نفس «2 »

طارق على فدعق

متوسط مساحة الشقة في جدة هو حوالى مائة وثمانين مترا مربعا.. يمكن أن تسكن فيها أسرة مكونة من خمسة أشخاص.. وهي تعادل المساحة التي تغطيها حوالى خمس عشرة سيارة كامري.. وسبحان الله أن هذه هي تقريبا مساحة سطح الرئة الآدمية بداخل صدورنا.. من الصعب أن نتخيلها.. ولكن هناك المزيد، فكل رئة تحتوى على أكثر من مائة وخمسين مليون كيس صغير يتم من خلاله مرور الهواء إلى داخل أجسامنا.. ولن نتوقف هنا في ذكر إعجاز الخالق العظيم، فلو قمت بقياس إجمالي طول المجاري الهوائية بداخل رئتيك، فستجد أنها كافية لتغطية المسافة من جدة إلى الرياض.. ثم إلى جدة.. فكِّر في كل هذه المعجزات كلما تنفست، وللعلم فستفعلها حوالى مائة مرة أثناء قراءتك لهذه المقالة.. لو قررت أن تكملها طبعا.. ولو لم تسبب لك درجة إزعاج كبيرة.. وكل دقيقة نتنفس حوالى 12مرة لندخل حوالى ستة لترات من الهواء إلى داخل أجسامنا.. ما يعادل محتوى ثماني عشرة علبة بيبسي، وبالمناسبة فمعظم ما نستنشقه ليس أوكسجين بل هو غاز النيتروجين.. ومعظم ما تفرزه الرئة ليس ثاني أكسيد الكربون بل هو نيتروجين أيضا.. فى كل نفس معجزة.. حوالى سبعة عشر ألف مرة يوميا.. لكننا لا نفكر فيها، وللأسف أننا أيضا في بعض الأحيان نجحد هذه النعمة الرائعة، وفى الواقع ففي بعض الأحيان نتفاعل معها وكأننا في حملة كبرى لتدمير الرئة البشرية.. وفضلا ملاحظة الممارسات التالية للمؤامرة ضد الرئة البشرية:
التنباك: ونحن في مقدمة الدول المستهلكة للتبغ نسبة إلى الفرد.. وطبعا لا يقتصر الضرر على السجائر فحسب، فكل أنواع التبغ تضيف إلى دمار الرئة البشرية من المعسل والسيجار والغليون، والمشكلة أن العديد ممن سيصابون بالضرر ليسوا من المدخنين، ولا ذنب لهم في الموضوع فهم ممن كانوا حول المدخنين لسبب أو آخر، والكارثة الكبرى هنا هي أن العديد منهم من الأطفال الذين لا ذنب لهم.. وتصبح في هذه الحالة معادلة إرضاء (مزاج) المدخنين محتوية على جانب قسوة القوى على الضعيف.
الشي: من الصعب أن نجد من لا يعشق المأكولات المشوية الطازجة، ولكن عدم التحكم في نوعية وكمية التلوث الناتج عن الشي يضيف العديد من الأبعاد الصحية السلبية للموضوع.. كل سيخ مبشور أو كفتة أو كباب يبعث بعض (الهباب) إلى أجوائنا، بل ويحمل قطعا صغيرة من اللحم والشحم لتسبح في أجوائنا وربما تزور رئاتنا. النقل: نظرا لأننا من أكثر دول العالم اعتمادا على السيارة، ونظرا لأننا عموما لا نحب المشي والرياضة، فكمية الانبعاثات الملوثة للهواء فى أجوائنا في تزايد مستمر ومخيف ونحتاج لوقفة جادة لإعادة التقويم في ما نفعل في هواء مدينتنا.
أمنيات..
يحتم علينا مبدأ الاستدامة والخلافة في الأرض أن نهتم بشؤون الأجيال القادمة لنحافظ على مكتسبات نِعم اليوم.. لذا فأتمنى أن نكون جادين في إعادة النظر في كل ما يؤثر على بيئتنا لتحسينها.. إعادة النظر في الهباب الصادر من مداخن التحلية في جدة.. إعادة النظر في تسخين سياراتنا في الصباح.. وفى التدخين حول من نحب.. وفى مداخن محلات الشي في وطننا.. لكن هناك ما هو أهم من كل هذا، فهناك كارثة بيئية تتطلب عملا سريعا وجادا وهي حرائق مردم النفايات في جدة، عسى أن يوفقنا الله في التغلب عليها.. وهذه هي مجرد البداية.
والله من وراء القصد
tfadaak@hotmail.com