها على رهانات المصالح الذاتية لبعض المنافسات السياسية بعيداً عن استطلاع الحقائق وبعيداً عن تقدير الأبعاد وأحياناً غياب الضمير عندما يعلم عن الحقيقة ثم لا يلتفت إليها لحسابات خاصة أو نزعة كراهية لذات الكراهية، كما أن اللائمة أيضاً تلحق في هذا على مزايدات الإثارات والاستفزازات الإعلامية.
ونبه الشيخ العيسى على أن هذه التحديات لن تؤثر على جهودنا جميعاً في محاربة التطرف والإرهاب ولن تزيدنا إلا عزماً وتصميماً وعملاً مستمراً حتى نهزمه بكافة أشكاله، وأن الأفكار المتطرفة خدمها العالم الافتراضي حتى اخترقت الحدود دون تأشيرات دخول ولا تراخيص عمل، وبرهن للحضور بالأمثلة أن المتطرفين ضعفاء الحُجّة، وأنه لا قدرة لهم على مواجهة الحقائق، وأنهم لا يعملون إلا في منطقة الفراغ، ولا يوظِّفون «لاسيما في الآونة الأخيرة» إلا العاطفة الدينية المجردة عن الوعي الديني والفكري، وأن رهانهم الأخير وأملهم الوحيد بعد تلاشي كثير من أفكارهم عند المواجهات القوية معها هو إثارة العواطف الدينية على إثر حملات الإسلاموفوبيا ضد الإسلام كدين وليس ضد المتطرفين فقط الذين حاربوا الاعتدال الإسلامي قبل غيره، وأن هذا الخطأ الفادح خدم التطرف والإرهاب كثيراً، مؤكداً أن نسبة التطرف في الدين لا تتجاوز النسمة الواحدة من أصل مائتي ألف نسمة، والعدد في تراجع لأقل من ذلك بفعل جهود محاربة التطرف وسعينا جميعا لتجاوز التحديات بعون الله.
من جهته، قال المندوب الدائم لبابا الفاتيكان الأسقف إيفان جيركوفيش، في كلمته في الندوة التي شهدت تنوعاً كبيراً في الحضور، إن الطريق الصحيح للوصول إلى السلام الحقيقي هو انطلاقه من مبدأ التسامح بين الأديان، مشدداً على أن السلام والتسامح لابد أن يكونا بعيدين عن القوة أو الإكراه، ويجب دعم وتعزيز ثقافة الاحترام لجميع الأديان وحمايتها وأن تزرع هذه الثقافة في الأجيال لينشؤوا على الحب والسلام.
بعدها بدأت جلسات الندوة، حيث تحدث القس الدكتور اولاف توايت في الجلسة الأولى عن محور العائلة الإبراهيمية وإرساء قيم التعايش السلمي. وبدأ القس حديثه بشكر الرابطة على تنظيم الندوة، مؤكداً أهمية أن يلتزم الجميع بالسعي إلى السلام في هذا العالم، لا سيما في هذه الفترة الحرجة لأوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا.
وزاد أن هناك الكثير من الانقسام ومن الاستقطاب بين الشعوب وبين الأمم وفي أماكن عدة، وقد أصبحت العقيدة للأسف عامل انقسام، وهذا ظاهر في كثير من دول العالم، كما وقد أسيء إلى بعض الأبرياء بسبب هويتهم الدينية مما قد يؤدي إلى إضفاء الشرعية على العنف، لافتا إلى أن هذا كله يلحق ضرراً بالأجيال الشابة ويحد من طموحاتها. وأكد القس توايت أن أفراد العائلة الإبراهيمية يؤمنون بإله واحد الذي خلق الإنسانية لكي يعيشوا معا، قائلاً: «نحن هنا اليوم لكي نشاطر هذه الأفكار ونبدي التزامنا لنبين معا ما يعنيه معتقدنا في الواقع العملي».
وقالت الأستاذة بجامعة جنيف الدكتورة فوزية عشماوي عن محور العائلة الإبراهيمية وإرساء قيم التعايش السلمي، إن اليهود والمسيحيين والمسلمين يأتون من نفس الجذع ومن نفس الأب المؤسس وهو إبراهيم عليه السلام، وهذا ما يؤمن به أتباع الديانات الثلاث؛ أما المسيحيون واليهود فإن الإسلام يعترف بأنهم أهل الكتاب ويعترف بكتبهم التوراة والإنجيل على أنها من الكتب المقدسة ويعترف بسيدنا موسى وسيدنا عيسى كأنبياء لهم مكانة مميزة في القرآن، إذ تتم تسميتهم في القرآن بأولي العزم، ويعترف بسيدنا عيسى عليه السلام على أنه كلمة الله وروحه وأمه مريم تم تبجيلها وتكريمها على أنها مريم العذراء البتول.
وأكدت عشماوي أهمية البحث عن القواسم المشتركة بين الأديان الثلاثة وإبراز أسس الحوار بين الأديان للعيش في سلام؛ وأن النقطة المشتركة الأولى بين الأديان الثلاثة هي أن الكتب المقدسة الثلاثة لها عناصر مشتركة وهي المواضع المتعلقة بالأخرويات كالبعث والحساب وعلامات الساعة والقيامة والجنة والنار.
وأشارت إلى أهمية أن يقيم أتباع هذه الديانات الثلاث حوارا مثمرا وليس حسب التفسيرات الخاطئة والصور المشوهة والقوالب النمطية والصور المبتذلة الموروثة عن الماضي، مضيفة أن هناك في الوقت الراهن مبادرة مفيدة تهدف إلى إيجاد منصة مشتركة بين الديانات التوحيدية الثلاث وهي مبادرة «كلمة سواء» المتمثلة في خطاب موحد يجمع أتباع الديانات الثلاث، وكذلك مبادرة مدريد حول تحالف الحضارات والمبادرات التقدمية لملوك المملكة العربية السعودية بما في ذلك مبادرة رابطة العالم الإسلامي لتعزيز الحوار الديني والعيش معا للتغلب على التحديات وجميع الأيديولوجيات السلبية السائدة التي تعرقل الحوار بين شعوب العالم.
وشددت على أن تضافر الجهود لتعزيز الحوار ما بين الثقافات والأديان خلال الاضطرابات الاجتماعية والثقافية التي عاشها العالم يوجب على الجميع توحيد جهودهم لإحياء التعددية الدينية من خلال احترام جميع الأديان والثقافات لتعزيز السلام العالمي القائم على احترام حقوق الإنسان الأساسية والعالمية للعيش بسلام.
وتحدث في الجلسة الثانية ميشال قران جون عن محور الأديان في مواجهة التطرف والإرهاب قائلاً إن على كل طرف معاملة الآخرين بنفس الطريقة التي يرغب هو بأن يُعامَل بها، كما يجب أيضاً إدانة جميع أشكال العنف بكافة أشكاله وأنواعه ومسمياته. واستشهد ميشال بأطروحات الكاتب الإيطالي كاستيليون الذي يعتبر من ضمن المؤسسين لسلام الأديان ويناهض الإرهاب ويرفض الإكراه الديني الذي يؤدي إلى تأجيج التطرف والإرهاب، وكذلك إثارة النزاعات والفتن. وندد ميشال بأفعال الجماعات التي تقوم بممارسة العنف ضد المسلمين في ميانمار.
وختم ميشال مشاركته بالاستشهاد بقول كاستيليون «يجب علينا ترك حرية الاعتقاد للآخرين حتى نفسح المجال أمام تعزيز السلام العالمي».
بعدها تحدث الأستاذ فرانك هانش في محور الأديان في مواجهة التطرف والإرهاب قائلاً إن هناك تركيزا على قضية العقلانية، وتحليل دائم للتمييز بين ما ينتمي إلى العاطفة وإلى الحنين وما له علاقة بالحقيقة، لذا يجب الفصل بين الأشياء المختلفة وما بين الرسائل المقدسة والرسالة العالمية والتكهنات.
وأكد أهمية عدم إكراه وإجبار الآخرين على اعتناق معتقد ديني، مشيراً إلى أن ذلك يشكل مسألة خطيرة؛ لأن الله لو أراد ذلك لجعل جميع الناس لهم ديانة واحدة لكن يجب علينا الاعتراف بالتعددية الدينية وحرية المعتقد الديني؛ لأن الإنسان هو الذي يقوم بتعزيز هذا الموقف في إطار موقف فكري محدد.
وأشار هانش إلى أن كل إنسان له جانب روحي وقدسي، ولكل إنسان القدرة على إخراج هذه الطاقات الدينية التي تكمن داخله من خلال الجانب النفسي، ومراقبة الذات والضغط على النفس ومن خلال التركيز، وهذا هو الهدف الذي ترمي إليه الأديان والتخلق والتسامي بالأخلاق، فالكنائس والمعابد ما هي إلا أماكن تهدف إلى التركيز والتخلق والتسامي والتعايش بسلام.
كادر (2)
المشاركون يرفعون «سلام بعض المجتمعات.. سلام لكل المجتمعات»
اختتم ملتقى «دور أتباع الأديان في تعزيز السلام والوئام» أعماله بالدعوة إلى رفع شعار عالمي جديد بعنوان «سلام بعض المجتمعات هو سلام كل المجتمعات»، وذلك اعتماداً على أن العالم قد أصبح مترابطا بشكل يمتد فيه فساد الجزء إلى من حوله ومن بَعُدَ عنه، محذراً من أن التهاون في تطبيق قيم العدالة والحرية والتسامح والسلام بين مختلف الديانات والثقافات، سيصنع نواة محتملة لفكرة متطرفة أو جريمة إرهابية، وأن عدم الانتصار للمظلومين سيكون له عواقب وخيمة.
وطالب الملتقى في توصياته بتكثيف اللقاءات الإسلامية مع علماء الأديان الأخرى لدراسة المسائل والإشكالات العالقة، وتشكيل مفاهيم مشتركة حولها، والتحرر من مؤثرات الصراع التاريخي بين أتباعها وذلك بهدف نشر ثقافة السلام والتفاهم، ورفض الترويج لثقافة العنف والكراهية والإقصاء، وعدم تسميم الفضاء الإعلامي بما يؤجج الصراعات الدينية والطائفية والفكرية.
وشدد المشاركون على أهمية التعاون والتنسيق بين مؤسسات الأديان الكبرى في العالم للتواصل مع صناع القرار السياسي والثقافي والاجتماعي لتمكين القيم والمبادئ الدينية والأخلاقية العليا والمشتركة.
وأكدوا ضرورة الاعتراف بإمكانية التعايش واللقاء بين الأديان والثقافات المختلفة رغماً عن عمق الاختلاف، وعدم السماح باستغلال أي فجوات وتفجيرها عبر الخلافات الشكلية، والعمل مع الفعاليات السياسية والاجتماعية والحقوقية لاحترام الخصوصيات الدينية أو الثقافية للأقلية والأكثرية، ودعوة هذه الفعاليات للإسهام في نهضة بلدانها، وأن تكون نموذجاً للمواطنة الحقة، متمثلة بحسن التعامل والتعايش والتسامح، وأن تكون مصدر إشعاع حضاري وعلمي في بلدانها، ومطالبتها بالنأي عن دعوات التطرف والكراهية والاستفزاز والانفصال ومد يد العون والمساعدة إلى اللاجئين والمشردين وضحايا الحروب والصراعات، والإسهام في تخفيف معاناتهم واحتوائهم إيجابيا حتى يتجاوزوا محنتهم بسلام دون أن تتخطفهم الانحرافات الفكرية والجماعات الإرهابية.
وشكر الملتقى جهود الرابطة في توعية الأقليات الإسلامية وتعزيز برامج اندماجها الإيجابي في مجتمعاتها ومد جسور التواصل الحضاري مع الجميع.