ابن جدلان يعالج التواريخ المتهالكة بالطيب
الجمعة / 06 / ربيع الأول / 1439 هـ الجمعة 24 نوفمبر 2017 03:07
قراءة: علي الرباعي Al_ARobai@
كان الزمن، ولا يزال، وسيظل معادلاً موضوعياً لثنائية الإنسان، والمكان، إلا أنه المعادل الأخطر في هذا الثالوث، كونه مادة غير محسوسة، أو كائنا غير ماثل للعيان، كما أنه يطبع بصمته، ويحفر أخاديد آثاره، تاركاً ضحاياه جثثاً هامدة، وربما لا يعترف الإنسان بزمن ملموس إلا عند اقتراب رحيله (كأن لم يلبثوا إلا ساعة من نهار). زمن العاشق أعقد الأزمنة، من حيث طوله، وسرعة انقضائه، باختلاف اللحظة التي يكون فيها العاشق، إضافة إلى ما يترتب عليه من احتمالات، فالانتظار مثلاً يحيل المنتظر إلى ناقم على الزمن، والشاعر بكل ما أوتي من رهافة حس إن لم يكن زمنه عامراً بوصل المعشوق، متحدياً ظروف المكان، وتصدي الإنسان، يتحول لخصم عنيد، يقهره إما بالنسيان، أو كما فعل الراحل سعد بن جدلان حينما استدرجه إلى فضاء الشخصنة ليمكنه محاكمة آثاره المتهالكة:
ودّنا بالطيب مير الزمن جحاد طيب
كل ما تخلص مع الناس كنك تغشها
يذهب شاعرنا بكامل يقظته إلى أن الزمن هم الناس، وهذه مندوحة لتفادي محاكمة غير المرئي، فالزمن متلبّس بالآدمي بكل ما فيه من قلة الوفاء غالباً، ما يوجب على النقي الخارج من فيء النخيل إلى رفع لائحة الاتهام، كما فعل المتنبي مع الزمن في أكثر من قصيدة منها (أفاضلُ الناسِ أغراضُ لدى الزمن، يخلو من الهم أخلاهم من الفطن) وفي قصيدة ثانية (أُريدُ من زمني ذا أن يُبلّغني، ما ليس يبلغه من نفسه الزمن).
وبحكم التجربة البشرية لا الشعرية، يصل ابن جدلان إلى مرحلة التقاطع مع المثل الذائع «اعمل المعروف وارميه في البحر» أو «ليتنا من حجنا سالمين» عندما يقول:
يدك لا مدت وفا لا تحرى وش تجيب
كان جاتك سالمة حب يدك وخشها
وبما أن الغالب الأعم أن المبدعين غير محظوظين في علاقاتهم العاطفية والإنسانية، فمن الطبيعي أن يقع شاعرنا في ذات الإشكالية:
كل ما شبيت نار المحبة مع حبيب
قام يسحل في مشاهيبها ويرشها
ابن جدلان يبلغ مبلغ التهذيب في التماس الأعذار بحكم صفاء الروح الشاعرية.
ويتغافل قصداً وبطيب خاطر عن تجاوزات الدون، صاحب الوجه المدهون، والحبيب الذي يتعامل بأكثر من لون، ولا يبالغ في تضخيم الزلات، وإن شبّه الخطأ من حبيبه، بالوجه الغريب وغير المألوف: كل ما واجهت لك في زمن وجه غريب مثل ما قال المثل دام تمشي مشها إلا أنه سرعان ما يعود لطبيعته البشرية الناقمة، ليصفي الحساب مع الذمم الرخيصة، والمتفانية في أذى الآخرين بقصد وإصرار وترصد، دون إذعان للحق، ما يدفعه للدعاء عليها:
وذمة ما هيب تندار للحق المصيب
جعل قشاش الحطب لاسرح يقتشها
ودّنا بالطيب مير الزمن جحاد طيب
كل ما تخلص مع الناس كنك تغشها
يذهب شاعرنا بكامل يقظته إلى أن الزمن هم الناس، وهذه مندوحة لتفادي محاكمة غير المرئي، فالزمن متلبّس بالآدمي بكل ما فيه من قلة الوفاء غالباً، ما يوجب على النقي الخارج من فيء النخيل إلى رفع لائحة الاتهام، كما فعل المتنبي مع الزمن في أكثر من قصيدة منها (أفاضلُ الناسِ أغراضُ لدى الزمن، يخلو من الهم أخلاهم من الفطن) وفي قصيدة ثانية (أُريدُ من زمني ذا أن يُبلّغني، ما ليس يبلغه من نفسه الزمن).
وبحكم التجربة البشرية لا الشعرية، يصل ابن جدلان إلى مرحلة التقاطع مع المثل الذائع «اعمل المعروف وارميه في البحر» أو «ليتنا من حجنا سالمين» عندما يقول:
يدك لا مدت وفا لا تحرى وش تجيب
كان جاتك سالمة حب يدك وخشها
وبما أن الغالب الأعم أن المبدعين غير محظوظين في علاقاتهم العاطفية والإنسانية، فمن الطبيعي أن يقع شاعرنا في ذات الإشكالية:
كل ما شبيت نار المحبة مع حبيب
قام يسحل في مشاهيبها ويرشها
ابن جدلان يبلغ مبلغ التهذيب في التماس الأعذار بحكم صفاء الروح الشاعرية.
ويتغافل قصداً وبطيب خاطر عن تجاوزات الدون، صاحب الوجه المدهون، والحبيب الذي يتعامل بأكثر من لون، ولا يبالغ في تضخيم الزلات، وإن شبّه الخطأ من حبيبه، بالوجه الغريب وغير المألوف: كل ما واجهت لك في زمن وجه غريب مثل ما قال المثل دام تمشي مشها إلا أنه سرعان ما يعود لطبيعته البشرية الناقمة، ليصفي الحساب مع الذمم الرخيصة، والمتفانية في أذى الآخرين بقصد وإصرار وترصد، دون إذعان للحق، ما يدفعه للدعاء عليها:
وذمة ما هيب تندار للحق المصيب
جعل قشاش الحطب لاسرح يقتشها