أخبار

العلي.. ممثل خلد في ذاكرة السعوديين

لعب مهاجماً لأهلي الرياض.. ومذيعاً في القناة الثانية.. ورحل باكراً مهموماً بـ«الدراما»

العلي مع القصبي.

عبدالله الجريدان (الرياض) jreedan@

47 يوماً تفصل السعوديين عن الذكرى الـ15 لرحيل أحد أهم مؤسسي الدراما والمسرح السعودي، الفنان محمد العلي الذي علق في ذاكرة السعوديين، بعد أكثر من ثلاثة عقود «مرت سريعاً» أثرى فيها التجربة الدرامية والمسرحية في المملكة بعشرات الأعمال، بدأت بسهرة «أستاذ حمد» في منتصف ستينات القرن الماضي (أسود وأبيض)، وتلتها عشرات الأعمال الدرامية والمسرحية، ولعل أكثرها شهرة مسلسل «خلك معي» بأجزائه الستة.

«عكاظ» تستعيد ومضة من حياة الفنان محمد العلي أو «أبو سامي» كما كان يطلق عليه أصدقاؤه قبل زواجه، أو مهاجم فريق نادي الرياض لكرة القدم (أهلي الرياض آنذاك)، وربما أول مذيع يتحدث اللغة الإنجليزية ويطل عبر القناة الثانية.

لا ينفك الخوض في غمار حياة الفنان محمد العلي، من مشاعر الحزن والأسى، التشويق، الفرح، الإنسانية، إذ إن ذكراه شريط ممتلئ، وليس من السهولة استعراضه دون تعمق، لكن ابنه فهد الذي كان يلازمه كثيراً، روى لـ«عكاظ» العديد من تفاصيل حياة والده، إذ دوت صرخته بأحد منازل حي القرى في مدينة الرياض عام 1949 عقب «سنة الغرقة» المعروفة التي وقعت في حائل، بيد أن فرحة عبدالله السالم بقدوم ابنه، لم تدم إلا لحظات، إذ بلغه أن زوجته نورة الخريجي لم تعد بصحة جيدة، لتوافيها المنية بعد ولادته بأسبوع.

بعد رحيل والدة محمد العلي وهو ابن السبعة أيام، طلب خاله حسن الخريجي الذي فقد أحد أطفاله قبل أن يتم شهره الأول، أن يتولى تربية محمد، وعاش محمد في كنف والده يتيماً، لكن المفارقة أنه لم يكتشف يتمه إلا بعد أن أتم ربيعه السابع، ولم يعرف والده إلا حين طلب إرساله إلى دمشق ليكمل تعليمه في مدرسة داخلية مع أخيه عبدالرحمن. اللافت أن عشر نساء كان يكن لهن العلي معزة كبيرة تصل إلى مكانة «الأمومة».

الولع بـ«سينما دمشق»

وصل اليتيم إلى دمشق وارتدى لأول مرة البنطال القصير، ويقول ابنه فهد لـ«عكاظ» إن والده «كان يروي لنا ذلك بطرفة، ويقول لم نكن نعلم أن لنا ساقين». العلي محمد عمد إلى جمع أمواله بدمشق لحضور السينما وشراء حلوى الهريسة «البسبوسة»، وكان مولعاً بدور السينما هناك.

مكث محمد العلي في العاصمة السورية دمشق نحو أربعة أعوام، وانتقل بعد ذلك إلى مصر ليمكث في أرض الكنانة أربعة أعوام تدرب خلالها على الملاكمة، لكن عند عودته إلى مسقط رأسه (الرياض) ظهرت موهبة جديدة نقلته إلى خانة الهجوم بفريق كرة نادي «أهلي الرياض» الذي يحمل اسم نادي الرياض حالياً، واستمر لاعباً في النادي لمدة عامين.

الخروج عن النص

أكمل العلي تعليمه الثانوي في الرياض، وفي معهد الأنجال بالرياض شارك بأول مسرحية له عام 1964، بحضور الملك فهد رحمه الله، حينما كان وزيرا للمعارف، ورغم بساطة الدور الذي يؤديه العلي، إلا أنه فور خروجه على خشبة المسرح خرج عن النص في أول ظهور له، واستمر مرتجلاً لأكثر من ١٠ دقائق، ويقول عثمان الصالح المعلم بمعهد الأنجال حينها إن الملك فهد لم ينفك عن الضحك لطرافة العلي وجودة أدائه، بحسب فهد محمد العلي.

بعد الدراسة النظامية، اختار العلي التلفزيون للعمل فيه، ونال في عمله الجديد بعثة إلى بريطانيا ليدرس الهندسة الإلكترونية، وعاد للعمل كأول مذيع سعودي في القناة السعودية الثانية (الناطقة بالإنجليزية) مطلع السبعينات.

شغف العلي بالتمثيل قاده إلى المشاركة في سهرة «الأستاذ حمود» مطلع ستينات القرن الماضي، وقدم أول عمل مسرحي «احترافي» عام 1971 في مسرحية «المزيفون»، وتولى إدارة شركة إنتاج سعودية في بداية التسعينات، ليخرج في نهايتها بشركته الخاصة للإنتاج الفني التي أنتجت عددا من أعماله، وكان مسلسل «طعم الأيام» آخر عمل قدمه العلي في مسيرته الطويلة.

خلك معي

وحقق مسلسل «خلك معي» صيتاً واسعاً بين السعوديين، كما أن أجزاءه الستة فتحت انتقادات على الفنان العلي، بيد أنه يرى في حوار مع الزميلة «الجزيرة» عام 2001، أن الدراما السعودية بحاجة إلى تطوير، وأن الممثل وحده لا يكفي «ثمة عناصر أهم من الممثل، فهناك المخرج والمصور ومهندس الديكور والسيناريست، فالممثل لوحده لا يستطيع أن يعمل».

فيما يعزو الفنان عبدالله السدحان –خلال لقاء تلفزيوني بقناة روتانا- إلى الفنان محمد العلي الدور الكبير في ظهوره هو وعدد من الممثلين، ويقول السدحان إن العلي كان يتنازل عن أشياء كثيرة على المسرح للفنان الآخر المشارك معه في المسرحية، فكان يهمه ظهور الشباب وبروزهم أكثر من نفسه. حياة الراحل محمد العلي التي ارتدت ثوباً نسجت خيوطه بالدراما، وعقدت حبكتها أقداره، مليئة بالعديد من القصص الشيقة، وتقبع خلف كواليس «سهرة نورة» إحداها، إذ استلهم فكرة ذلك العمل المكون من حلقتين، أثناء حديث أسري وقع ذات مساء في المنزل مع زوجته شيخة الخليفة.

ويقول فهد محمد العلي، إن والدتي كانت تسرد لأبي قصة حدثت لأحد معارفها، وأثناء ذلك، نهض والدي ليجلب ورقة وقلما، وبدأ بالكتابة، حينها سألته والدتي عن ماهية ما يقوم بتدوينه، ليطلب منها إكمال القصة بكامل التفاصيل. وبعد انتهاء شيخة الخليفة من القصة فرغ العلي من كتابتها أيضاً، وأخبرها أنه سيحولها إلى عمل درامي. وعمل العلي على تنفيذ تلك القصة إلى عمل فني مكون من جزأين، وهو«سهرة نورة»، وقام شخصياً بتنفيذه وإنتاجه أيضاً.

الكثير من القصص والأحداث وقعت للراحل أثناء حياته، لكن أبرزها تلك التي تتعلق بالجانب الإنساني، إذ كان يتقلد منصبا يدير فيه إحدى شركات الإنتاج، وكانت الشركة تسلم موظفيها مرتباتهم بانتظام، إلا أن ذات يوم خاضت الشركة بعض المشكلات التي تتعلق بالموارد المالية، لتضطر لتأخير رواتب موظفيها أكثر من شهر.

ويوضح فهد العلي أن والده حينها حاول أن يتصرف بقدر المستطاع، رغم أنه أيضا لم يتسلم مرتبه الشهري مثل زملائه الموظفين آنذاك، لكنه في المقابل كان يمتلك سيارة من نوع كرايسلر، وهي ذات قيمة جيدة في ذلك الوقت. قرر العلي بيع سيارته وتوزيع قيمتها على الموظفين في الشركة حتى يتمكنوا من قضاء بعض حاجاتهم، لا سيما أن المرتب المتأخر كان يسبق إجازة الصيف، التي خلالها يسافر فيها الموظفون إلى بلدانهم؛ ليتمتعوا بالإجازه مع ذويهم وأصدقائهم.

ويشير فهد إلى أن الراحل كان يتعامل مع الجمهور بطريقة بسيطة ولطيفة، إذ كان دائم الابتسامة، ولا يرفض التحية عليهم وعلى أطفالهم الصغار أيضاً.